الوضع المظلم
الجمعة ٢٢ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الموت تحت التعذيب في سوريا.. الموت الأكثر قسوة
تعذيب

نادراً ما تم خلال التاريخ توثيق أعمال الحرمان الممنهج من الطعام والتعذيب الوحشي داخل مركز الاحتجاز، التابعة للنظام السوري، بهذا الشكل من الموت مباشرة بعد الاعتقال، إلى التصفية الجسدية للمعتقلين داخل السجون أو المشافي العسكرية، وقام النظام بأرشفة حالات الموت بالصور عن طريق القسم الجنائي للشرطة العسكرية، التقارير الطبية تقول إنّهم ماتوا بأزمة قلبية، بينما تحمل الأجساد آثار التعذيب والتجويع. الموت تحت التعذيب


“من كتاب عملية قيصر _ غارانس لوكاين”


نحو 55 ألف صورة فوتوغرافية لنحو 11 ألف معتقل، قضوا في مراكز الاحتجاز التابعة لأجهزة أمن النظام السوري، نتيجة التعذيب والمرض والجوع، في الفترة ما بين آذار/ مارس 2011، ونهاية آب/ أغسطس 2013، هذه الصور لم يجرِ عليها أيّ تعديل أو فبركة، حسب شركة المحاماة البريطانية “كارتر روك”.


قيصر، المصوّر الخاص في الشرطة العسكرية في دمشق، والذي كان مكلفاً بتصوير جثث المعتقلين المتوفين في مستشفيي تشرين والمزة العسكريين، استطاع تسريب هذه الصور خارج سورية عام 2013، والتي أحدثت ضجة عالمية نتيجة المشاهد المروعة لجرائم تعذيب وتجويع وإهمال طبي، نتج عنها مؤخراً صدور ما عرف بقانون قيصر، عن مجلس الشيوخ الأمريكي، والذي يطالب بفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه.


تعرّف المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، التعذيب بأنّه” أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أم عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه، أو يشتبه في أنّه ارتكبه، هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية. ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”. الموت تحت التعذيب


مايزال النظام السوري يعتمد التعذيب داخل السجون، وفي مراكز الاحتجاز نهجاً يتم التعامل به مع معارضيه، بعد تسع سنوات من بداية الثورة السورية، على الرغم من العديد من التقارير الحقوقية التي أصدرتها منظمات حقوقية، دون أن تشكّل أي رادع لهذه الأعمال التي ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، وفق المادة السابعة من ميثاق روما الناظم لعمل المحكمة الجنائية الدولية.


عمليات التعذيب تبدأ، منذ اللحظة الأولى، لوصول المعتقلين إلى مكان الاحتجاز الذي يتم نقلهم إليه، وهو ما يعرف في الكثير من هذه المراكز والأفرع بحفلات الاستقبال، حيث يبدأ ضرب المعتقلين مع بدء دخولهم من بوابة الفرع وحتى وصولهم للزنزانات.


يقول أحمد، والذي اعتقل في نهاية نيسان، في درعا: “بمجرد نزولنا عند بوابة إدارة أمن الدولة في دمشق، كان هناك صفين متقابلين من العناصر كل منهم يحمل شيئاً إما عصا، أو كابل، وخلال دخولنا بدؤوا بضربنا، بشكل عشوائي، حتى وصلنا ساحة الفرع، حيث أُجبرنا على خلع ملابسنا، ثم الاستلقاء على الأرض، وبدؤوا بضربنا مرة ثانية، كل واحد لوحده، بكابل عريض على أرجلنا وأجسامنا، ثم قاموا برش الماء علينا، ولبسنا ثيابنا، وأدخلونا إلى زنزانات تدعى المزدوجات، كنا في الزنزانة نحو 26 معتقلاً، وبقينا نحو أسبوع دون أن يتم التحقيق معنا”.


 


لم يفرّق سجانو النظام في أساليب التعذيب بين رجل أو امرأة، بل كانت عمليات التعذيب تطال الجميع، ابتداءً من الشبح، إلى استخدام الكهرباء، والكرسي الألماني.

تقول ماري، “اسم مستعار”، وهي معتقلة سابقة في فرع المنطقة المعروف برقم 227: “تم ربطي على كرسي حديدي قابل للطي “الكرسي الألماني”، وقام المحقق بمساعدة أحد العناصر بطيّه حتى وصلت قدماي إلى جبهتي، أحسست في تلك اللحظة أنّ ظهري قد كسر من شدة الألم، بعد ذلك قاموا بوصل التيار الكهربائي إلى قدمي، ثم فقدت الوعي لأصحو على رائحة الكاز قرب وجهي”.


وتضيف ماري: “كنا نخرج إلى الحمامات لمدة نصف ساعة صباحاً حيث كنا نحو 200 معتقلة، وبعد ذلك يتم فتح زنزانات الرجال في القبو، كانت تنبعث منها رائحة كريهة جداً تملأ المكان، كان يتم إخراج جثث المعتقلين المتوفين، كانت أعدادهم كبيرة، كنا نشاهد ذلك من خلال نافذة الزنزانة الصغيرة التي تطلّ على الممر، في معظم الأيام كان يتم إخراج ما بين 15–20 جثة لمعتقلين، يقوم معتقلون آخرون بحملها على بطانيات، ويسيرون بها في الممرات دون أن نعلم إلى أين يأخذونها، كان المعتقلون المتوفون، كالهياكل العظمية، حتى المعتقلون الأحياء كانوا كالهياكل العظمية أيضاً”. الموت تحت التعذيب


 


تنوّعت أساليب التعذيب التي يمارسها محققو النظام وسجانوه، حتى غدا هناك العشرات من الأساليب التي يعتبر بعضها مبتكراً، من أجل تحطيم إرادة معارضي النظام، بالإضافة إلى الضغوط النفسية التي يمارسها هؤلاء على المعتقلين، ما دفع الكثير منهم للتفكير بالانتحار للخلاص من التعذيب المستمرّ، وقد نجح البعض، في ذلك، وإن كانت الوسائل لذلك محدودة داخل الزنزانات.


“أمل” كانت شاهدة على إحدى حالات الانتحار لأحد المعتقلين في الفرع 215، حيث تقول: “كان هناك تعذيب شديد للرجال، وكان هناك حالات انتحار، ففي إحدى المرّات نادى العنصر المسؤول عن الطعام السجان، وأخبره أنّ أحد المعتقلين انتحر، وحسب العنصر كان المعتقل مقيداً عندما تم تقديم الطعام له، وطلب من العنصر أن يفك قيده لتناول الطعام، وبعد أن فك قيده قام بكسر عنقه بيده، لأنّه لا يمتلك وسيلة أخرى تمكّنه من الانتحار”.


لم يكتفِ النظام بخرق القوانين والمعاهدات الدولية التي حرّمت جريمة التعذيب، بل قام بخرق القوانين الوطنية السورية بشكل صريح وفاضح.

فقد الدستور السوري، الصادر في العام 2012، جريمة التعذيب بشكل صريح، حيث تنصّ الفقرة الثانية من المادة 53 منه على أنّه “لا يجوز تعذيب أحد أو معاملته معاملة مهينة، ويحدّد القانون عقاب من يفعل ذلك”.


وجاءت العقوبة محددة في قانون العقوبات السوري، في المادة 391، والتي تنصّ على أنّه:



1: من سام شخصاً ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون رغبة منه على إقرار عن جريمة أو على معلومات بشأنها عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.

2: وإذا أفضت أعمال العنف عليه إلى مرض أو جراح كان أدنى العقاب الحبس سنة.


ولكن النظام مايزال مستمرّاً بتطبيق المادة 16 من القانون رقم 14 لعام 1969، والتي تعطي حصانة لرجال الأمن في حال ارتكابهم جرائم أثناء تأدية عملهم، حيث لا تجوز ملاحقتهم إلا بموافقة القائد المسؤول عنهم.


في ذكرى اليوم العالمي لمناهضة التعذيب، لا يمكن لأحد أن يعرف على وجه الدقة عدد ضحايا التعذيب الذين قضوا على أيدي جلادي النظام السوري، فهناك أرقام متفاوتة لدى المنظمات الحقوقية السورية، بالإضافة إلى 11 ألف معتقل ممكن، سرّب قيصر صورهم، ويأمل ذوو المعتقلين أن تتكشّف حقيقة مصير أبنائهم التي لن تتضح بشكل نهائي قبل نهاية الحرب.


ليفانت – عاصم الزعبي

كاريكاتير

قطر تغلق مكاتب حماس

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!