الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • بين النقرة والنفس: ملاحة الأمواج الرقمية في بحر الصحة العقلية

بين النقرة والنفس: ملاحة الأمواج الرقمية في بحر الصحة العقلية
حنان الطيبي

في عصرنا الرقمي، حيث اصبحت تتراقص الأصابع على لوحات المفاتيح وتتحرك العيون بين الإشعارات المتوالية، نجد أنفسنا غارقين في بحر العالم الرقمي، حيث الأمواج العاتية من المعلومات تتلاطم بلا هوادة…، في هذا السياق، يبرز تساؤل ملح يطرق أبواب وعينا: ما هي تأثيرات هذا العالم الافتراضي المترامي الأطراف على صحتنا العقلية؟ خاصة بين صفوف الشباب، الذين ينمون ويزدهرون في ظل ظروف لم تشهدها الأجيال السابقة.

 هذا التحقيق يأخذنا في طرح تساؤلات لفهم هذه التأثيرات واستشراف الحلول الممكنة للحفاظ على الصحة العقلية في خضم المجتمعات الرقمية بطريقة واعية وصحية!.

في العقد الماضي، شهد العالم تحولا رقمياً هائلا أعاد تشكيل العديد من جوانب حياتنا، بما في ذلك كيفية تواصلنا، وكيف نعمل، وكيف نتعلم، وحتى كيف نحافظ على صحتنا العقلية.

 وسائل التواصل الاجتماعي، بالأخص، لعبت دورا محوريا في هذا التحول، موفرة فرصا جديدة للتواصل والتعبير عن الذات، لكنها في الوقت نفسه تسببت في مجموعة من التحديات الجديدة للصحة العقلية، خاصة في فئة الشباب حيث أصبح يتنفس من خلال شاشات لامعة ويتواصل عبر نقرات سريعة، وحيث الحدود بين الواقع والافتراضي اصبحت شبه متلاشية،  نجد أنفسنا على مفترق طرق محير الى أبعد الحدود؛ إنه عالم تغمره الإمكانيات اللامحدودة، لكنه أيضا يخفي تحت طياته تحديات غير مسبوقة تؤثر على صحتنا العقلية.. فكيف نرسم الخط بين الانغماس الصحي في هذا الفضاء الرقمي وبين الاستهلاك الذي يؤدي إلى الإنهاك؟.

تأثير العالم الرقمي على الصحة العقلية:

إن التأثير الذي يمكن أن تحدثه وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية متعدد الأوجه؛ فمن جهة، توفر شبكات مثل فيسبوك، إنستغرام، وتويتر فرصا للدعم والتواصل، خاصة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية عقلية ويجدون صعوبة في الحصول على الدعم في العالم الواقعي. ومن جهة أخرى، هناك مخاطر متزايدة مثل التنمر الإلكتروني والقلق الناتج عن مقارنة الذات بالآخرين، والإفراط في استخدام الإنترنت، والذي يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالعزلة والاكتئاب.

الشباب في مرمى التأثيرات السلبية:

الشباب، بشكل خاص، عرضة لهذه التأثيرات السلبية نظرا لأنهم الأكثر نشاطا على وسائل التواصل الاجتماعي. أما الضغوطات المتعلقة بالصورة الجسدية، الشعور بالنقص عند مقارنة أنفسهم بأقرانهم، والتعرض للتنمر الإلكتروني، كلها عوامل يمكن أن تؤدي إلى مشكلات صحية عقلية مثل القلق والاكتئاب خصوصا عند الشعور بعدم الرضا وقبول الذات مقارنة بما يمتلكها الآخرون من جمال ومال وسفر ورغد للحياة حتى ولو كان بشكل مزيف..

الحلول الممكنة لتحسين الوعي والدعم

لمواجهة هذه التحديات، يجب اتخاذ نهج متعدد الأوجه يشمل:

تعزيز الوعي: التوعية بالتأثيرات السلبية والإيجابية لوسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية ضرورية، لذلك يمكن للمدارس والجامعات والمنظمات الأخرى تنظيم ورش عمل وحملات توعية حول هذه القضايا.

تطوير مهارات الإعلام الرقمي: تعليم الشباب كيفية التنقل بأمان وصحة في العالم الرقمي، بما في ذلك كيفية التعامل مع التنمر الإلكتروني والحفاظ على توازن صحي بين الحياة الرقمية والواقعية.

تقديم الدعم: توفير موارد الدعم اللازمة للأشخاص الذين يعانون من تحديات صحية عقلية ناجمة عن استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ يمكن أن يشمل ذلك خدمات الاستشارة النفسية وخطوط المساعدة ومنتديات الدعم عبر الإنترنت.

التعاون بين القطاعات: تحقيق تعاون بين المؤسسات التعليمية، منظمات الصحة العقلية، ومقدمي خدمات وسائل التواصل الاجتماعي لتطوير استراتيجيات فعالة للتخفيف من الآثار السلبية للعالم الرقمي على الصحة العقلية.

وعليه، ومع تزايد أهمية العالم الرقمي في حياتنا اليومية، يصبح من الضروري التوعية بتأثيراته على الصحة العقلية والعمل بجدية على إيجاد الحلول التي تدعم رفاهية الجميع، خاصة الشباب، في هذا العصر الرقمي.

ولتعميق الفهم حول تأثير العالم الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية وإيجاد حلول مبتكرة للتحديات الناشئة، من المهم تناول أبعاد إضافية وطرح اقتراحات جديدة تساهم في تعزيز الصحة العقلية في المجتمعات الرقمية مثل:.

تحليل التأثيرات بعمق:

الضغط الناجم عن الدائرة المفرغة للإعجابات والتعليقات: يعاني الشباب خصوصا من الضغط للحصول على تأكيد اجتماعي من خلال الإعجابات والتعليقات، مما يؤدي إلى زيادة القلق وتقلب المزاج.

الإفراط في المقارنة: التعرض المستمر للحياة "المثالية" للآخرين يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالنقص وتدني احترام الذات.

التأثير على نوعية النوم: الاستخدام المفرط للشاشات قبل النوم يؤثر سلبا على جودة النوم، مما يزيد من مشكلات الصحة العقلية.

حلول مبتكرة:

تطوير تطبيقات تعزز الوعي الذاتي والرفاهية: تصميم تطبيقات وألعاب تفاعلية تشجع على تطوير مهارات الحياة، مثل التأمل وتمارين الاسترخاء، وتعزيز الثقة بالنفس والإيجابية.

إنشاء مساحات آمنة عبر الإنترنت: وذلك عبر تشجيع تأسيس مجتمعات إلكترونية داعمة توفر مساحة آمنة للأشخاص لمشاركة تجاربهم والحصول على الدعم العاطفي دون خوف من الحكم أو التنمر.

برامج تعليمية للوالدين والمعلمين: تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للوالدين والمعلمين حول كيفية التحدث مع الشباب حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة صحية، وكيفية التعرف على علامات المشكلات الصحية العقلية.

تعزيز التعليم الرقمي النقدي: تدريب الشباب على كيفية تحليل المحتوى الذي يتعرضون له عبر الإنترنت بشكل نقدي، مما يساعدهم على التمييز بين الواقع والتصورات غير الواقعية.

التعاون العالمي والسياسات

وضع قوانين وتنظيمات: يجب على الحكومات والهيئات التنظيمية وضع قوانين تضمن حماية الأشخاص من الأضرار المحتملة لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل قوانين ضد التنمر الإلكتروني وحماية البيانات الشخصية.

التعاون بين القطاعات: ينبغي للمؤسسات الصحية، التعليمية،

التكنولوجية، والحكومية العمل معا لتطوير استراتيجيات شاملة تعالج الآثار السلبية للعالم الرقمي على الصحة العقلية وتعزز الاستخدام الإيجابي للتكنولوجيا.

من خلال التركيز على هذه الأفكار والحلول، يمكن للمجتمعات الرقمية التحرك نحو بناء بيئة أكثر صحة ودعما للصحة العقلية للجميع، وخاصة الشباب، في عصر التحول الرقمي السريع.

في نهاية موضوعنا حول متاهات العالم الرقمي وتأثيره على الصحة العقلية، نقف على ضفاف الإدراك بأن هذه التكنولوجيا التي صنعت لتقريب المسافات وتوسيع آفاق المعرفة، تحمل في طياتها أيضا التحديات التي يمكن أن تؤثر على صحتنا العقلية.

إن الوعي والتوازن يبرزان كمفاتيح رئيسية للتنقل بأمان في هذا العالم الافتراضي، مع الحفاظ على صلتنا بالواقع وبأنفسنا، كما ان مسألة طرح الحلول والاستراتيجيات لتحقيق هذا التوازن ليس فقط ضرورة ولكنه مسؤولية مشتركة بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات، فبينما نسعى لبناء مستقبل متماسك وصحي في عالم مترابط رقميا، يجب الحرص على أهمية زراعة بيئة رقمية تعزز الرفاهية وتحترم حدود صحتنا العقلية بهدف تحقيق التوازن بين الصحة العقلية والنفسية وحتى الجسدية في ظروف مثمرة ومفيدة بين ما هو رقمي وما هو صحي.

ليفانت: حنان الطيبي
 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!