الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
تركيا التي تحتلّ أراضينا
عمار ديوب

تحاول تركيا منذ أكثر من أسبوع فرض منطقة آمنة، وإعادة أكثر من مليون سوري إلى سوريا كراهية وإجباراً، واستغلّت مؤخراً طلب السويد وفنلندا للدخول بحلف الناتو، لمقايضة الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوربي للسماح لها بتشكيل تلك المنطقة، والاستفادة من كل ذلك بفرض احتلالها لمناطق جديدة في سوريا، وبالوقت ذاته تثقيل أردوغان لحزبه في السياسة الداخلية التركية والفوز بانتخابات 2023.

لا أرى كسوريٍّ خطأً في إعادة السوريين، فالأصل ألّا يغادروا، وألّا يكونوا بحاجة لتركيا أو أية دولة في الإقليم أو العالم لاستقبال السوريين المهجرين؛ القضية تتعلق بمسؤولية النظام أولاً وبالمعارضة ثانياً، المعارضة التي لم تمثل مصالح السوريين، وسلّمت قضيتهم بالرخيص للدول، قبالة تبعية انتهازية منحطة، وهذه لا شك تنال عليها الفئات الفاعلة في الائتلاف ومؤسساته الكثير من الأموال والمصالح الذاتية.

تركيا، تستغلّ التغيرات الدولية من أجل صراعاتها الداخلية، وبالتالي من الطبيعي أن تفكر بعملية عسكرية تستهدف الشريط الحدودي، وستكون موجهة بصفة خاصة ضد قوى الأمر الواقع المسيطرة في قسد. لا يمكن لوطنيٍّ سوريٍّ إلّا أن يرفض تلك العملية، ولو كانت موجهة بصفة خاصة إلى أكراد سوريا، وبغضّ النظر عن سياساتهم ومشاريعهم المرتبطة بالدعم الأمريكي. إن الرفض قضية وطنية بامتياز، وضمناً كافة أشكال التدخل في سوريا مرفوضة؛ الداعمة للنظام أو للمعارضة أو لقسد أو لأسبابها الخاصة، وبالطبع كل تدخل ينطلق من أجل مصالح دولته أولاً، وبالتأكيد لا يمكن أن يكون التدخل لدعم ثورة شعبية أو من أجل مشروع وطني.

المناوشات الأخيرة، والتي تجريها تركيا عبر الفصائل السورية الإسلامية، التابعة لها، وتصريحات أردوغان بأن جيوشه ستحتل تل رفعت ومنبج، تقول بأن تلك لعملية ستتم، سيما أن روسيا بحاجة لاستمالة تركيا، أو لإبقائها على الحياد في حربها ضد أوكرانيا، أو حاجة أمريكا لتركيا لأسباب كثيرة، وأيضاً من أجل حصار روسيا، وربما بسبب نتائج إخفاق الاتفاق النووي مع إيران، حيث إمكانية توقيعه أصبحت تواجه الكثير من التعقيدات، وفي حال الإخفاق سيكون هناك تعقيدات، وتحالفات جديدة في المنطقة، وهناك من يرى بأن الإدارة الأمريكية ستستعيد تموقعها من جديد إلى جانب حلفائها "التاريخيين"، والكيان الصهيوني من جديد.

إذاً تستغلّ تركيا الشروط الدولية من أجل غزوتها الجديدة، سيما أن الشروط الدولية تتجاهل القرارات الدولية التي تتضمن حلاً، أو بداية حلٍّ للمسألة السورية، ينطلق من هيئة كاملة الصلاحيات، تقود مرحلة انتقالية، وتطوي كل أشكال الصراع منذ 2011، وتفكك النظام القائم، وتكون نتيجتها نظاماً يمثل كل السوريين.

تركيا تعي غياب الشروط الدولية المنصِفة للسوريين، فتتحرك بشروطها الخاصة، ومن أجل خدمة سياسات أردوغان وحزبه، والتي تتحدد في معاداة أكراد سوريا، وانطلاقاً من اتفاقية أضنة لعام 1998، والتي تتيح لها التدخل في سوريا، وبعمق 30 كيلومتر، حماية لأمنها القومي.

مشكلتنا في سوريا ليست في سياسات تركيا هذه، بل في المعارضات وقوى الأمر الواقع، والتي لا تجد مدخلاً جاداً وتحالفات كبيرة لرفض تلك السياسات، ولا تعمل شيئاً من أجل ذلك، وفي ذلك تستوي قسد ومسد والائتلاف الوطني والفصائل التابعة لتركيا. احتلّت تركيا مناطق واسعة من قبل، وهددت تجربة قسد، واحتلت عفرين خاصة، والسؤال ماذا فعلت القوى أعلاه، لتتجاوز الوضع السوري المعارض والمتأزّم بشدة؟

لا شيء على الإطلاق. الائتلاف لا وزن له ضمن الفصائل، وكافة مؤسساته تابعة للدولة التركية، أي لا يضع على طاولة قراراته السياسية رفض العملية التركية، وماذا فعلت قسد ومسد وتحالفاتهما من أجل التقارب مع المجتمعات المحلية، ولا سيما العرب وبقية القوميات في شرق وشمال سوريا؟

أيضاً لا شيء، بل والأنكى أنّ مشكلات جديدة تبرز وتوضح البعد والفجوة بين تلك القوميات، ولا سيما لدى العرب، وبالتالي لا تهتم قسد بالبحث عن مشتركات في مناطق سيطرتها، تستطيع من خلالها مواجهة الغزو التركي الجديد، واستعانتها بالإدارة الأمريكية، وتنبيهها لها، بأن كل مواجهة مع تركيا، أو السماح للأخيرة بالغزو سيضعف المواجهة مع داعش؛ أقول هذه سياسات فاشلة بامتياز، وهي كذلك لأن تلك الإدارة لطالما ابتزّت قسد، ودفعتها للحوار مع روسيا والنظام، بل وتركيا. الآن الوضع الدولي اختلف، والتأزّم شديد بين روسيا وأمريكا، ويمكن فعلاً أن تدعم الإدارة الأمريكية قسد، ولكنها، بحاجة إلى تركيا، والأخيرة ستستغل ذلك من أجل تحقيق مصالحها في غزوة جديدة، وإعادة بعض اللاجئين، وسحب مناطق واسعة من سيطرة قسد.

لا معنى للبكاء على أطلال مناطق كانت تسيطر عليها قسد وخسرتها، وأهمها من قبل عفرين، والآن هناك تل رفعت ومنبج وربما عين عرب. ما يغير المعادلات أن تتغير العلاقات المقطوعة بين قوميات شرق وشمال سوريا، وأن تقطع قسد علاقتها بحزب العمال الكردستاني، كما تطالبها الإدارة الامريكية بذلك، وعموم السوريين، وتركيا، ويُغيّر بالمعادلات أن يستقل القرار السوري للمعارضة عن التبعية لتركيا أو دول الخليج، المختلفة في سياساتها إزاء سوريا، والمتفقة في تغييب الاستقلالية للمعارضة وانتهاج سياسات وطنية.

تركيا احتلّت من قبلٍ كامل لواء إسكندرون، وتمّ الأمر باعتراف النظام قبل 2011، ولطالما انتُقد على ذلك، وهي الآن تحتل مناطق جديدة بتبرير من قبل الائتلاف الوطني ولا سيما قواه الإسلامية، من إخوان مسلمين وفصائل إسلامية، وبذلك تكمل المعارضة ما بدأ به النظام. الأمر أسوأ من ذلك بكثير؛ فسوريا ومنذ أن بدأت ثورتها، تقاسمها النظام والمعارضة وتكاملا في اجتثاث الثورة وتمزيق سوريا، وما الاختلاف بين قسد والائتلاف، وتبعية قسد للإدارة الأمريكية والائتلاف لتركيا إلا جزئية في إطار تمزيق سوريا، وبالطبع رفض النظام للغزوة التركية لا معنى له، فهو من رفض الاعتراف للسوريين بحقوقهم، عرباً وكرداً، وسواهم، وهنا أصل الكارثة السورية.

 

ليفانت - عمّار ديّوب

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!