الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٤ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الموالاة لمعاداة النظام ... والمعارضة للتحالف معه
كمال اللبواني

تتغير المعطيات الجيوسياسية المتعلقة بالوضع السوري، الذي يشهد تحولات كبيرة في مواقف القوى والحواضن الاجتماعية المتصارعة في سورية، فبعد انتصار النظام عسكرياً ومد سيطرته على أغلب المناطق (ما عدا شريط حدودي شمالي بحراسة الجيش التركي، وبؤره بحراسة القاعدة)، وتحول معظم مناطق الثورة لبؤر نائمة بفعل سياسة خفض التصعيد والمصالحات، ترتفع الأصوات في الحواضن الخانعة والمؤيدة للنظام، وتقترب من اطلاق احتجاجاتها في مواجهة الفساد والتشبيح، بعد أن تفاقمت حالتها لدرجة لا تطاق، وبعد أن زال خطر المعارضة المسلحة الإسلامية التي كانت تستخدم كبعبع تخويف لها، وتتجه بذات الوقت مناطق المصالحات للتمرد من جديد، بعد أن فشل النظام في تقديم الحد الأدنى من مستلزمات العيش البيولوجي (ناهيك عن الإنساني)، ومع تنامي فعالية الحصار الاقتصادي المفروض عليه أمريكياً. يحدث ذلك بالتزامن مع تزايد نقمة الشعب على قوى وممارسات المعارضة الفاسدة والخائنة. في مشهد شعبي جديد يشبه ما يجري في لبنان والعراق وايران ذاتها.


فالشعب السوري اليوم يستعيد وحدته ويعيد توزيع صفوفه ويغير خريطة جبهاته ... فالذين ناصروا النظام ينقلبون عليه، ليس لسبب آيديولوجي بل لسبب اقتصادي، والذين خرجوا بالثورة وخسروا كل شيء، ينقلبون على المعارضة ليس لسبب آيديولوجي، بل بسبب فسادها وفشلها، والمعارضة التي ركبت ثورة الشعب وتاجرت بها، تنتقل بسرعة عجيبة للتصالح مع النظام وصياغة حلف معه، بينما تتزايد مبادرات النظام للتعاون معها، ويظهر ذلك جلياً الآن في شمال سوريا، بينما كان مخفياً في الوسط والجنوب،  وقريباً يتوقع للنظام أن يطلب يد المعارضة علناً عندما تنطلق الاحتجاجات ضده في عقر داره، وفي عمق حاضنته المفترضة، لتصبح هي حبل نجاته... وهكذا ترتسم ملامح جبهات جديدة مختلفة (لا علاقة لها بتوزيع الجيوش والمسلحين) بين الشعب الموالي والمعارض في جهة، وبين النظام والمعارضة معاً في جهة أخرى، وتنكشف دوافع الجهود الدولة الحثيثة لانضاج هذا الحلف الجديد (تحت شعار الحل السياسي) المبني على تحالف الفساد والتشبيح والاستبداد والاحتلال، الذي يبشر بمستقبل فيه المزيد من القمع والإجرام والعبودية.  


معظم الشعب السوري الذي خرج بالثورة قد قتل أو هجر، ودمّرت مقومات حياته، ومن بقي عاد لحضن الخوف والجوع والذل مرغماً، أما من انتصر للنظام وقاتل معه فهو (بعد أن قدّم ما قدّم خدمة لبقاء النظام) يشعر بأنه الخاسر الأكبر، فانتصار النظام كان تكريساً لفقره وخنوعه... وبذلك تعود السياسة لقاعدتها الحقيقية (المصالح الاقتصادية) ويسقط ريشها الأيديولوجي الكاذب والمخادع، الذي غطى به النظام نفسه وغطت به المعارضة نفسها، ومارس كلاهما  عكس ما رفعوا من شعارات... فبينما ادعى النظام حرصه وحفاظه على الوطن قام بتدمير المدن وقتل السكان وتهجيرهم وجلب قوى الاحتلال، وبينما الشعب يقتل ويهجّر والوطن يدمّر، كانت قيادات المعارضة تتمتع بالميّزات والمكتسبات على حسابه، وتنتظر اقتناع النظام بضرورة ضمها لصفوفه ومشاركتها في امتيازاته.


اليوم انكشف زيف الأيديولوجيا وظهرت على حقيقتها.. فماذا جنى من أيدوا النظام ووالوه، وماذا جنى من فضل الخنوع له على التمرد عليه، وماذا جرى لمن عاد لحضنه وصالحه وسكت عن جرائمه وتناساها، وماذا جرى للجماهير التي سارت وراء قيادات المعارضة وماذا حققت؟... كلهم خاسرون، أما الرابحون فهم أولاً الانتهازيون الذين تسلقوا زعامة المعارضة، وثانياً رموز النظام وحلقته المقرّبة، وفعلياً الدول المحتلة التي تتحالف معهما وتستخدمها.. هكذا يظهر الانقسام الحقيقي الخاسرون في صف واحد، والرابحون في صف واحد أيضاً، وتعود الثورة للمربع الأول (ثورة من أجل الحرية والكرامة ضد الفساد والاستبداد، وليست ثورة طائفة أو أيديولوجيا أو ميتولوجيا) وتعود أيضاً قوى ورموز الفساد للمربع الأول (كحلفاء وشركاء في سرقة ونهب وإذلال وخداع الشعب، مأجورين عند دول الهيمنة والاحتلال).. ويتظاهر ذلك بوضوح شديد عندما يتركز قصف وهمجية النظام على الحاضنة المدنية للثورة التي تتظاهر ضد المعارضة، بينما يتجنب المنظمات المسلحة التي تقف متفرجة على إبادة الشعب في ادلب.  


كل المؤشرات تقول أن مناطق النظام مرشحة للانتفاض ضده، ومناطق المصالحات تتجه للتمرد عليه، ومناطق المعارضة للانتفاض ضد المعارضة والخروج من عباءتها الأيديولوجية، بينما تتسارع خطوات المصالحة بين النظام والمعارضة، وتظهر على السطح خفايا التقارب الإخواني مع النظام عبر الوسيط الإيراني الذي لا بد سيعتمد على هذا الحلف بشكل أكبر مع ترنحه تحت الضغوط الاقتصادية وضربات الشعوب.


اليوم تولد أرضية جديدة لتحالف شعبي واسع يشمل كل المظلومين والمتضررين في طرفي الصراع، في مواجهة المستبدين والفاسدين والمجرمين في النظام والمعارضة معاً. هذه الأرضية تهيئ لعودة الثورة للشعب ولأهدافها، ولاسقاط النظام ومعارضته كلهم ومعا.


شكراً للشعب اللبناني والشعب العراقي الذين فجّروا الربيع الثاني، والشكر موصول للشعب التونسي الذي فجّر الربيع الأول . وكل الأمل في الشعب السوري المستمر في ثورته ، من ربيعها الأول إلى ربيعها الثاني.


كاتب وسياسي سوري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!