الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
العلويون ليسوا طائفة هم قومية وشعب
عمار ديوب

لا أعلم إن كان هناك من يشارك السيناريست فؤاد حميرة في تعريفه للطائفة العلوية أعلاه. الفكر في سوريا حتى الآن يقول إنهم طائفة دينية، أو مذهب ديني بأدق المعاني، وُجِد في القرون الوسطى ضمن الصراعات السياسية للحضارة العربية الإسلامية. العلويون في سوريا يُعَرِفون أنفسهم عرباً، ولكن لهم معتقدات دينية خاصة، ويقطنون تاريخياً في أماكن معينة، ولكن، ومنذ الاستقلال- خاصة- اندمجوا بأشكال متعددة في بقية المدن السورية، وهذا حال بقية الجماعات الدينية والمذهبية والقومية وسواها؛ إنه الاندماج المجتمعي في العصر الحديث، وينطبق ذلك على سوريا والعالم.


في سنوات الثورة الشعبية الأولى، كان الاندماج على أكمل وجه، ومع توظيف النظام والمعارضة، ولا سيما الإخوان المسلمون والسلفيون، للطائفية وتشويه الصراع السياسي، عاد المجتمع السوري للخلف. لم تكن عودته دون أرضٍ خصبة، حيث كان النظام قد سيّس المجتمع السوري، طائفياً وعشائرياً وقومياً، وكذلك وفق انقسامات أخرى، مدناً وأرياف في العقود السالفة. الاندماج الذي حققته الثورة من جديد، دمرته المعارضة المكرّسة والنظام؛ فهما يعلمان أنّ تأصيل الاندماج عبر أفكار المواطنة والعدالة الاجتماعية، سيعني تهميشاً لهما، وقد لا تترك لهما ديناميات الثورة مكاناً واسعاً في تمثيل السوريين، ووفقاً لأيّة صيغة سياسية قد تلتقي عليها الأطراف الداخلية أو الخارجية.


في حوارٍ تلفزيوني مع فؤاد حميرة، أراد نقل تجربة "الأمم الديموقراطية" للإدارة الذاتية، إلى جبال العلويين وسواحل سوريا، وكذلك إلى جبل العرب في السويداء، وربما إلى أماكن أخرى؛ بذلك تصبح الإدارة الذاتية مشروع تقسيمٍ، وليست مشروعاً للنهوض بسوريا. حينما تكون البلاد مدمرة إلى هذا الحد، وفيها أزمات متعددة المستويات، وتحتلها عدة دول ولها جيوش على الأرض السورية، لا يصح الكلام عن إدارة ذاتية مستقلة، أو فيدرالية، بل يصبح الكلام عن دولة لا مركزية، أي يكون للمدن حقوق كثيرة، ولكن لا يجوز أن تقتصر على وزارات الخارجية والدفاع والنقد، كما تُعرَف الفدرالية عادة. عكس ذلك يجب أن يكون الاقتصاد مركزياً، فحينما تكون البلاد مدمرة، فإن توزيع الاقتصاد وعوائده يجب أن يكون بعيداً عن الرؤية المناطقية والطائفية والقومية الضيقة. لا يأخذ بهذا التفكير أصحاب الرؤية أعلاه، بل أصحاب الرؤى الوطنية والمواطنية بالتأكيد، حيث ينطلقون من ضرورة انتقال سوريا إلى نظام ديموقراطي، يستند إلى المواطنة وحقوق الإنسان حصراً، والانطلاق من طي كافة أشكال المظلومية، وتخطي آثار القمع والقتل والمظلومية والحرب.


تجربة الإدارة الذاتية لا تشي بأن أفضليتها ذات قيمة حقيقية؛ فهناك اتهامات تلاحقها، وتخصّ مواطنين عرباً وكرداً، ومنذ أن استولى حزب الاتحاد الديمقراطي على مناطق في شمال سوريا، وكذلك تجربة فصائل الجيش "الوطني" التابعة لتركيا، وكذلك تجارب الإسلام السياسي الجهادي في إدلب. تجربة النظام طيلة سبعة عقود، وبالعشرية الأخيرة أيضاً، لا يمكن الوثوق فيها في اعتماد اللامركزية، وتنمية سوريا بأكملها. ليس لأننا لا نثق به في هذه القضية وفي سواها، بل نعتقد أن هذا النظام غير قادرٍ على إنقاذ سوريا، فلا يمكن للنظام السوري أن يملك مشروعاً وطنياً للنهوض.


ما قاله فؤاد حميرة لا يصب في انتقالٍ ديموقراطي لسوريا نحو نظامٍ فدرالي، يحقق لكافة المواطنين ومهما كانت اختلافاتهم الدينية والطائفية والقومية حقوقهم، وهذا ما نظن الرجل يقصده، وتحليلنا لا يقتصر عما قاله من أرض الأمم الديموقراطية الخصبة، المحتلة من قبل الأمريكان، وهذا مما لم يتحدث عنه. المهم أن منظور الفدرالية والإدارات الذاتية، والتي يعتمدها، هو وغيره، كوصفة سياسية سحرية لإنقاذ سوريا، لا تنقذها، والسوريون في أزمات شديدة التأثير، بل تدفع بهم نحو التقسيم والتعفن، وربما الحروب من جديد.


إن أيّ حلٍّ للوضع السوري ينطلق مما أصبح متفقاً عليه، حيث ينطلق من مؤتمر عام لكافة الفعاليات السياسية السورية، أو انتقال ديموقراطي لا تغيب أية جماعات سورية عنه. فؤاد- ولأنّ العلويين مذهب ديني، وكذلك الدروز والإسماعيليون، وليس من وجه حقٍ في إدارةٍ ذاتية لهم، فهم عرب وسوريون- اهتدى إلى قومنة العلويين، وسنجد آخرين يجعلون من الدروز قومية، وهكذا.


هذا منطق بائس ومهزوم وعاجز عن فهم الواقع السوري جيداً. إنه ينطلق من الواقع المأزوم لسوريا حالياً، وقياسه على الإدارة الذاتية رديئاً، فالإدارة، تلاحقها اتهامات بالجملة، ومنها تبعيتها لحزب العمال الكردستاني التركي، بل وهناك الرفض المستمر للاتحاد الديموقراطي لمشاركة أحزاب المجلس الوطني الكردي في إدارة تلك "الذاتية"، وهناك أمثلة كثيرة، تتجه نحو توصيف هذه الإدارة بشكل سلبي.


هناك فكرة ذات معنى، وهي توسيع حقوق أهالي المناطق المحلية، وأن يتمثلوا بالمؤسسات التابعة للدولة، التي يفترض أن تكون هي ذاتها في مختلف المدن والبلدات، وعدا عن إنهاء ملف المظلومية القومية الكردية أو القوميات الأخرى. مشكلتنا الفعلية في سيادة النظام الشمولي ولعقود متعددة، وهذا خيّم على كل سوريا. إن مدخل الإدارات الذاتية لحلّ مشكلات المناطق والبلدات، وطي الانقسامات العمودية، ليس هو الصحيح، وحتى ولو انتقلنا إلى مرحلة جديدة، لا يتحكم فيها النظام الحالي بأوضاع سوريا، كما الآن. هذا المدخل وصفة جديدة لتجدّد الصراعات باسم الهويات المناطقية وسواها؛ الآن يمنع ذلك الجيش الأمريكي والروسي والإيراني والتركي وربما الإسرائيلي، وحينما تترك سوريا هذه الجيوش، قد نشهد صراعات على الهوية أعنف وأشدّ!


ما يؤسس لسوريا المستقبلية، بعض مما ذكرناه أعلاه، وليس من بينها مفهوم الفدرالية، الذي يراه البعض مدخلاً لطي الانقسامات العمودية. سوريا ليست مؤهلة لهكذا أفكار، وتصبح كذلك، حينما يتطور الوعي العام في مختلف مناطق سوريا نحو الوعي المواطني أو الفدرالي.


ليس الاختلاف بين الكرد والعلويين والدروز... هو ما يدفع نحو رفض فكرة الفدرالية أو الإدارات الذاتية المستقلة "القومية والطائفية". الفكرة الخطرة هنا، تكمن في تأسيس سوريا المستقبلية تارة على الاختلاف القومي الكامل أو المذهبي الكامل أو الديني الكامل. إن الإدارات الذاتية، تقوم على أساس المدن والبلدات وضمن جغرافيا البلد بأكمله، وأما إقامتها على أسس قومية أو دينية أو مذهبية، فستكون وصفة جديدة لتجدّد القتال الواسع.


إن مناطق الإدارة الذاتية، قابلة للحروب أكثر من غيرها في المستقبل. النظام أسس فيها لخلافات قومية شديدة، وكذلك الفصائل الإسلامية، والآن الإدارة الذاتية.


عمار ديوب


ليفانت - عمار ديوب 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!