الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
المسرّحون من الخدمة... أموات مع وقف التنفيذ
المسرّحون من الخدمة... أموات مع وقف التنفيذ

ليفانت_دمشق

اليمام يونس


سنواتٌ ثمان.. في الحبس الاحتياطي، لم تكن كافيةً لاجتراح تعويضٍ لسد الرمق. فقط 35 ألف ليرة سورية مايعادل أقل من 50 دولارًا. هي تعويضٌ شهريٌ لمدة سنة واحدة، عن العطب الذي أصاب القدمَ اليسرى للشاب المجند "سامر.ف" وسُرّح على إثره، بعد أن قضاها معلّباً في الجبهات الساخنة.


كلام وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل "ديما القادري" في "الحكومة السورية" منذ شهر شباط/ فبراير 2019 كان (قاطعًا، كريمًا، ومهللًا) بأنهم لم يَنْسَو الخدمات التي قدمها هؤلاء الشبّان لوطنهم، وسيُمنَح العسكريين المسرَّحيين ومصابي الحرب ،35 ألف ليرة سورية شهريًا لمدة سنة كاملة، ضمن برنامجٍ تمكيني لتسهيل ارتباط هؤلاء المسرّحين بفرص العمل".



حدّد القرار الذي حمل الرقم "784 " المستفيدين من هذا البرنامج، وهم: (المسرّحون من خدمة العلم بدءًا من تاريخ 15/3/2011 من غير العاملين في الدولة أو في القطاع الخاص والذين أمضوا 5 سنوات فأكثر في خدمة العلم (الإلزامية- الاحتياطية)، و المسرّحون نتيجة إصابة خلال العمليات الحربية ممن لم يخصص بمعاش تقاعدي كامل أو جزئي).




وأشار القرار إلى آلية التقدم للراغبين بالاستفادة من البرنامج من خلال تقديم طلب محدد إلى أحد فروع أو مراكز أو مكاتب الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية في المحافظات كافة؛ مرفقًا بصورةٍ عن البطاقة الشخصية وصورةٍ عن وثيقة التسريح وتعهّد أنه غير عاملٍ في القطاع العام أو القطاع الخاص وفق نموذجٍ محدد.


إبر تخدير..


"سبع سنوات وسبعة أشهر وأنتو صارعينا وطنيات"


هكذا بدأ "أسامة حمود" تعليقه على منشور وضعه الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية في سورية على صفحته على الفيس بوك -يرأسه "لؤي العرنجي"- وأكمله بعبارة " وبالآخر ٣٥ ألف ما بتكفي حق خبز عملتوا ألف فتوى ومخرج لتحرموا البعض منها وتوفرها….الخ" وقد أوضح المنشور الأسئلة المتكررة على الصفحة وأجاب عنها، وكان من بين الأسئلة الأكثر شيوعًا، أسباب رفض بعض الأسماء من استحقاق " المكافأة".


تعليق أسامة محمود




وبحسب ما أورده المنشور فإن الأسباب عديدة: " منها ما يتعلق بالتسجيل في التأمينات الاجتماعية حتى ولو كان التسجيل ناجمًا عن عقد مؤقت لمدة ثلاثة أشهر، أو عن العمل في معمل أو ورشة وتم تسجيل الشخص في التأمينات الاجتماعية من قبل صاحب العمل ثم التحق بالخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، وفي كلا الحالتين يُستثنى من المكافأة، ومنها ما يتعلّق بعدد سنوات الخدمة، والمحدّدة بخمس سنوات فما فوق، فمن كانت خدمته أقل من خمس سنوات لا يحصل على استحقاق المكافأة. أضف إلى ذلك، ما يتعلق بأسباب الإصابة، فلا يحصل صاحبها على المكافأة إذا اعتُبِرتْ غير ناجمة عن عمليات حربية، كما أضاف المنشور أن المرفوضين يمكنهم تقديم الاعتراضات بعد أن يحدد موعدها".


 


وتراوحت ردود الأفعال في التعليقات الواردة على المنشور بين الشكوى والملامة، فعلّق "الكوسفوي بسام" قائلًا: "بأن الذي لم يلبِ نداء الواجب هو الذي استراح"، وأما "ملهم غانم" فقد عرض مشكلته متهمًا " لؤي العرنجي " مدير صندوق المعونة الاجتماعية ، بإيقاع الظلم عليه شخصيًا، وأن لديه خدمة تتجاوز الخمس سنوات وأنه تسرّح بناءً على نسبة العجز 35% ولكنها غير ناجمة عن الخدمة".

فيما قال "باسل جدمر" بأنّه تم استرداد المكافأة منه بعد أن حصل عليها بحجة أنه مسجّل في التأمينات. أما "معتصم محمد" فقد علّق ساخطًا على عدم الإجابة على سؤاله عن مسألة توظيف العساكر المسرّحين والوعود التي كانوا قد مُنيوا بها في فترة "رئاسة وائل الحلقي لمجلس الوزراء".


 




وقد أكّد "فؤاد.د" أحد المسرّحين لمراسل "ليفانت" ما ورد من شكاوى أعلاه، وهو يمثل إنموذجًا لمئات بل آلاف الحالات، وقال ساخطًا أنه كان مجنّدًا في الفرقة الرابعة، وعمل قبل 9 سنوات في عقود مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر ولأكثر من مرة، مما جعل إسمه يرد بين قوائم المرفوضين من المكافأة، والتبرير كان جاهزًا بأنه مسجَلٌ في سجل التأمينات الإجتماعية. وتابع كلامه قائلًا: "اليوم أنا لا أملك عملًا دائمًا، أعمل أعمالًا مؤقتة ، أنا الآن بلا مستقبل أعيش يومًا بيوم، ورغيفي صعب المنال".




صرخات قهر كبيرة من المسرّحين



كانت "الحكومة السابقة" قد أصدرت بتاريخ 2 / 4 / 2013 تعميمًا نصّ على ( أن كل من يلتحق بالخدمة الإلزامية خلال الظروف الراهنة من خريجي المعاهد المتوسطة غير الملتزمة بخدمة الدولة يتم تعيينهم عند انتهاء خدمتهم في إحدى الوزارات والجهات العامة فور انتهاء خدمتهم في الجيش) ثم صدر بلاغ وزاري بتاريخ 16/9/2015 تضمّن موافقة الحكومة على تشميل الحائزين على الشهادات الجامعية والمعاهد المتوسطة غير الملتزمين بخدمة الدولة والمتعاقدين وفق برنامج تشغيل الشباب كافة الملتحقين بخدمة العلم (الالزامية أو الاحتياطية) قبل 7/4/2013 واستمروا في أداء الخدمة أثناء الأزمة الراهنة. لكن "حكومة عماد خميس" أوقفت العمل بالتعميم وأحيل القرار " للتريث".المسرّحون من الخدمة... أموات مع وقف التنفيذ



لم يموتوا في الجبهات الساخنة بل ماتوا برصاص حكومتهم، عندما أطلقت النار عليهم بوعودها الواهية وتلاعبت بعقولهم.



المسرّحون من الخدمة... أموات مع وقف التنفيذ

وكأنّ المطلوب هو الحفاظ على وضعية الحصان والجزرة، فلا الحصان ينال الجزرة، ولا الجزرة تكون من نصيب الحصان، لكنها مجرّد أداة "للحكومة" لحمْلهم على سلوك طريقٍ واحد، هو طريق العماء عما يحدث من حولهم، من تمرير صفقات بملايين الدولارات للطبقة المحظّاة الميسورة عند "سيادته".


لا يقتصر الأمر على فئة المسرّحين الذين غرّر بهم، بل يتعداه لشعب كامل يتم تجويعه، وجعله لاهثًا على نحوٍ غير مجدي خلف الفتات الذي تنثره " الحكومة" وحشو أدمغتهم باللقمة المضمخة بالذل، لحمْلهم على تسطيح تفكيرهم في أمر وحيد، "السعي لتأمين قوتهم اليومي" وهو ما يحافظ على بقاء السلطة القائمة، وعدم إمكانية تداولها، فلن يفكر أحد بموضوع السياسة القائمة طالما أن معدته فارغة.


وفي المقلب الآخر، سقطت المعارضة بكل أطيافها في كل الامتحانات السياسية منها والعسكرية لتتحول لاحقًا في قسم كبير منها إلى ميليشيات وعصابات إخوانية و سلفية جهادية لا تتقبل الاختلاف. الأمر الذي دفع كتلة لا بأس بها من الشباب في المناطق التي كانت خارجة عن سيطرة "القوات الحكومية" إلى سيناريو تسوية الأوضاع مع/أو بدون مصالحات، و بالأغلب الأعم لم يجدوا ضالتهم في عيش كريم أو أمن وسلام ناهيك عن  الالتزام بالخدمة الإلزامية العسكرية أو الاحتياطية بشكل قسري أو مرغمين بسبب الحاجة لمصدر دخل. ومن كانوا ضمن مناطق سيطرة "القوات الحكومية" ولم يخرجوا عن طاعتها، هؤلاء، كانت المعارضة سببًا في عودتهم للخدمة في تشكيلات "القوات الحكومية" أو الحياة المدنية في مناطق سيطرة "الحكومة" رغم قسوتها، فكانوا أمام خيارين أحلاهما مرُّ إما الموت، أو الفقر والذل.

هذه الصرخات المستغيثة من شبان يطالبون بأقل من حقوقهم، ويدورون في حلقةٍ مفرغة لا يملكون ضفة يركنون إليها. هم عالقون في المنتصف بين ضفتين، موت وشماتة على الأولى وموت آخر وترهيب على الضفة الأخرى.


تعويضات مخزية ورواتب مذلة

لم يكن كافيًا إضاعة ما يقارب عقدًا من عمر الشباب السوري، ليُضاف إليها رواتب مذلة لا تسد رمق عصفور، رواتب مجحفة بحق العساكر والمدنيين على حدّ سواء، ما جعل العمل الإضافي مخرجًا بسيطًا للحصول على الحد الأدنى من مستويات العيش.

وفي هذا السياق رصدت كاميرا مراسل "ليفانت" في دمشق حالات يقوم فيها العساكر ببيع الخبز على الأرصفة في محاولة منهم لكسب دخل إضافي يساعدهم لبقية الشهر.

شاب يبيع خبزاً على دراجته النارية ويلبس بدلته العسكرية كما رصدت شابّا آخر يضع خبزه الساخن على إحدى السيارات المركونة.


بالعودة للتعويضات التي تم توزيعها على العساكر المسرّحين من "الجيش النظامي" بعد خدمة 8 سنوات أو 9 سنوات فهي لم تتجاوز حاجز المليون ليرة سورية لرتبة مساعد أول حاصل على تعليم جامعي.


تعويضات العسكريين المسرحين من الدورة ١٠٢ :

١- مساعد أول ٧٣١،٧٣٩ ليرة سورية

٢ـ مساعد ٦٧٦،٩١٢ ليرة سورية

٣ـ رقيب أول ٦٢٧،٠٦٧ ليرة سورية

٤ـ رقيب ٥٨٤،٣٢٧ ليرة سورية

٥ـ عريف ٥٤٩،٣٠٣ ليرة سورية

٦ـ جندي ٥١٥،٩٤٩ ليرة سورية


ملف التعويضات لن يكون الأخير في سلسلة خذلان "النظام الحاكم" لجنوده المسرحيين بعد 8 سنوات من الخدمة الالزامية والاحتياطية، ويمكن أن نتناول قضية التعويضات في ملف مستقل. فقد كان هناك وعود بمنازل مقسَّطة ووظائف حكومية، لتنتهي بتعويض سُّجل لمساعد أول مسرح في دورة 102 بما يقارب 1500 دولار أميركي، هذا الشاب الجامعي أو غير المتعلم الذي قضى 9 سنوات عسكريا وخرج ب 750 ألف ليرة سورية هي مصروف لمدة 6 أشهر على الأكثر..




عشرات الآلاف بدأوا رحلة البحث عن حياة بعد التسريح وعشرات آخرون ينتظرون نفس المصير، شباب محمّلون بكم كبير من المشاكل النفسية بلا مهنة بلا منزل بلا أمل في زواج واستقرار، يبدو أنهم وفي غياب الحل السياسي أمام خيار الهجرة وبيع ما بقي من ممتلكاتهم، أما الذين لايملكون ولا يجدون من يقرضهم ، سيكون مصيرهم الموت مع وقف التنفيذ.


 




يقول المثل: "لا تنتظر العسل من مؤخرة الدبور".


 


المسرّحون من الخدمة... أموات مع وقف التنفيذ


المسرّحون من الخدمة... أموات مع وقف التنفيذ


 


 


تعليقات إضافية وردود الأفعال في الصور المرفقة 


 



 


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!