الوضع المظلم
الإثنين ٠٦ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
المرور في حقل من الألغام
باسل كويفي
"حقل من الألـغـام" قد تكون هي العبارة الأكثر ملائمةً لوصف مرحلة ما بعد الحرب للعديد من بلدان المنطقة، حيث لا ثقة بين أعداء الأمس، انفلات أمني، وانتشار واسع للـسلاح خارج يد السلطات الشرعيّة، الأطراف المسلّحة تستعدّ للانتقال للعمل السياسـي دون سابق خبرة، اقتصاديات منهارة، تفكك اجتماعي أفقي وعمودي.

وكي تستطيع البلاد عبور حقل الألـغـام هذا من دون انتكاسات تعيدها إلى زمن الحرب، لا بد من وجود أثر إيجابي عبر إرادة وإدارة واقعية حقيقية، وجهات ضامنة للإشراف على حفظ الأمن، تثبت وقف إطلاق النار، ونزع السـلاح غير الشرعي وقوننة استعمال السلاح بحالة القوة الجبرية، وتقديم المشورات في تنظيم انتخابات ما بعد الحرب، ضمن مسار الأمن واستعادة الاستقرار وبناء الثقة، ودور السلام في مرحلة ما بعد الحرب.

تحالف "أوكوس" الجديد بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، أوائل الشهر الحالي، ذكر رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، في معرض تفسيره لقرار إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية التقليدية، أنه أشار للرئيس الفرنسي ماكرون قبل عدة أشهر إلى تغيّر البيئة الاستراتيجية المحيطة ببلاده، وملمحاً بطريق غير مباشر إلى عدم فاعلية الغواصات التقليدية الفرنسية لمواجهة أعباء تلك البيئة الجديدة.

في الإجمال، فإنّ تحالف أو شراكة «أوكوس» الثلاثية تعيد ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادئ، انطلاقاً من فرضية أنّ الصين لم تعد منافساً يمكن مجاراته سلمياً، بل تقترب من أن تكون عدواً خطيراً. وإلى جوارها فرضية أخرى مفادها أنّ مواجهة أميركا لعدو بحجم الصين تتطلب مشاركة في الأعباء من قبل القوى الإقليمية الأكثر تضرراً، كالهند وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام، وغيرها من بلدان آسيا، التي تنظر إلى الصعود الصيني كمصدر تهديد لمصالحها العليا.

اقتباس:

((نحن قادة أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، اجتمعنا في البيت الأبيض، 24 سبتمبر 2021، وذلك لأول مرة، وجهاً لوجه بصفتنا أعضاء (الحوار الأمني الرباعي). ونعيد بهذه المناسبة التاريخية التأكيد على التزامنا بشراكتنا وبمنطقة تشكل حجر الأساس لأمننا المشترك وازدهارنا، وهي منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة والشاملة والمرنة في آن معاً.

ندرك أيضا أن مستقبلنا المشترك سيكتب في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وسنضاعف جهودنا لضمان أن يكون الحوار الأمني الرباعي قوة من أجل السلام والاستقرار والأمن والازدهار الإقليمي. ولتحقيق هذه الغاية، سنواصل دعم الالتزام بالقانون الدولي، ولا سيما على النحو الوارد في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وذلك لمواجهة التحديات أمام النظام القائم على القواعد البحرية، بما في ذلك في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي.

ونؤكد دعمنا للدول الجزرية الصغيرة، ولا سيما تلك الموجودة في المحيط الهادئ، لتعزيز قدرتها على الصمود الاقتصادي والبيئي، وسنواصل مساعدتنا مع بلدان جزر المحيط الهادئ بشأن الاستجابات للتأثيرات الصحية والاقتصادية لكوفيد-19 والبنية التحتية المستدامة ذات الجودة، بالإضافة إلى الشراكة للتخفيف من آثار تغيّر المناخ والتكيّف معها، مما يفرض تحديات خطيرة، بشكل خاص على منطقة المحيط الهادئ.

نعيد التأكيد على التزامنا بنزع السلاح النووي لكوريا الشمالية بشكل كامل، وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، ونؤكد أيضاً على ضرورة الحل الفوري لقضية المختطفين اليابانيين. ونحثّ كوريا الشمالية على التقيد بالتزاماتها تجاه الأمم المتحدة والامتناع عن الأعمال الاستفزازية، كما ندعوها إلى الدخول في حوار موضوعي. نحن ملتزمون ببناء المرونة الديمقراطية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها. ونواصل دعوتنا إلى إنهاء العنف في ميانمار والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، بمن فيهم الأجانب، والمشاركة في حوار بناء واستعادة الديمقراطية في وقت مبكر. وندعو كذلك إلى التنفيذ العاجل لتوافق آراء الخماسي لآسيان. وسنعمل على تعميق تعاوننا في المؤسسات متعددة الأطراف، بما في ذلك الأمم المتحدة، حيث يؤدي تعزيز أولوياتنا المشتركة إلى تعزيز مرونة النظام متعدد الأطراف نفسه. وسنستجيب لتحديات عصرنا بشكل فردي وجماعي، ونضمن أن تظلّ المنطقة شاملة ومنفتحة وتحكمها قواعد ومعايير عالمية.

سنواصل بناء التعاون، وسيجتمع قادتنا ووزراء خارجيتنا سنوياً وكبار مسؤولينا بانتظام. وستواصل مجموعات العمل لدينا إيقاعها الثابت لإنتاج التعاون الضروري لبناء منطقة أقوى.

في هذه الحقبة التي تمتحننا جميعاً، يبقى التزامنا بتحقيق منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمنفتحة، التزاماً راسخاً، وتظلّ رؤيتنا لهذه الشراكة طموحة وبعيدة المدى. وبتعاون راسخ ننهض معاً لمواجهة تحديات هذه الحقبة)).

في هذا السياق، تأتي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك على مدى الأسبوع قبل الأخير من هذا الشهر، في الدورة السادسة والسبعين من الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث التقى وزير الخارجية بلينكن مع أكثر من 60 حليفاً وشريكاً حول العالم، عطفاً على كلام الرئيس جو بايدن، حيث قال: "يجب أن نتعاون مع الشركاء لضمان مستقبلنا المشترك. إن أمننا وازدهارنا وحرياتنا مترابطة سوياً، يجب علينا العمل معاً كما لم يحدث من قبل".

نستنتج مما سبق، بأنّ الاستراتيجية الأمريكية للإدارة الحالية تتدرج على الانسحاب من مناطق عديدة من العالم، بما فيها الشرق الأوسط، أو تخفيف تواجدها بشكل كبير للتركيز على التحديات والتهديدات التي تمثّلها الصين، حسب زعمهم، في بحر الصين والمحيط الهادئ والهندي، وخصوصاً بعد احتمال عودة إيران إلى اجتماعات فيينا بخصوص الملف النووي، حسب تصريح أدلى به وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، الأسبوع الحالي، للتلفزيون الإيراني، وأضاف: "بينما نمعن النظر للعودة إلى محادثات فيينا، يجب ألا نتأخر وننتظر نتيجة المحادثات". مما يوحي باقتراب انبعاث الدخان الأبيض من فيينا بهذا الخصوص، إضافة إلى تصريح الملك سلمان بن عبد العزيز باجتماعات إيجابية بين مسؤولين من المملكة العربية السعودية والإيرانيين بوساطة عراقية، إضافة إلى ما يسود من تفاؤل بانفتاح ومرونة بالتعاطي من الدول الإقليمية والعربية والعالمية للملف اليمني والسوري واللبناني والليبي، قد ينعكس بانفراجات دراماتيكية وسريعة، وخصوصاً بعد اجتماع جنيف بين ماكغورك وفيرشينين ولافرنتيف، منتصف الشهر الحالي، واجتماع هلسنكي المحوري بين رئيسي الأركان، الأمريكي والروسي، الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر، بخصوص الحوار الاستراتيجي الأوسع.

اجتماع سوتشي بين الرئيسين بوتين وأردوغان، يوم 29 سبتمبر 2021، حول بحث الملفات المشتركة بين البلدين، ولا يخفى على أحد أهمية البلدين في إرساء السلام في سوريا، وهو ما صرّح به الرئيس أردوغان، حيث قال: "إنّ السلام في سوريا مرتبط بشكل مباشر بالعلاقات الروسية التركية، ودور بلدينا كبير في هذه المنطقة".

أعتقد أن نتائج المفاوضات ستنعكس على الملف السوري، وخصوصاً (شرق وغرب شمال سوريا)، وحسب تغريدات الرئيسين إن كانت مفيدة ومثمرة.

ويتطلب ذلك، المبادرة في مراجعة أدبيات وسياسات إعادة الإعمار بعد الكوارث، سيّما ضرورة الاستفادة من تواكب التداخلات الحديثة والخبرات التراكمية للمنظمات الأممية والدول المانحة (التي تتطلب دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لتنظيم مؤتمر للدول المانحة بعد عودة الأمن والاستقرار) بشأن إعادة الإعمار بعد الكوارث، ونقلها بطريقة مبسطة ومفصلة وعملية للكفاءات والقدرات المحلية لتتماشى بسلاسة مع الخبرات الدولية، من خلال البرنامج المخصص للتعافي المبكر في الوقت المحدد والأولويات والمواصفات والميزانيات المرصودة وبالكفاءة والفعالية العالية خدمة لبلادنا التي عانت مرارة الحرب لفترات كبيرة.

هنا لا بد من الإشارة إلى أهمية سياسات التنفيذ ومراحل التعاطي مع الكارثة منذ وقوعها حتى الوصول إلى التنمية المستدامة، وتجنباً لتأخر استجابة الحكومات ووكالات التنمية والمنظمات الإنسانية التي قد تتسبب في حدوث ارتباك وتأخير في عمليات التعافي وإعادة الإعمار (نظراً لاختلاف الأهداف المحلية عن الأممية، وعلى الأخصّ بموضوع السيادة مع ما يرافق ذلك من تشريعات تحدد عمل منظمات المجتمع المدني وآليات التعاون مع المنظمات الدولية وبرامج التمويل)، وتحسباً للكوارث المستقبلية، سواء بعد وقوع كارثة طبيعية أو الحروب والصراعات المسلحة.

نحن لسنا في حاجة إلى نصوص، بل إلى قرار وإرادة فعل، للحول دون تكرار الأزمات والرهان على رضوخ الشعوب، ما نحتاجه أن يتم ترجمة الرضا والغضب عبر صناديق اقتراع في انتخابات حرة نزيهة شفافة، نحتاج إلى حوار عام مع المخالفين والمعارضين.. إلى معالجة ملف المعتقلين والمفقودين والنازحين واللاجئين والمتضررين، مع التشريع بإعادة المحاكمة طلباً للبراءة وإعادة الممتلكات التي تم بيعها والتصرّف بها دون وجه حق.. إلى إعادة النظر في القوانين والممارسات المقيدة للحريات التي يضمنها الدستور.

تخفيف العقوبات عن سوريا وتجميد مفاعيل قانون قيصر، بحاجة إلى صناعة أثر إيجابي سياسي في داخل سوريا تتفاعل معه دول العالم، وإلا سوف يكون بحدّه الأقصى تأمين الغذاء والدواء وبعض مستلزمات العيش (عبر جهات غير رسمية) من أجل البقاء على قيد الحياة. أعتقد أنّ الدعم الاستراتيجي للنهوض والتعافي الاقتصادي والمالي سوف يكون مؤجلاً لما بعد إجراءات بناء الثقة والانفتاح التدريجي، عبر تنفيذ القرار رقم 2254 ووضع آليات تنفيذية عبر التغيير والتشاركية بمفاهيم جذرية وشفافة، مما يتيح انفتاحاً ومرونة بالتعامل مع الدول الإقليمية والعربية والعالمية، وبالتالي استثمار هذا الانفتاح الذي بدأت خيوطه تُحاك في برامج إعادة البناء والتنمية المستدامة التي من شأنها تعزيز الاستقرار والسلام والأمن المستدام.

علينا البحث والعمل على التنمية البشرية والمستدامة، فهي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والسلام، وبالمقابل إيجاد أفضل الوسائل لاستيفاء حق الأفراد والمواطنين في التنمية، ومدى انعكاسها على الأداء الاقتصادي العام لتحسين أحوالهم المعيشية وتوازناتهم الاجتماعية.

السؤال الذي يطرح نفسه لدى العديد من أهل المنطقة والمهتمين بالشأن العام، هل العقوبات الاقتصادية تعّطل العملية السیاسیة وتخلق تفككاً مجتمعياً واقتصادياً وثقافياً، أم العكس؟ إن الحل السياسي هو مفتاح الحلول الصعبة في سوريا، يخضع لاعتبارات إقليمية ودولیة، ويحتاج لتوافقات محلية للدفع نحو تنفيذ القرار 2254 قبل وصول الوضع المعيشي والإنساني إلى نتائج يصعب تداركها، آملين أن تفضي طاولات الحوار والتفاوض في المنطقة الأوسطية والعالم بين دول متعددة تم الإعلان عن بعضها، ومنها ما لم يُعلن عنه إلى رسم ملامح جديدة لمستقبل إنساني واعد تساهم فيه جميع المجتمعات في تقدم العالم بعيداً عن تقاسم المصالح التقليدية والجغرافية بأوجهها القديمة، مستذكرين خلاصة التاريخ والحضارات التي مضمونها (بقاء الحال من المُحال)، ويقيناً لإدراكي هذه العبرة العظيمة "كُل مُرّ سَوف يمُر.. ‏ليأتي اليُسر الذي يَسرّ".

باسل كويفي

ليفانت - باسل كويفي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!