الوضع المظلم
الجمعة ١٩ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
القاتلُ المتسلسلُ الخفيّ
عبير نصر

بين الرعب العالمي واللامبالاة السورية القاتلُ 


لم تسلم المجتمعاتُ الإنسانيةُ عبر تاريخها الطويل من الأوبئة والأمراض، وهي كثيرة ابتدأت بطاعون جستنيان (541-750 م) مروراً بطاعون لندن العظيم والكوليرا والأنفلونزا الاسبانية... الخ، وكان أهمها على الإطلاق وباء (الجدريّ)، الذي حصد ملايين البشر في أماكن متفرقة من العالم وفي فترات زمنية مختلفة، كما تسبّب في مقتل غالبية السكان الأصليين بالمكسيك عندما أدخله الأوروبيون إلى الأمريكتين في القرن الخامس عشر، وقبل أن يكتشفَ لقاحَ الجدريّ الطبيبُ الانكليزي (إدوارد جينر)، تؤكد بعض المصادر التاريخية أنّ أولَ طريقةٍ لعلاجه اُكتشفت في الصين قبل نحو ألف عام، الصين نفسها التي ستصبح لاحقاً (وبدون قصد) المصدّرة الأولى لفنّ الرعب حول العالم فيما يتعلّق بالأمراض التنفسية المُعدية.


بدايةً بــــأنفلونزا (هونغ كونغ) بين عامي (1968-1970) حيث بلغ عددُ الوفيات العالمية الناجمة عن هذا الفيروس حوالي المليون شخص، عُشرهم في الولايات المتحدة، وكان ثالثَ وباء يحصل في القرن العشرين بعد الأنفلونزا الإسبانية والأسيوية، ومروراً بالمتلازمة التنفسية الحادّة الوخيمة (2002-2003) أو ما يدعى بـفيروس (سارس) والذي يشبه في تركيبه الوراثي، وبنسبة 90 بالمائة، فيروس كورونا الجديد، ومصدره مقاطعة (غوانغدونغ) الصينية، حيث انتشر سريعاً إلى 26 دولة، لكنّ آثاره القاتلة كانت محدودةً بسبب الاستجابة المكثفة للصحة العامة من قبل السلطات العالمية. القاتلُ 


وبالطبع ليس نهايةً بفيروس كورونا المستجدّ وإنْ كانت بعض الدول قد تأخرت في تطبيق الإجراءات اللازمة للحدّ من انتشاره، مثل بعض الدول الأوروبية وإيران، وتشير التقديراتُ الأولية إلى أنّ الوباءَ الطارئ يمكن أن يصيب في النهاية ما بين 40 و70% من البشر، كما تشير دراسةٌ أجرتها الجامعة الوطنية الأسترالية إلى أنّ الفيروس، (الشبيه بالأنفلونزا الموسمية)، سيتسبّب في مقتل ملايين الأشخاص، وسيُكلّف الناتج المحلي الإجمالي العالمي مبلغ 2.4 تريليون دولار، كما أكدت الإحصائيات التي أوردها موقع (بلومبيرغ) الأميركي أنّ ثروات أغنى (500) رجلٍ في العالم تراجعت خلال أسبوع بمقدار (444) مليار دولار مع استمرار انتشار الفيروس، وفي أسواق الأسهم العالمية انخفض مؤشر (داو جونز) الصناعي أكثر من 12%، وهو أكبر انخفاض لمدة خمسة أيام منذ الأزمة المالية عام 2008.


هذا المجهول الذي ينتظر الشعوبَ المنكوبة بفيروس كورونا، والذي لم يُثبت بعد إنْ كان ناجماً عن الخفافيش أو الجِمال، أثار الرعبَ في الوعي الجمعي بدايةً، بينما سيتحول تدريجياً إلى مساحةٍ حرّة للاجتهادات الإنسانية التي ستخرج حكماً عن المنطق أملاً في الخلاص، في الوقت الذي سيطرح فيه الكثير من الأسئلة الوجودية عندما تفلتُ الأمورُ نهائياً عن سيطرة الإنسان القوي، والذي يتحول دون سابق إنذار –وبفعلِ النظام الكوني- إلى ضحيةٍ ضعيفة تقف وجهاً لوجهٍ أمام نهايتها المؤكدة. القاتلُ 


وبطبيعة الحال لا بدّ أن تنتهي هذه التجربة الأليمة بخلقِ قيمٍ وطرقٍ مختلفة للحياة الإنسانية، إذ أنّ هناك أنماطاً سلوكية متعلقة بأوقات الأوبئة، ما يُعرف بـسيكولوجيا الأوبئة (Epidemic Psychology)، ومن أهم مظاهرها ظهور الحياة غير المتحضرة التي تحركها المشاعر والاحتياجات البدائية، تسيطر على الفرد تماماً عندما تحيدُ الأحداثُ الاعتيادية عن مسارها الروتيني، حيث تتغذّى هذه الحالة الجمعية وتتضاعف وتؤدي إلى الانهيار عوضاً عن الحل، بدليل أنّ تقارير إعلامية أشارت مؤخراً إلى أن (80%) من مرضى كورونا في الصين تلقوا علاجاً تقليدياً، وبغض النظر عن فاعليته من عدمه إلا أنّ هذا العلاج يعطي الفرد بعض التوازن الداخلي المرتبط باعتقاده في فاعلية الوصفة الشعبية، وعلى جانب آخر، ظهرت ممارساتٌ أخرى مرتبطة بالمعتقدات الشعبية، حيث استضافتْ جماعةٌ هندوسية حفلًا لشرب بول الأبقار (المقدّسة) في العاصمة الهندية نيودلهي، لاعتقادها أنه يقي من القاتل المستجدّ!. القاتلُ 


ومن الطبيعي أن تجتاحَ المجتمعات موجاتٌ من الهلع، وسببها المحاولات البائسة لتقويض الوباء الجديد الذي لا تتوفر معلومات كافية عنه، وهذا ما أكده علم (الاقتصاد السلوكي) الذي ينصّ على أنّ جانباً كبيراً من اللاعقلانية يظهر في سلوك الفرد إذا ما تعرّض إلى خوفٍ أو قلقٍ أو ضغطٍ زائد عن طاقة احتماله، وفعلاً يشهد العالمُ اليومَ موجاتٍ من الذعر الممتدة من الولايات المتحدة إلى فرنسا إلى أستراليا، وعلى سبيل الذكر لا الحصر: الشراء الهستيري لورق التواليت الذي أصبح في تصوّر الناس رمزاً مرتبطاً بالأمان والنجاة، والتحليل المنطقي لهذا السلوك اللاعقلاني، أنّ الجنونَ بين البشر يتراكم جرّاء الخوف، فيسعى الخائف إلى الدفاع عن نفسه بالتسلّح مثلاً، بمعنى أنه إذا بدأ بعض الأشخاص في شراءٍ مدفوعٍ بالذعر، فإن الإستراتيجية المثالية هي أن يحذو آخرون حذوهم، للتأكد من أنّ لديهم أيضاً ما يكفي لتخزينه من باب الاحتياط، غير آبهين بالعدوى والمرض، والسلوك اللامنطقي الآخر أنّ اكتناز العناصر الضرورية للحياة، مثل الأطعمة المعلبة أو المجمدة، لم يكن بنفس المستوى الذي تهافت به كثيرون على ورق الحمام.


وفي إطار الأزمة الحالية المدفوعة بأسباب الذعر واللامنطق البشري، وعلى الرغم من انتشار ظاهرة (التواصل الإنساني) عبر الغناء أو التصفيق أو الدعاء، كوسيلةٍ للحفاظ على التوازن وبثّ مشاعر الأمل والتضامن، هذا لم ينفِ أبداً حقيقةَ أنّ هذه الظاهرة مرآةٌ لما يسمى (الكورونوفوبيا)، والتي تشكل عبئاً ثقيلاً على الفرد لارتباطها بالمجهول، حيث لا يوجد يقينٌ بظهور علاجٍ ناجعٍ في القريب العاجل، هذا الأمر سيمدّد دراما الرعب بسبب قاتل متسلسل لا يُرى، وسيغدو الوباءُ وصمةَ عارٍ على جبين العالم الجشع الذي تحكمه أقوى المخلوقات على الإطلاق!.


ووسط هذه الدراما العالمية ظهر جنونٌ من نوعٍ آخر، وهو (جنون اللامبالاة) في بيلاروسيا التي تسلك سلوكاً مغايراً تماماً عن بقية دول القارة العجوز، وبينما تقف أوكرانيا على عتبة فرض حالة الطوارئ، وتغلق روسيا المدارس، وتحظر كل الرحلات الجوية الداخلية والخارجية، فإن مجريات الحياة في هذا البلد تسير على نحو عادي، حيث لا تزال حدودُه مفتوحة، والناس فيه يذهبون إلى أعمالهم بشكل طبيعي، ولم تشهد أوراق المراحيض إقبالاً غير اعتيادي، في الوقت الذي علّق فيه الرئيس (ألكسندر لوكاشنكو) قائلاً: (إنه لا حاجة لكي نتخذ أي تدابير وقائية، وأنّ هذه الأمور واردة، وأهم شيء هو عدم الذعر). القاتلُ 


ورغم التطور الذي وصل إليه العالم المتحضر، فإنّ فيروس كورونا أفقد إلى حدّ بعيد ثقة الشعوب بحكوماتها، بدلاً من أن يردمَ الفجوةَ بينهما بحكم التهديد المشترك، كما حصل في الحالة البريطانية حيث ظهرتْ دعاوى شعبية تتهم الحكومة بالتقصير، وعدم اتخاذ إجراءات مبكرة لوقف انتقال الوباء إلى داخل الدولة، وحالة الرعب هذه صعّدت موجات الشكّ والشائعات، وهذا ما وصفه (هوبز) بحرب الكلّ ضد الكلّ، سببه ارتفاع مستوى الخطورة وزيادة الضغط النفسي، وفي ظل هذا الخوف والارتباك، طالبَ رئيسُ الوزراء البريطاني شعبَه بالاستعداد لفراق بعض الأصدقاء والأقارب، ما عرّضه للانتقاد باعتباره يغذّي مشاعر القلق والخوف، على عكس الخطاب المطلوب في مثل هذه الحالات.


بالمقابل ظهر الرئيسُ الأميركي وبعض الأصوات الداعمة ليقول: (إنّ العلاجَ أسوأ من المرض) في إشارة إلى استعداد البلاد لفقدان كبار السنّ مقابل نجاة الأصغر سناً، وشاع مؤخراً أنّ ولاية آلاباما الأميركية أصدرتْ إرشادات طبية حول كيفية التعامل مع المرضى مما يعانون ( التوحد أو متلازمة داون أو الشلل الدماغي )، بتركهم يواجهون مصيرهم دون رعاية طبية، وجعل الأولوية في العلاج للأصحاء من مبدأ الاصطفاء البشري، الأمر الذي أثار سخط الكثير من الأميركيين. القاتلُ 


وهذا الجنون امتدّ بدوره إلى فرنسا حيث انتشرتْ على صفحات التواصل الاجتماعي قصةٌ مفادها: أنّ ممرضةً فرنسية تعرضتْ للنبذ من قبل جيرانها، قبل أن يطلبوا منها مغادرةَ الحيّ خوفاً من العدوى، كونها على تماسّ مباشر مع المرضى المصابين في المستشفى الذي تعمل فيه، وهناك حادثة أخرى مثيرة للحزن بحقّ، سرّبها طبيبٌ فرنسي اضطر لتناول حبوب مهدئة للاستمرار وسط كلّ هذا الرعب والجنون، حيث أكدّ أنّ رجلاً مصاباً كان على شفير الموت عندما طلب منه رؤيةَ أولاده قبل وفاته، وعندما اتصل بعائلة المريض لينقل لها أمنيةَ الوالد الأخيرة، رفض أفرادُها الحضورَ خوفاً من العدوى.


ومثل هذه الحالات اللإنسانية ورادة جداً عند وجود وباء يبقى أصله وانتشاره غير واضح نسبياً، حيث يتفشى الجنون واللامنطق في الفترات الأولى، بالإضافة إلى تفشّي ظاهرة الشائعات وتبنّي نظرية المؤامرة، ويرى (غوستاف لوبون) في كتابه ( سيكولوجية الجماهير)، أنّ الأفرادَ يقعون تحت التأثير السريع والمفاجئ لتصديق ما يمهد السبيل للأساطير والإشاعات فتنتشر بسهولة فائقة، حيث أنّ هناك روحاً واحدة للجماهير، تخضع لإيعاز قائد يديرها ويسيطر عليها، وهو هنا فيروس كورونا، وهذا طبيعي بحكم الذهنية المشتركة التي تتمتّع بها الجماعة في أوقات اتحادها، فما إنْ ينخرط الواحدُ في المجموع حتى يتغير وينصهر.


وهذا حصل بالفعل عندما أُشيع أنّ فيروس كورونا سلاحٌ بيولوجي اصطناعي من إنتاج صيني، بالمقابل اتهمتْ الصينُ وإيران الولاياتِ المتحدة بإنتاج هذا الفيروس، وقابلتْ الولاياتُ المتحدة الصينَ نفس الاتهام، وهكذا دواليك، وطبعاً دون توفر أيّ أدلة منطقية تبرر سبب الاتهام، وزادتْ وسائلُ التواصل الاجتماعي من تعقيد الوضع، من حيث انتشار الأخبار الكاذبة، ونتيجة هذا الجنون أنْ أُصيبت الكرة الأرضية بالشلل، لتقفلَ البشريةُ بابَ الحياة خلفها، وتدخل غرف الوقاية والحجر المنزلي الطوعي، وهذه سابقة في التاريخ الإنساني الذي لم تتقطّع فيه سبلُ الحياة بهذه الطريقة، ورغم أنّ العولمةَ أسقطتْ الحدود السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية بين الدول، بدوره أخذ الفيروسُ صفةَ العولمة فانتقل من بلد إلى بلد كأنه ينتقل من غرفةٍ إلى أخرى في بيت صغير، محوّلاً العالم إلى مكانٍ كئيب لا تسكنه إلا أشباح الرعب وجنون النهاية، ستبقى آثاره محفورة في جوانب الحياة المختلفة لوقتٍ طويل. القاتلُ 


وبيلاروسيا التي تعيشُ جنونَ اللامبالاة، لم تكن أسوأ حالاً من سوريا، فيما يخصّ طريقة استقبالهما لخطر كورونا المستفحل، سوريا التركيبة المثيرة للعجب بحقّ، في كونها الحدث الأهم الذي يثير لُعاب المحطات الإخبارية والمنظمات الإنسانية والضمير العالمي، بينما تعيش على هامش التفاعل الدولي كأنها ليست المعنية بكلّ هذا، فهي مستنقع الرعب الوحيد الذي يطفو على جثث الأحلام والآمال، والبلد (الغني) الذي احتلّ قائمة الجوع العالمية، وفي ترتيب مؤشر السلام العالمي (2008-2019) جاءت في المرتبة (161) وبعدها مباشرة جاء جنوب السودان فالصومال الذي احتلّ المرتبة الأخيرة.


مع هذا كشفَ الوباءُ العالمي الجديد دواخلَ الذات السورية، التي تتجسد مجدداً في سمة التندّر والفكاهة مما يحصل، وأهم ما قدّم للسوريين أنه وبعد سنوات من الذلّ والإهانة أعطاهم الشعور الذي فقدوه منذ سنوات عشر، أنهم وأخيراً أصبحوا متساوين مع شعوب العالم الآخر، كأنّ الطبيعةَ أنصفتهم أخيراً رغم قسوتها، هذا الشعب الجريح الذي يرسم ضحكةً ساخرة بينما العالم بأجمعه يتقلب على نار الهلع والجنون، ولن يخفى على أحد أنّ النقد الساخر كان بجوهره ردَّ فعلٍ غريزيّ بهدفِ تنفيسِ كلّ القهر الذي يعيشه المواطن السوريّ، بقصد إهانةِ معاناته التي جعلتْ حياتَه منكوبة بشتّى أنواع الأوبئة، بداية بالموت الجماعي المُمنهج ومروراً بالقهر والذلّ والحزن والألم وليس نهاية بالجوع، في الوقت الذي ما زال فيه صوتُ الحرب هو الصوت الأعلى من كل حدثٍ مستجدّ، حتى لو كان قاتلاً بالمعنى الحرفيّ للكلمة. القاتلُ 


لذا لم يأخذ السوريون الوباءَ الطارئ على محمل الجدّ، وما عزّز بروده أنّ الحكومةَ -ومنذ البداية- اتخذت إجراءات خجولة في مواجهة فيروس كورونا، والتكتم على حقيقة انتشاره، ثم لاحقاً ودون مقدمات تقرر تأجيل الدوام في المدارس والجامعات والمعاهد حتى إشعار آخر، ثم فرض حظر جزئي يبدأ من الساعة السادسة مساءً وحتى السادسة صباحاً، ثم شبه كلّي بين المحافظات والأرياف، وهذا لم يغيّر من لا مبالاته شيئاً، حتى بعد انتشار صورٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تمثل الرعب بأوضح صوره، وهي صور لصالاتٍ رياضية مجهزة بأسرّةٍ مفصولة عن بعضها لاستقبال أعداد كبيرة من المصابين المحتملين، أو الإعلانِ عن تحويل بعض المدارس لورشاتٍ لصنع الكمامات، أو أخذِ بيانات العائلات في كل محافظة لتزويدهم بالمساعدات الغذائية إذا ما تمّ تطبيق الحظر الكامل مستقبلاً.


وحالة النكران التي عاشها البلدُ أول الأمر، ليس فقط من قبل شريحةٍ كبيرةٍ من مواطنيه، بل ومن قبل حكومته وأجهزته الإعلامية أيضاً، لم تكنْ لتدوم طويلاً، بعدما اتخذتْ الحكومةُ السورية قراراً بتعليق الزيارات والرحلات مع دول الجوار كالعراق والأردن ولبنان، وتعليق السياحة الدينية لمدة شهر، كما قررتْ إجراء الحجر الصحي الاحترازي لمدة (14) يوماً للقادمين من هذه الدول للتأكد من سلامتهم، وانتشرت بعض الفيديوهات التي تُظهر الواصلين إلى مطار دمشق، والذين يخضعون لفحص طبيّ ظاهري غير دقيق، ليوضع المشكوكُ بأمرهم في مكان متّسخ وقديم، يفتقر لأدنى مقومات النظافة التي من المفترض (بديهياً) توفرها في هكذا أماكن، في الوقت الذي لا تملك فيه الدولةُ السورية أيّ قدرات لوجستية أو منظومة صحية متطورة لتقويض الوباء إذا ما استفحلَ في البلاد. القاتلُ 


ورغم ما أشيع عن وفاةِ عددٍ من المواطنين بالتهابٍ رئوي حادّ مشكوك بأمر صحته!، مع هذا تظهر بلاهةٌ مجتمعية عامة وكأنّ أمرُ الوباء لا يعنيهم، وكالعادة استمرّ السوريون بمواجهةِ مستقبلهم المجهول بكثيرٍ من اللامبالاة والسخرية والضحكات المدويّة كرصاصٍ لا يقتل إلاّ صاحبه، هم الذين شهدوا أشدّ آلات الموت الثقيلة فكيف يصدّقوا وجودَ قاتلٍ لا يُرى حتى؟!، هكذا تآلفوا مع الصديق اللدود الجديد، متمثلين بالشّاة التي لا يؤلمها السلخُ بعد الذبح، يعيشون -وبكل رحابة صدر- حياةً أشبه بالعقاب مقابل ذنب لم يرتكبوه حقيقة، وحتى نزعة الرعب التي اجتاحت العالم مرتْ مرورَ الكرام في يومياتهم، وكأنهم محكومون ليس بالأمل، إنما بتصديق الجملة الشهيرة التي لا تزال محطّ التداول عند كلّ خطر يحيط بهم: (سوريا الله حاميها)، هم السفنُ المنسيّة العائمة على مزاح الموت، يعيشون حفلةَ النهاية الساخرة أمام منافذ الغذاء، حيث يجتمعون بالعشرات للحصول على لقمةِ العيشِ المغمّسة بالدم، غير آبهين بالموت الذي يحوم حولهم كذئبٍ جائع وغاضب. ليفانت


ليفانت - عبير نصر 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!