الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
العراق في دوامة التوافقات وغياب الدولة
سعد عبد الله الحامد

لقد أثارت الانتخابات العراقية الأخيرة ونتائجها لغطاً سياسياً كبيراً داخل الشارع السياسي العراقي في الفترة الماضية، خصوصاً من الميليشيات الموالية لإيران، ولا ننسى استهداف منزل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، بطائرة مسيرة، ومحاولة اغتياله بسبب التشكيك بنتائج الانتخابات برغم أنها كانت تحت رعاية أممية وعربية وإقليمية.

إضافة لاحتجاجات المنطقة الخضراء من قبل أحزاب وحركات لم يتم انتخابها، ومعظمها مقرب من فصائل وحركات موالية لطهران، حيث كانت هذه الانتخابات الخامسة منذ سقوط النظام العراقي عام 2003 بفعل الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حازت الكتلة الصدرية بزعامة مقتدى الصدر، على أكبر عدد من الأصوات، ولكنها فشلت في تشكيل حكومة أغلبية لوحدها، حيث إن طبيعة النظام السياسي يرتكز على التوافقات الحزبية.

فمنذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين يتم تقاسم السلطة عرفياً بين مختلف طوائف البلاد في نظام طائفي مماثل للبنان، حيث تعود الرئاسة للأكراد ورئاسة الوزراء للشيعة الذين يمثلون الطائفة الأكبر في البلاد، بينما تعود رئاسة البرلمان إلى السنة، حيث تتمحور الأزمة السياسية في العراق بالخلاف بين مقتدى الصدر الذي يرغب هو وحلفاؤه في إنقاذ العراق، على حدّ تعبيره، والإطار التنسيقي حول تشكيل الحكومة المقبلة وأحقية التوافق على تحقيقها ويرفض الصدر الاشتراك مع قوى الإطار في تشكيل الكتلة النيابية الأكبر والذهاب مع حلفائه من القوى السنية والكردية نحو قبة البرلمان لتسمية مرشحه لرئاسة الوزراء، فيما يدفع الإطار التنسيقي بورقة "الثلث المعطل" لانتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب للضغط على الصدر للرضوخ وتحقيق الاستجابة والتحالف معاً.

مع استمرار هذه الحالة من الانسداد السياسي بين الفرقاء في المشهد السياسي، التيار الصدري والإطار التنسيقي (الذي يمثّل المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران)، يقترب العراق من الخيارات الصعبة والمعقدة التي من بينها حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة، وبحسب المادة 72 من الدستور العراقي الساري، ينتخب البرلمان رئيس الجمهورية خلال مدة أقصاها 30 يوماً، في حين أن مجلس النواب لم ينجح في عقد جلسة للتصويت على المرشحين للمنصب، علاوة على أن هذا التعقيد يساعد الميليشيات في تعزيز سطوتها على البلاد لتواصل تغلغلها في المجتمع مستفيدة من ضعف الدولة.

ويرى العديد من المراقبين أن هذه الحالة من الانغلاق السياسي هي الأقوى منذ 2003 برغم مرور أكثر من خمسة أشهر على إجراء الانتخابات المبكرة، حيث لم تتمكن القوى السياسية من انتخاب رئيس للجمهورية ولا تشكيل حكومة جديدة في ظل وجود مشروعين يتمحوران حول أغلبية وطنية أو حكومة توافقية.

ولعل المسارات المطروحة للحل أمام الكتلتين المتخاصمتين، إما التوافق وتقديم التنازلات والوصول إلى حلول وسطية، أو اللجوء إلى المحكمة الاتحادية لغرض تعديل بعض فقرات الدستور التي من شأنها رفع الثلث المعطل عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لكى تنتهي حالة الفراغ السياسي الحالي الذي يشلّ نظام الحكم في البلاد ويسهم في استمرار وخدمة مصلحة الفاعلين في نظام الفساد من ميليشيات تنهب البلد، إضافة للتدخلات الخارجية في الشأن العراقي من إيران وتركيا والذي قد يتضاعف في ظل عدم وجود سلطة قوية في بغداد.

ولعل الاحتكاكات المستمرة في مناطق عراقية حدودية بين تركيا والعراق بين الحين والآخر، كمثال واضح لذلك، إضافة إلى الخطر الكبير من التنظيمات الإسلامية وخلاياه النائمة وعودتها لأنشطتها الإرهابية كتنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي قد يجد هذا الفراغ بيئة مناسبة له وسط ما يحدث وإعادة تموضعه وسط مناخ انعدام الاستقرار السياسي.

وبالفعل الوضع الحالي يشبه كثيراً وضع العراق في سنة 2014 عندما تطلب الأمر أشهراً طويلة لتشكيل حكومة بعد رفض نوري المالكي حينها التنحي عن منصب رئاسة الوزراء وانعدام الأمن في ذلك الوقت، مما ساعد في توسع انتشار مقاتلي "داعش" في وقت يحاول العراق لملمة جراحه وعودته لتعزيز مكانته إقليمياً، باستضافته قمة عربية، ومن ثم استضافة مؤتمر دولي بالتعاون مع فرنسا شاركت فيه السعودية وإيران في خطوة اعتبرت تعزيزاً لمكانة العراق وعودة دوره الإقليمي كوسيط بين الرياض وطهران بحكم العلاقات المتوترة بين الطرفين، حيث عقدت عدة محادثات أولية ما زالت مستمرة بين السعودية وإيران برعاية عراقية لمحاولة إيجاد نقاط التقاء بين الأطراف في قضايا المنطقة العالقة.

وهناك مخاوف من أن تؤدي حالة الانسداد السياسي إلى تعطل الحياة السياسية لفترة أطول، وقد تؤدي إلى صدام مباشر ومواجه في الشارع بين تلك الكتل بشكل يؤثر على مستقبل واستقرار الحياة السياسية في العراق.

باعتقادي ما سيحصل في العراق قد يكون نموذجاً ملهماً للحل في دول مجاورة، كلبنان مثلاً، فهل صوت العقل سيغلب منطق المواجهة في غياب التوافقات وغياب الدولة؟

 

ليفانت - سعد عبد الله الحامد

.

     

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!