الوضع المظلم
الأربعاء ٠١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • تأجيل محتوم للانتخابات الليبية.. فلسفة الحكم الجديد في ليبيا وصراع القوى الدولية

تأجيل محتوم للانتخابات الليبية.. فلسفة الحكم الجديد في ليبيا وصراع القوى الدولية
 رامي شفيق

أضحى موعد الانتخابات الرئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول الجاري) في حكم العدم، بينما المشاورات ما تزال قائمة حول السيناريو القادم في ليبيا، ومدى قدرة الدبلوماسية الأمريكية، المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني وليامز، وتحركاتها في الداخل بين المدن الكبرى، وكذا أعيان القبائل والأطراف الفاعلة، نحو توفيق التناقضات وترتيب المصالح بما يتناسب ومظاهر التحول في النظام الدولي، من جهة، ثم تحرك الولايات المتحدة الأمريكية على فك ارتباطها بالشرق الأوسط لصالح مواجهة الصين في نقاط جغرافية أخرى، من جهة أخرى.

التحوّل المرحلي المتتابع في سياسة الولايات المتحدة نحو فك الارتباط داخل الشرق الأوسط، يتمركز على تصفير المشاكل بين دول الشرق الأوسط، ونزع فتيل الصراعات داخل النقاط الساخنة، سيما في ليبيا واليمن وسوريا، كخيار استراتيجي لها، يتحقق برعايتها المباشرة، كما تخلق منه أطرافاً إقليمية مركزية تابعة لها بشكل مباشر.

ومن ثم، تدرك الولايات المتحدة جيداً أنّ عليها العمل جيداً، طالما سقط موعد الانتخابات المقرر، نحو عدم وقوع البلاد في فوضى الصراع المسلّح، والاقتتال الداخلي بين ميلشيات متعددة الولاءات والانتماءات، خاصة مع بقاء المرتزقة الأجانب، مما يزيد من أعبائها في المنطقة، فضلاً عن كون ذلك يسمح للأطراف الفاعلة الأخرى بالعمل على هامش تلك السيولة ضد إرادة ومصالح واشنطن.

عديد الدول تلك التي لها أطراف فاعلة في الداخل الليبي، بينما تطمع في ثرواتها، وكذا عقود إعادة التعمير وتوظيف جغرافيتها السياسية بغية درء مخاطر الهجرات غير الشرعية نحو أوروبا. فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وموسكو وواشنطن يعملون بدأب وبأهداف متناقضة في عمق الميدان الليبي. بيد أن موسكو وواشنطن تحديداً تتحركان على طرفي نقيض في المسار الليبي. إذ تدرك واشنطن أن عليها إنجاز المسار السياسي، ووضع الرجل المناسب على قمة السلطة بالقدر الذي يحقق لها أهدافها، وربط السياسة الخارجية لطرابلس بعيداً عن الخصوم والمنافسين، لا سيما روسيا، بينما الأخيرة تضغط عبر حضورها الميداني إزاء مصالحها من خلال حتمية وجود شخصيات في السباق الانتخابي تحقق لها المنافع الضرورية، أو العمل على السيولة السياسية والميدانية التي تمنحها فرصة تخفيف الضغط عليها في ملفات موازية تواجه من خلالها واشنطن.

السيولة السياسية والميدانية في الداخل الليبي، تجاوزت واقعها الداخلي ومحددات حركتها وبواعثها، ومضت إلى الاشتباك مع الواقع الإقليمي والدولي، بكافة تناقضاته ومصالحه، وعلى خلفية ذلك تماهى مستقبل ليبيا السياسي داخل بؤر التوتر وساحات التنافس والصراع إقليمياً ودولياً.

ومع تغيب المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في إعلان القائمة النهائية للمرشحين، يوم السادس من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أعلنت أنها ستمضي نحو إجراءات قانونية تضمن بها سلامة الإجراءات القانونية للعملية الانتخابية ومطابقة الأسماء المرشحة لمنصب الرئيس وكافة النصوص اللازمة لذلك، ما دفعها لتشكيل لجان موازية مع مجلس النواب لتفعيل إجراءاتها.

جرى ذلك على خلفية معركة الطعون التي تمت بين أغلب الأسماء المرشحة بقوة، خاصة المشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي وعبد الحميد الدبيبة، حيث إن الثلاثة يمتلكون أوراقاً مؤثرة على تخوم الواقع الميداني؛ الأول قائد الجيش ويقبض على قيادة الجيش، أما الثاني سمحت له الانتخابات أن يكشف عن شعبية جارفة بين الشعب الليبي، بينما الأخير يمتلك سلطة تنفيذية يتحرك من خلال دولاب ميزانيتها لرفع أسهمه الانتخابية بين الشعب الليبي، سيما في الغرب الليبي، حيث العاصمة طرابلس وبلدته مصراته. كما يبدو أن الثاني والأخير، ميدانياً، لهما سلطان على بعض القوى الفاعلة على الأرض، فضلاً عن المرشح المحتمل، فتحي باشاغا، الذي يملك مفاتيح بعض الميلشيات المسلحة، سيما إبان تقلده وزارة الداخلية في حكومة فائز السراج السابقة، المدعومة من تركيا.

والأسماء السابقة تحديداً تمتد ارتباطاتهم ونفوذهم بقوى إقليمية ودولية تسعى نحو نفوذ تصوراتها ومصالحها في ليبيا، الأمر الذي يتضح على نحو التصريحات. وعليه؛ تسعى تلك القوى نحو تمرير تصوراتها بما يخدم مصالحها في ليبيا عبر اسم أو اكثر من خلال دعمهم بتواجدهم في القائمة النهائية للمرشحين، أو الضغط على استبعاد بعضهم لتمرير الأفضل. وفي المقابل تسعى القوى الفاعلة نحو تسخين مسرح الأحداث ببعض التحركات الميدانية مما وقع في مدينة سبها جنوب ليبيا، وكذا في العاصمة طرابلس، بهدف إعلان وإعلام الجميع منسوب القوة لدى تلك الأطراف ومن يمثلهم ومدى ما يمتلكون من أدوات تؤهلهم لفرض السيطرة أو بعث التوتر وتفخيخ المشهد بكامله.

في سبها، قامت القيادة العامة بالسيطرة على المدينة بعد محاولة من ميلشيا تابعة للغرب الهجوم على مواقع تابعة للجيش، خاصة بعد اللقاء الذي جرى لأول مرة بين القائد العام المكلف للجيش الليبي، عبد الرزاق الناظوري، ورئيس أركان المنطقة الغربية، محمد الحداد، في مدينة سرت. بينما تحركت مليشيات مسلحة لمحاصرة مقار حكومية في العاصمة نحو بيان عملي لتنفيذ الإخوان المسلمين تهديدهم بنسف الاستحقاق الانتخابي وما يتبعه من مسار سياسي.

ثمّة ملاحظة على التطور الميداني الأخير في ليبيا ومدى تمركزه واقعياً في نقطتين بالغتي الأهمية في جغرافيا البلاد وبعيدة تماماً عن الشرق الليبي الذي أمسى تحت قبضة الجيش وقائده خليفة حفتر. المحاولة الميدانية الأولى وقعت في جنوب البلاد، حيث النقطة الأبرز في مسيرة المرشح المحتمل سيف الإسلام، من حيث تقديم أوراق دخوله السياق الانتخابي ومحاولاته تقديم الاستئناف على الطعن المقدم ضده في الانتخابات، فضلاً عن نجاح الجيش الليبي بقيادة حفتر في صدّ الهجوم وتحقيق سيطرته الميدانية على كافة النقاط التابعة له.

ومن ناحية أخرى، يبرز التحرّك الأخير في الغرب، حيث العاصمة طرابلس، من قبل بعض المليشيات إعلان قدرة الأخيرة الميدانية على تغيير المعادلة الاستراتيجية على الأرض، وضرورة أن تضحى في الصورة خلال أي نقاش يدور على المستقبل، سيما أن ذلك وقع بعدما أضحت المشاورات حول التصور القادم بعد 24 ديسمبر أمراً نافذاً وواقعاً في ذهن الجميع.

على خلفية ذلك كله، لا ينبغي النظر نحو استقرار المشهد السياسي في ليبيا بكونه يرتبط بأجراء الانتخابات في موعدها المقرر سلفاً أو ترحيل الموعد نحو أيام أو شهور قادمة، بل الأمر يمتد ويتصل بالحتمية نحو ملفات أخرى متشابكة ومتعارضة داخل الشرق الأوسط وصراع القوى الإقليمية الكبرى، وأن تضحى الوسيط المباشر للدول الكبرى إزاء تلك الملفات العالقة، وكذا ترتيب القوى الأوربية والولايات المتحدة وروسيا الملفات المركبة والمتناقضة فيما بينهم، سواء داخل ليبيا أو خارجها في عمق الشرق الأوسط أو بعيداً عنها.

 رامي شفيق



ليفانت - رامي شفيق
 

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!