الوضع المظلم
السبت ٢١ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • القارئ السفيه ! "بين نظرية التلقي ومواقع التواصل الاجتماعي"

القارئ السفيه !
القارئ السفيه ! "بين نظرية التلقي ومواقع التواصل الاجتماعي"

خالد محمد المسطو - صحفي سوري


اهتمت النظريات النقدية في ما بعد الحداثة بالقارئ واحتفلت به لدوره في تحقيق النص وبناء معناه، ولعل أبرز هذه النظريات "نظرية التلقي" التي تعد منهجاً للقراءة والتأويل.


وملخص النظرية يقوم على أن المتلقي يساهم في صياغة النص مع الكاتب والمبدع. المتلقي بثقافته ووعيه وسياقه التاريخي يفهم النص على نحو مختلف عن متلقٍ آخر لا يمتلك الوعي ذاته ولا الثقافة نفسها، هذا المتلقي إنسان موجود وكائن حي قرأ النص وفهمه وأعاد إنتاجه، ويمكن أن نسميه "القارئ الحقيقي".


في نظرية التلقي هناك أنواع للقراء حيث احتفت هذه النظرية بقرّاء النص الأدبي وصنفتهم إلى عدة أصناف . فلدينا " القارئ النموذج " عند إمبيرتو إيكو، و"القارئ المثالي" و" القارئ الضمني" عند آيز وكثير من التصنيفات الأخرى لا مجال لذكرها هنا.


مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وانفتاح العالم على الكتابة والقراءة ظهر صنف جديد من القراء، فالدخول إلى فضاء التواصل الاجتماعي يتطلب أصدقاء ومتابعين لتتم عملية التواصل. بل إن قياس قوة الحساب الشخصي يتطلب حشداً كبيراً من الأصدقاء والمتفاعلين مع الحساب.


"القارئ السفيه" هو ما يمكن أن نطلقه على هذا الكائن الجديد الذي دخل إلى عالم القراءة والكتابة من خلال منصات التواصل الاجتماعي. هو قبل ذلك لم يكن معني بالقراءة والكتابة لا من قريب ولا بعيد.


"القارئ السفيه" يملك من صفات الجهل والحمق الشيء الكثير، إنه كلب حراسة لما نسميه "الشعبوية" أو العقل الجمعي وحارسها الأمين. لديه سلاطة لسان وقدرة على الدخول في جدال عقيم سخيف وتحويل أي نقاش بنّاء إلى مهاترات لا تقدم ولا تؤخر، ولا تفيد في إثراء النص أو موضوع النقاش. لا يتورع في مهاجمة الشخص أو الكاتب بل على العكس ينبري مباشرة إلى تسفيهه والحط من فكره وقدره، إذ هو غير معني بمناقشة الأفكار بل غير قادر على مناقشتها لجهله الشديد، لذلك يطعن بالكتاب والمبدعين.


تفتح الـ"فيس بوك" وتدخل إلى حسابك لتعرض فكرة أو تقدم مشورة أو رأياً، هنا تكون قد وقعت في الفخ ودخلت برجلك إلى حرم "القارئ السفيه" وميدانه، وما هي إلا لحظات حتى تندم على الساعة التي دخلت فيها إلى حسابك، وتلعن اللحظة التي فكرت فيها بالكتابة.


بعد ذلك، ومع مرور الوقت وإعادة النشر وتدخل "القارئ السفيه" الفج في ما تكتب يتحول إلى قارئ ضمني افتراضي يعشعش في ذهنك، وكلما هممت بالكتابة يظهر في مخيلتك على شكل فزاعة. تكتب فكرة ثم لا تلبث إلا أن تعدل فيها، ثم تمحو جملة، بعدها تضع استثناء.. ثم بعد ذلك تنظر إلى المنشور وإذا به غير المنشور الأول الذي أردت كتابته، هنا تقوم بمحوه وحذفه قبل أن يرى النور، وتلغي فكرة الكتابة من أصلها. إنه يقتل الإبداع ويدمر الأفكار.


الآن أنا أكتب مقالاً أهاجم به هذا الكائن ولا أضطر للتعديل أو التغيير في شيء، ببساطة أنا متحرر من سفاهته لأني أكتب مقالاً طويلاً فهو ليس لديه صبر أو جلد لقراءة مقال. إنه يقرأ ما يمكن أن نسميه المقال القصير أو القصير جداً والتي عادة ما تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وأيضاً أكتب في مواقع متخصصة بالكتابة، لها قراء مميزون، وأكون قد نقلت أفكاري إلى مكان آمن بعيد عنه وعن مشاكساته.


كثير من الناشطين والمثقفين قد هجروا منصات التواصل بعد أن رأوا كيف تحولت هذه المنصات إلى جلسات سباب وشتائم بدل أن تكون مواقع تواصل. اعتزلوا الكتابة بسبب هذا الفيروس المدمّر. وهنا أوجه دعوتي لهم وأحضهم على ممارسة الكتابة من جديد واستخدام التقنيات في اختيار الأصدقاء ولا يبخلوا بفكرة قد تحل مشكلة أو تنير درباً أو توقد شعلة. ولهذا الكائن المسمى "القارئ السفيه" أقول له وبالفم الملآن : "تباً لك".


القارئ السفيه ! "بين نظرية التلقي ومواقع التواصل الاجتماعي" القارئ السفيه ! "بين نظرية التلقي ومواقع التواصل الاجتماعي"

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!