الوضع المظلم
الثلاثاء ٢١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الدولة الوطنية السورية ليست شراً على العالم
جمال الشوفي

ينبغي على الروس والأمريكان أولاً، وعلى الأتراك والإيرانيين ودول الخليج ثانياً، السعي لحلّ العقدة السورية سلمياً، وعلى أوروبا ومعها دول الخليج العربي حصراً أن تتجنّب الكوارث الناجمة عن عدم تحقيق الدولة الوطنية في سوريا.

يبدو أن هذا الكلام يحتاج للكثير من التحليل والدراسات السياسية والدولية، لكنني أردته فاتحة قول بدايةً ينبه لما بعده من تفاصيل، يدقّ جرس إنذار عالمي ويضع جملة أولى عنوانها الدولة الوطنية السورية لن تكون شراً على العالم في حال تحققها، بل مصدر سلام وربما رخاء متكافئ الجهات.

يبدو هذا قول فيه الكثير من الرومانسية والأحلام خلافاً لمجريات الأحداث السورية خلال السنوات الماضية، منذ 2011 ولليوم، إذ ما زالت المصالح الآنية للدول الضالعة في الملف السوري تناور في تحقيق غاياتها المنفردة من وعلى السوريين. وحقيقة لطالما كررنا -نحن السوريين- النداء بضرورة تحقيق العدالة والإنصاف للشعب السوري، ولطالما تلاعبت الوعود الأممية بنا، ولطالما تساءلنا عن أسباب هذا الهدر العام؟ ولماذا يرجّح البديل العسكري الذي يحكم بالحديد والنار هذه المنطقة على تحقق الدولة الوطنية؟ ولماذا يجب ألا تقام دول وطنية في الشرق الأوسط؟ ولماذا تبحث دول العالم عن حكومة عسكرية الطابع، مركزية السلطة في دوله؟

لطالما تكررت جملة لا يوجد بديل لنظام الحكم في سوريا، فالبديل السياسي أعلن عن وجوده المبكر في نموذج وصورة الدولة الوطنية المتحققة دستورياً وقانونياً أساسها العدالة والإنصاف والحريات العامة والخاصة، وكمن يغصّ بالسفرجل، لكن يبدو أنه ليس البديل المقبول لليوم.

ربما يقول البعض، إن تدهور الوضع العسكري العام في سوريا إلى احتراب متعدّد الأطراف يستلزم حكومة تضبط الأمن والأمان فيها وقد يكونون محقين في ذلك. وقد يقال أيضاً إن مآلات الوضع السوري يجب إعادة ضبطه بما يحقق المصالح الدولية واستقرار المنطقة، وهذا يتطلب حكومة عسكرية تدير البلد شرط تحقيق المصالح المتناقضة للدول الفاعلة في ملفه، مع انزياحات لهذه أو تلك، حسب أرجحية قوتها الفاعلة فيها. ولكن هل تساءلت هذه الدول ماذا عن تحقيق دولة وطنية في سوريا؟ وهل ستكون شراً عالمياً أو بوابة سلام من منظار مختلف؟

ها هو العام 2021 يجرّ ذيول الخيبة معه، ومازال الأمر في سوريا وانعكاساته العالمية التي تنبئ شراً معلقاً، ولم تزل الدول الضالعة فيه تنهش من موتنا الجماعي، تهجيراً وقتلاً وفتكاً بالتاريخ الشخصي والعام، وأضف لهذا كله دمار وخراب البقية من السوريين العالقين، أجل العالقون وغير القادرين على الرحيل منها، في ديارهم بلا كهرباء أو سبل عيش أو حتى أدنى مقومات الحياة، ولم تزل سلطة الأمر الواقع تتغذّى من لعبة الأمم هذه فينا، وكأن تحقق الحرية والكرامة الشخصية والدولة الوطنية السورية سيضر بأمن إسرائيل، والأمن العالمي، وانحسار الطاقة عن أوروبا.

إنّ تحقيق الدولة الوطنية السورية خلافاً للبحث القائم لليوم عن موازين القوة والسطوة العسكرية لن يشكل حالة شر على العالم، إنها:

ستحجّم الاحتقان العالمي وحدّة تنازعه الجيوسياسي الروسي الأمريكي دولياً والتركي الإيراني الخليجي إقليمياً ولن تلحق ضرراً بالمايسترو الخفي الإسرائيلي.

ستعيد التوازن المفقود بالمنطقة وتؤسس لسلامه.

ستحقق مبادئ الحرية والعدالة الحداثية التي أسست للعالم العصري الحديث عالمياً. ومنها مبادئ حقوق الإنسان العالمية المصروفة لغوياً فقط في الحالة السورية.

ستحقق السلام المنشود في المنطقة وحرية المعاهدات التجارية والالتزام بعدم التعدي والاعتداء على الجيران.

ستحقق التسامح الديني والتعايش السلمي مع دول الجيران كافة.

ستخفف أعباء المهجرين والنازحين السوريين -ضميرياً- عن دول العالم، ومادياً، المساعدات الإنسانية الدورية، لا وبل ستفتح بوابة للمشاريع التنموية العامة، ومنها إعادة الاعمار.

في المقابل ستكون هذه النتائج معكوسة في حال الاستمرار بالوضع الحالي والبحث عن بدائل عسكرية تحكم باتجاه وحيد وتؤجج عكس النتائج أعلاه.

في التاريخ أنجزت إنكلترا فتوحات عصر التغير العالمي أوروبياً عام 1688 عندما حققت ثورتها الحقوق البرلمانية مع بقاء سلطة الملك. وتلتها الثورة الأمريكية عام 1776 بإعلان عصر الحريات والانفتاح العالمي عبر الإعلاء من فكرة الأمة والشعب ذي الحقوق المدنية دون أية وصية استعمارية أو إلهية أو ملكية. وكان الفتح الأكبر في الثورة الفرنسية عام 1789 والتي رغم أنها أنهت شرعية السلطة المقدسة للملك، لكنها لم تحقق دولتها الحديثة إلا بعد مخاض طويل، أهم مفاصله القبضة البونابرتية العسكرية، والتي لم تحقق الخير لفرنسا وللدول الأوروبية والعالم إلا بعد إعلانها الجمهورية الفرنسية كدولة وطنية أساسها العقد الاجتماعي والإرادة الجماعية التوافقية والرضائية، كأساس للنظام السياسي الحديث.

والحالة السورية لليوم لم تحقق أياً من تلك الشروط، فلم تتحقق الإصلاحات الدستورية بظل الحكم القائم، ولم يتحقق التغير من سلطة لسلطة أخرى، كما لم يتم الاعتراف بحقوق الشعب وتحقيق استقلاله من دول متعددة تهيمن عليه! فأيّ الطرق على السوريين أن يسلكوا وقد طرقوا كل بوابات التغيير الممكنة وبأساليبه المتعددة ولم ينجحوا بخطوة معينة بعد، سوى المزيد من الهدر والتغوّل السياسي والعسكري الدولي والمحلي؟ والسبب الرئيس في هذا أنهم لم يختبروا بعد تحقق الدولة الوطنية فيها بقدر البحث عن حكومة عسكرية بديلة عن القائمة أو تزين الحالية بطرق مواربة للفعل التاريخي الذي يحقق معادلات الاستقرار والأمان والسلام المنشود عالمياً.

أوروبا التي خاضت حروب العقود الطويلة أو ما يسمى حروب الثلاثين والمئة عام، في القرن السابع عشر، وخاضت مع دول العالم حربين عالميتين في القرن العشرين، قتل فيها الملايين من البشر، تدرك معنى الخطر المتولد عن حكومات العسكر بصيغتها النازية أو الفاشية أو الستالينية، ويدرك العالم أجمع أن إعادة تدويلها في القرن الواحد والعشرين سيعيد إنتاج عصر الحروب العالمية الكبرى مهما حاولوا من تخفيف إشاراتها بالتوافقات الجيوسياسية الروسية والأمريكية على حساب دول المنطقة، بدءاً من سوريا، لمحيطها الحيوي القريب في لبنان والعراق والأردن، والأبعد في دول الخليج العربي، وأبعد منه أوروبا ودول العالم كافة.

فهل ثمة توجّه يعيد تقييم المسألة السورية ويحقق خطوات إلزامية في تحقيق جنين دولة وطنية تحدد أسس التوافق التعاقدي بين السوريين، تنصفهم، وتحقق شروط السلام والاستقرار فيها وبالمنطقة؟ هذا إذا فقط ما تم تفعيل خيارات السلم والحكم المدني بدايات العام 2022 وقبل أن تنتهي مفاعيل الاتفاق العالمي بمعاهدة لوزان قبل مئة عام من اليوم، تكون مؤشر سلام عالمي وبديلاً عن حكومات العسكر السياسية، وهذا لا يعني سوى إلزام تحييد العسكر عن الحكم السياسي وتقنين دوره المفتت للدولة والمقيم كل الشرور التي اختبرتها البشرية في تاريخها القريب والبعيد.

 

جمال الشوفي

ليفانت - جمال الشوفي

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!