الوضع المظلم
الخميس ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • القضاء التونسي والرئيس.. معركةٌ ما بين الاستقلالية والتطهير

القضاء التونسي والرئيس.. معركةٌ ما بين الاستقلالية والتطهير
الجهاز السري وتونس \ ليفانت نيوز

تمر تونس منذ 25 يوليو 2021، حينما انتفض الشعب في العاصمة وأغلب المحافظات، للمطالبة بإسقاط المنظومة الحاكمة وحل البرلمان وإزاحة الإخوان من الحكم، نجم عنها إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد، عن تجميد سلطات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه.. بأوضاع حساسة، ومعارك دبلوماسية وسياسية، انتقلت إلى ساحات أخرى لم تعهد مثل ذلك من قبل، ومنها القضاء.

الافراج عن مجرم خطير

ففي الثامن عشر من يناير الماضي، تم الإفراج عن "مصطفى خذر" رئيس ما يسمى بـ"الجهاز السري"، وهو ما يمكن اعتباره الجناح المسلح التابع لـ"حركة النهضة"، من السجن، بعد انتهاء العقوبة الصادرة في حقه، والقاضية بسجنه مدة 8 أعوام وشهر واحد، بتهم تعلقت بالاستيلاء على وثائق مودعة بالخزينة، وحيازة وثائق تحتاج إلى إثبات المصدر وغيرها من التهم، من ضمنها اتهام مصطفى خذر بـ"التورط في التستر على جريمة الاغتيال وإخفاء معلومات عن قضية الناشطين السياسيين الراحلين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي".

اقرأ أيضاً: تونس.. استقالة مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة

إفراجٌ لم يرق للرئيس التونسي، قيس سعيّد، الذي ذكر في العشرين من يناير، إن نظاماً خفياً ما زال يحكم البلاد، مؤكداً على حرية القضاء في تونس، قائلاً إن "القضاء حر ونعمل أن يكون حراً، ولكن القضاء ليس الدولة، ولكنه قضاء الدولة وعليه تطبيق القانون"، منبهاً إلى أن هناك "إرهابياً أطلق سراحه" بعد أن قبضت عليه قوات الأمن بدعوى أن القضاء حر، لافتاً إلى إصدار مرسوم (في التاسع عشر من يناير) يحذف امتيازات للقضاة، قائلاً إن "هناك جملة من القضايا التي بقيت عالقة لسنوات طويلة أمام القضاء وهناك قضايا جارية منذ 10 سنوات”.

وأفادت رئاسة الجمهورية بأن "رئيس الدولة، قيس سعيد، ختم مرسوما يتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016، المؤرخ في 28 أبريل 2016، المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ينص على وضع حد للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء هذا المجلس"، وتحدث سعيد عن المنح والامتيازات الممنوحة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وعن السلطة الترتيبية التي يتمتع بها المجلس.

اقرأ أيضاً: راشد الغنوشي متحدياً الرئيس التونسي.. يدعو لجلسة برلمانية

وقال في هذا الصدد "إن السلطة الترتيبية التي تتمتع بها بعض الهيئات، يجب أن تمارس في إطار القانون، وليس خارجه"، مذكراً بأن وضع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، كان "نتيجة لتدخل عدد من الأطراف غير المختصة، وجملة من قوى الضغط"، علماً أن المجلس الأعلى للقضاء، مؤسسة دستورية يبلغ عدد أعضائها 45 عضواً، بعضهم منتخب، وبعضهم الآخر معينون وقع تعيينهم، وتعمل على ضمان حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية.

استقلالية القضاء

ومن جلي بإن قرار الرئيس التونسي كانت تماشياً مع الخطوة التي أثارت غضباً واسعاً في البلاد، (أي الإفراج عن مصطفى خذر)، حيث أعادت الحديث عن ملف الجهاز السري لحركة النهضة، الذي لم يحسم فيه القضاء رغم إثارته منذ عام 2018، فيما صرح سابقاً، فريق الدفاع عن بلعيد والبراهمي، بأن هناك وثائق وأدلة تفيد بأن حركة النهضة تمتلك جهازاً سرياً أمنياً موازياً لجهاز الدولة، متهماً الجهاز السري بالتورط في اغتيال المعارضين، وبممارسة التجسس واختراق مؤسسات الدولة وملاحقة خصوم الحركة.

اقرأ أيضاً: الداخلية التونسية: إحباط عملية انتحارية لفتاة قادمة من تركيا

وأكد سعيّد في الواحد والعشرين من يناير، على ضرورة أن يكون القضاء مستقلاً، مشيراً إلى أن بعض القضاة ليسوا مستقلين، قائلاً إن الدولة ترفض التجاوزات والعنف من أي طرف كان، وخاصة من طرف أولئك الذين يريدون ضرب الدولة من الداخل، وأضاف الرئيس التونسي أنه لا نية لتركيع القضاء أو التدخل فيه، و"لكن لن يتم ترك الشعب التونسي أمام كل من يتاجر بحقوقهم".

لكن المجلس الأعلى للقضاء في تونس رفض قرار سعيّد، ونبّه بذات التاريخ، إلى "خطورة المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية، وأضاف إنه يتمسك بصلاحياته الترتيبية، ويرفض التمادي في الاعتداء عليها، وأنه سيواصل أداء مهامه "دفاعاً عن استقلال القضاء وحسن سيره وضماناً للأمان الوظيفي للقضاة"، داعياً القضاة للتمسك باستقلاليتهم، وأدان التدخل في عملهم، و"حملات الضغط والتشويه الممنهج والمستمر ضدهم، والمس من اعتبارهم، ولا سيما المتعهدين منهم بملفات قضائية جارية".

 تطهير القضاء

إلا أن سعيّد كان مصراً على مواصلة العمل الذي بدأه، فدعا في الرابع والعشرين من يناير، إلى "تطهير" القضاء، والإسراع في النظر في القضايا "التي يطالب الشعب التونسي" البت في فيها، وجاء ذلك خلال استقباله كلا من نجلاء بودن رمضان، رئيسة الحكومة، وليلى جفال، وزيرة العدل، وتوفيق شرف الدين، وزير الداخلية، حيث تناول الاجتماع "الأوضاع الحالية للمرفق العمومي للقضاء وخاصة بالنسبة إلى طول فترة التقاضي، وإفلات عدد غير قليل من الأشخاص من المحاسبة في حين أن الشعب التونسي يطالب بها منذ أكثر من 10 سنوات"، وفق بيان للرئاسة.

اقرأ أيضاً: احتجاز 4 رجال أمن تونسيين بتهمة سلب تاجر

وأكد سعيد على أن "القضاء لا يمكن أن يحل محل المشرع وعلى أنه لا بد من تطهيره ممن أثبت القضاة أنفسهم تورطهم في عدد من الملفات"، مشدداً على أن "الجميع يتساوون في الحقوق والواجبات، فلا مال ولا مصاهرة يمكن أن يقيهم من المساءلة أمام قضاء عادل يطبق القانون على الجميع".

كما شدد على أن القضاء "وظيفة لا يجب أن يتسلل إليها لا جاه ولا نسب ولا مال، وعلى القضاة الشرفاء في هذه الأيام التاريخية أن يؤدوا رسالتهم كاملة وألا يحتكموا إلا للقوانين ولضمائرهم"، مشيراً إلى أن "البعض يقاضى من أجل جريمة نشل أو سرقة في أسرع الأوقات، في حين أن الذي نهب أموال الشعب ومازال ينهب مقدراته يبقى حراً طليقاً".

اقرأ أيضاً: تونس تأمل بالتوصل لاتفاق مع صندوق النقد في أبريل

وعاد الرئيس التونسي في السابع والعشرين من يناير، للتأكيد على أن القضاء مسؤولية ثقيلة وأن لا أحد فوق القانون، مضيفاً أن الفصل الحقيقي هو بين الحق والباطل بين الظالم والمظلوم وبين الضحية ومن احترف الإجرام، كما شدد على أن العمل يتم وفق الدستور والقانون من أجل تطهير البلاد من كل من استولى على مقدراتها.

ليبقى الباب مفتوحاً أمام احتمالات المواجهة بين الرئيس التونسي والمجلس الأعلى للقضاء، خاصة أن المواجهة السابقة بين الرئيس ومجلس النواب الذي كان يهيمن عليه الإخوان عبر حركة النهضة، قد انتهى بتحييد المجلس حتى انتخابات جديدة، قد ترسم لتونس خارطة طريق واضحة، وتسمح للبلاد بالعبور إلى بر الأمان.

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!