الوضع المظلم
الجمعة ٢٠ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
الممثّلون الجدد في الملحمةِ السوريّة
عبير نصر

خلال حملته الانتخابية، ولقاءاته مع الجاليات الإسلامية في أمريكا، عبّر الرئيس جوزيف بايدن، عن بالغ حزنه عما يعانيه الشعب السوري، والمسلمون الأيغور الصينيين، والروهينغا، وتعهّد برفع الظلم والجور عنهم، مستشهداً بالحديث النبوي الشريف، (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه).


ورغم أنّها وعودٌ انتخابية برّاقة هدفها كسب أصوات الناخبين، إلاّ أنّ الرئيسَ الجديد، لاشكّ، ورث من سلفه تركةً صعبة، لاسيّما فيما يتعلق بالملف السوري الذي شهد جملةً من المتغيرات في السنوات الأربع الماضية، خلال ولاية ترامب، وبعد عقدٍ كاملٍ على بداية المأساة السورية، وتحوّلها إلى حربِ وكالة إقليمية ودولية، بسبب سوء إدارة النظام وتمرّسه في العنف، وسوء تقدير المعارضة وأخطائها وقلة خبرتها، وفشل المجتمع الدولي في منع انزلاق السوريين إلى كارثة، واستغلال دول عربية وإقليمية الأزمة لتحقيق مكاسب شخصية، أو تصفية حسابات قديمةٍ مع خصومها


بعد كلّ هذه الكوارث الإنسانية والأخلاقية والسياسية، ما زال (بايدن) المتحمّس (لحماية المسلمين المضطهدين!)، يتجنّب الإشارة، ولو عرضياً، إلى سوريا، في تصريحاته العامة، علماً أنه يتحمّل مسؤولية كبيرة عما آل إليه الوضع فيها، بحكم أنّه كان نائباً للرئيس في إدارة (باراك أوباما)، التي ظلّت ست سنوات من عمرها (2011 - 2017) تتفرّج على الملحمة السورية، بينما تتوالى فيها فصول القهر والتشرد والموت والفقر بانسيابية مدهشة، والحقيقة أنّ أولويته الوحيدة هنا إيران، وهو يستخدم سوريا المفلسة كبلدٍ صالحٍ للحياة، كورقةٍ رابحةٍ سياسياً، لإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وتجنّب التورّط في أزمةٍ جديدة في المنطقة.


وبداية المعضلة الأميركية في سوريا كانت مع (أوباما)، حيث التلكؤ، دبلوماسياً وميدانياً وسياسياً، بتحقيق الأهداف التي وضعتها إدارته، أما (ترامب) وفريقه فنظرتهم إلى القضية السورية حدّدتها القوى الإقليمية الأكبر، وبات الوجود الأميركي هناك يرتبط بدحر إيران، ومغازلة تركيا، ومحاولة استعادة الرهائن الأميركيين من النظام السوري، وفي الحقيقة لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أنّ الحرب السورية اقتربت من نهايتها، على العكس تماماً، تذهب كلّ الدلائل إلى أنّ الوضع السوري سوف يستمر في التحلّل والتعفن، وصولاً إلى النقطة التي قد نشهد معها انهيار الدولة السورية، بعد أنْ تصدّعت أركانها خلال السنوات الماضية، ومن المتوقع أن تستمر إدارة (بايدن) في تطبيق قانون قيصر، عبر فرض حزمٍ إضافية من العقوبات، وربما تذهب لجهة توسيعها لتشمل النشاط العسكري للنظام، بغرض الحدّ من تفكيره بالإقدام على مزيدٍ من العمليات العسكرية ضد مناطق سيطرة المعارضة، ما سيتسبّب في مزيدٍ من الدماء والتهجير.


 وتاريخياً لم يُثبتْ أنّ تغيّرَ الإدارات الأميركية أحدثتْ انقلاباً جذريّاً في طريقة تعاطي الإدارة الجديدة مع القضايا الدولية، فقد تتغيّر العناوين والأدوات والوسائل، لكنّ الخططَ والنتائج المرجوّة تستمر إلى حين استكمال الإستراتيجية الأميركية، والتي قد تستغرق زمناً تنقضي معه عدة ولايات رئاسية دون الشعور بأيّ تغيّر واضح، لكن ما يجبرُ الإدارة الأميركية الحالية على دفع عجلة الحلّ السياسي إلى الأمام، أولويتها في حربها على الإرهاب، بينما تتصاعد، تحركات داعش في البادية السورية، في مثلث حلب- حماة- الرقة، وباديتي دير الزور وحمص، ومن العقلانية أنْ لا نبالغ في التفاؤل حول إدارة بايدن، رغم وجود خطة أميركية متوازنة بخصوص سوريا والمنطقة، وحتّى لو كثر الحديث عن عودة المفاوضات بين أميركا وإيران بخصوص الاتفاق النووي، وإعادة العلاقات مع إيران، فإنّ ذلك لن يتمّ دون تقديم الأخيرة تنازلات كبيرة، من شأنها حلحلة بعض الأمور المستعصية في المنطقة، وعلى رأسها سوريا.


 في هذا الوقت لا يبدو أنّ النظامَ السوري أقرب إلى الاقتناع بجدوى أيّ حل سياسي، بل غدا مصمّماً أكثر على أنْ ما لم ينتزعه منه خصومه بالقوة، لن يعطيه بالمفاوضات، يؤيده في ذلك حلفاؤه، ولا يوجد في التاريخ المعاصر واقعةٌ واحدة تدلّ على أنّ العقوباتِ الاقتصاديةَ تسبّبت في إسقاط نظامٍ متشبّثٍ بالسلطة بالأظافر والأسنان، والواقع أنّ العقوبات ليست استراتيجيةً لتقريب الحلّ في سوريا، أو إجبار النظام عليه، بل هي سياسة ممنهجة لتدمير ما تبقى من المجتمع السوري، وإماتته بصمت، والمؤشرات الأولى لتوجه بايدن في المعترك السوري توحي، لاشكّ، بانعطافةٍ كبيرةٍ عن فريق ترامب في الشكل والمضمون، وأول هذه المؤشرات هي عودة الدبلوماسي والمسؤول السابق في وزارة الدفاع (برت ماغورك) إلى البيت الأبيض، والذي استقال من إدارة ترامب في 2018 بعد اتصال الأخير بالرئيس التركي، وإتمام صفقة الانسحاب من الشمال، مع الإبقاء على جنوده في نقاط أساسية لمراقبة التمركز الإيراني بينها قاعدة التنف. 


وتؤكد مصادر غربية أنّ (ماغورك)، الذي كان حاضراً في كلّ اجتماعات بايدن بشأن سوريا، والذي قدّم للأخير ثلاث إجازات حول تطورات الحرب، سيعود له القرار الأول بعد الرئيس في شكل السياسة الأميركية المرتقبة هناك، هو الذي يعتبر فترة (ترامب) انقلاباً كاملاً على السياسة المرسومة سابقاً، والآن يعود للمشهد السوري بقوّة، بعد تعيينه مستشاراً في مجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، ومما يجدر ذكره بهذا الخصوص أيضاً، أنّ غالبيةَ الطاقم القيادي الذي عينه الرئيس بايدن، (وزير الدفاع الجديد لويد أوستن، ونائبة الرئيس كامالا هاريس، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان)، جميعهم لهم مواقف مناهضة وحادّة من بشار الأسد بشكل شخصي، ومن نظام حكمه (القمعي) بشكل عام، لكن من الواضح أنْ لا بصيص أمل في نهاية النفق لتسوية الحرب السورية، حتى مع المؤشرات الأميركية على انعطافةٍ جديدة للبيت الأبيض مع بايدن، والتي، في الحقيقةِ، ترسّخ مصالح واشنطن قبل أيّ طرفٍ آخر، وتفتح باب المقايضات والمفاوضات لتحقيق ذلك.


 


 ويرى محلّلون أن ينطلق بايدن من أربع أولويات هامة، أولها العودة إلى دعم الأكراد شرقي الفرات بشكل أكبر من سلفه ترامب، إضافة إلى ملف الوجود العسكري الأميركي والموقف منه، كذلك مواصلة الحرب على الإرهاب الذي يقضّ المضجع الأميركي، وأخيراً الموقف من الاتفاق النووي الذي سيحدد كثيراً معالم السياسية الأميركي في سوريا، فيما يرى آخرون أنّ الإدارةَ الجديدة لن تسمح بأنْ يستمرَّ التوغّلُ والسيطرة الروسية على الوضع السوري بالكامل، في الوقت الذي لم يتحدث فيه بايدن عن استراتيجيات مفصلة بخصوص سياساته في الشرق الأوسط، مكتفياً بإطلاق تصريحات رنّانة وجذّابة لرغبته في التغيير وإحلال السلام.


ومن المُتوقع أنْ تستمرَ سياسةُ الولايات المتحدة على ما هي عليه في موقفها من القضية السورية، وأن تبقى مصرّةً على تنفيذ القرارات الأممية، خاصة القرار 2254، وبيان جنيف، مع رفضها الانتخابات الرئاسية المقبلة، واعتبارها غير شرعية ما لم يتم تنفيذ القرار الدولي..، وبوصفه رجل الدولة المتزن والمتمرس، يُرجح أنْ يعمّقَ (بايدن) صلة بلاده بأوروبا، وأنْ يكون وفياً لحلفائه، وأنْ يجد تسويات مقبولة في العلاقة مع روسيا، وكذلك أنْ يكونَ أكثر جديّة في محاربة الإرهاب، ومنع إيران من دعم الإرهابيين والميليشيات الطائفية القاتلة، فالإدارات الأمريكية (على تنوعها) تخضع لاستراتيجياتٍ موحدة بعيدة المدى، مرتبطة بمصالح قومية عليا ثابتة للبلاد، والقول الفصل في المحصلة يكون للمؤسسات، وليس للأشخاص.






 ليفانت - عبير نصر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!