الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الصراع الإسرائيلي الإيراني في الأرض السورية مستمرّ
ماهر إسماعيل

حسم التدخل الروسي في (أيلول/ سبتمبر) من العام 2015، قضية دعم النظام السوري وتثبيته في سدّة السلطة السورية، رغم أنّ الحكومة الروسيّة كانت قبل ذلك التاريخ تقدم له المساعدات العسكرية، حيث كانت الطائرات الروسية تضرب مواقع ومعاقل الفصائل المسلحة، لمساعدة نظام الأسد باستعادة السيطرة على أجزاء من غرب سوريا، وتمكينه من الدفاع عن حاضنته الشعبية في المناطق الساحلية.

نفذت روسيا إجراءات التدخل بالتنسيق مع القوات البرية لنظام الأسد والحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، بالإضافة إلى الفصائل الموالية لإيران في إطار تحالف دولي، وكانت تعمل بالتوازي مع قوات التحالف التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الدولة الإسلامية، وبالتنسيق بالحد الأدنى مع (الولايات المتحدة الأمريكية، إسرائيل، والأردن).

عمل التحالف الروسي الإيراني على إنهاء مناطق خفض التصعيد الذي فرضه مسار أستانا، بحيث أعاد سيطرة النظام وداعميه على هذه المناطق، منطقة تلو الأخرى، وكان آخرها مناطق سيطرة المعارضة في محافظة القنيطرة والجنوب السوري في درعا، حيث جرى اتفاق (روسي- إسرائيلي) على إعادة جيش النظام السوري إلى الحدود الدولية المثبتة منذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى بين النظام وإسرائيل في العام 1974.

وأبعدت الفصائل العسكرية المسلحة من الحدود السورية الإسرائيلية إلى الشمال السوري بمحافظة إدلب. وبهذا أكّدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على دعمها لبقاء نظام الأسد على مبدأ "الشيطان الذي نعرفه، أي بقاء نظام الأسد (حتى لو كان أضعف مما كان عليه من قبل) أفضل من استيلاء الفصائل المسلحة الجهادية على سوريا".

لكن ذلك فرض على الكيان الصهيوني اتباع سياسية عسكرية تجاه إيران وحلفائها، كان يتبعها مع حزب الله اللبناني قبل الثورة السورية في آذار 2011، وهي ضرب وتحطيم كل القواعد العسكرية القريبة لها في الجولان السوري والمناطق الجنوبية في سوريا. إذ أعلن وزير (الدفاع) الإسرائيلي موشيه يعالون، في (أيلول/ سبتمبر) من العام 2013، أن إسرائيل قررت عدم التدخل في الحرب الأهلية السورية إلا في حال وقوع ضرر على مصالحها أو ظهور تهديدات ملموسة، مثل نقل أسلحة كيماوية لحزب الله أو امتداد الصراع إلى داخل إسرائيل ذاتها.

وعمّق هذا الفهم بمقابلة في (حزيران/ يونيو) من العام ،2015 من خلال ثلاثة خطوط حمراء، إذ اعتبرت أنه من المرجح وجود تدخل إسرائيلي، أولاً: نقل أسلحة متطورة إلى جماعة إرهابية، سواء عن طريق إيران أو سوريا. ثانياً: نقل مواد أو أسلحة كيميائية إلى أي جماعة إرهابية. ثالثاً: انتهاك السيادة الإسرائيلية لاسيما في مرتفعات الجولان. وقد نفذت منذ تاريخ الإعلان حتى نيسان العام 2016، أكثر من خمس عشرة ضربة عسكرية.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، السابق، أنّ إسرائيل هاجمت نقاطاً في سوريا، لرد "عشرات شحنات الأسلحة التي كانت في طريقها إلى حزب الله في لبنان.

وكانت إسرائيل قد غضّت البصر عن عبور خطوط فكّ الاشتباك التي رسمت في اتفاقيات (أيار/ مايو) 1974، كمنطقة عازلة، على الرغم من أنّ إسرائيل اختارت أن تمتنع عن التدخل في مرتفعات الجولان السوري في (أيلول/ سبتمبر) من العام 2014، لم تعترض القوات الإسرائيلية طائرة حربية سورية من نوع سوخوي إلا بعد أن دخلت المجال الجوي الإسرائيلي".

وبعد التدخل الروسي طورت إسرائيل الخطوط الحمراء، من خلال زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نتنياهو، وحافظ رئيس الوزراء الحالي، نفتالي بنيت، على اتفاقيات نتنياهو مع الرئيس الروسي بوتين عند زيارته لموسكو في (22 تشرين الأول/ أكتوبر 2021)، لذلك استمرّت الضربات الإسرائيلية إلى المواقع والمقار الإيرانية على الأرض السورية، وكان آخرها ما أعلن عنه نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في قاعدة حميميم، اللواء البحري فاديم كوليت، في تصريحات نقلتها صحيفة "الشرق الأوسط"، أن "4 مقاتلات من نوع (أف-16) إسرائيلية في (16 كانون الأول/ ديسمبر)، وثمانية صواريخ مجنّحة من أجواء الجولان على مواقع في محيط مطار دمشق الدولي"، وأضاف أن "قوات الدفاع الجوي السوري أسقطت 7 صواريخ بواسطة أنظمة (بانتسيراس) الروسية الصنع".

وكان قد نشر موقع إيلاف عن موقع "واللا" العبري الاستخباري الإسرائيلي، عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين، أن الجيش الإسرائيلي "تمكن من تحقيق أهداف متقدمة في مسيرة ردع إيران وأذرعها في سوريا، من خلال الغارات المتواصلة على الأهداف في الميدان السوري".

وقد نسب الموقع إلى ضابط من الأمن الإسرائيلي قوله: "إن المقاتلات الإسرائيلية أغارت على (75 بالمئة) من مواقع الأسلحة الإيرانية في سوريا ودمرتها"، وفي ليلة الاثنين 6/12/2021، استهدفت في ميناء اللاذقية السوري أسلحة مرسلة إلى عناصر موالية لإيران في سوريا، وإلى حزب الله في لبنان".

وجاء هذا الاستهداف لميناء اللاذقية لأول مرة في تاريخ الغارات الإسرائيلية. ووصفت صحيفة "حيروز اليم بوست" الإسرائيلية استهداف ميناء اللاذقية بقولها: "إن هذه الغارة تشكل تحولاً جذرياً في لعبة الغارات المستمرة، خصوصاً أنها ترافقت مع تفعيل الدفاعات الجوية السورية في المنطقة، وهو أمر نادر الحصول".

وتجاوزت إسرائيل الغارات واستهداف المواقع الإيرانية في هجوم بشهر (تشرين الثاني/ يناير) من العام 2015، بالقنيطرة، أسفر عن مقتل واحد من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني، العقيد علي رضا الطباطبائي، وجهاد مغنية، الذي كان مسؤولاً عن عمليات حزب الله في مرتفعات الجولان السورية، وعملية اغتيال خاصة دمرت فيها بناء في بلدة جرمانا في (كانون الأول/ ديسمبر) من العام 2015، واستهدفت سمير القنطار الذي كان مسؤولاً لمحافظة القنيطرة في حزب الله اللبناني.

وهذا يؤكد ما ذهب إليه وزير "الدفاع" الإسرائيلي يعلون في (شباط/ فبراير) من العام 2016، أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تعترفا بالاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، وبأنّ إسرائيل تمتلك كامل الحرية في عملها عندما تكون في خطر.

إن ما عملت إسرائيل من خلال الخطوط الحمراء أو ضمت من قبل أطراف ثالثة مثل الدول الراعية أو أطراف من الجهات الإيجابية، حيث إنه يمكن لإسرائيل من خلال الولايات المتحدة الاستفادة من علاقة واشنطن مع الدوحة والرياض لتعزيز التعاون الإقليمي في سوريا للحدّ من الجهات الفاعلة التي تنتمي إلى المحور الموالي للشيعة.

إن الصراع الإسرائيلي - الإيراني على الأرض السورية لا يتّخذ شكل الحرب التقليدية بين الطرفين، وإنما تقوم إسرائيل بضرب المواقع والمخازن الإيرانية لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا بعد تدخلها العسكري لمنع سقوط الأسد، فالتصعيد الإسرائيلي مدروس بشكل دقيق وعسكري حسب بنك الأهداف الإسرائيلية للوجود الإيراني، لكن هذا التصعيد غير قادر على إنجاز مهمة إخراج الإيرانيين والقوات الموالية لهم من سوريا، واستمرار هذا الوجود يعقد من عملية استقرار النظام السوري بعد تثبت السيطرة والهيمنة الحالية على الأراضي السورية الموزعة ما بين مناطق سيطرة النظام والاحتلال التركي، ومناطق الإدارة الذاتية مع الوجود الأمريكي، بالإضافة إلى الاحتلال الصهيوني لمرتفعات الجولان.

فهل يستحق هذا الوجود الإيراني حرباً إسرائيلية برية عليه أم أن عملية الضغوط الدولية من خلال التفاوض على برنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى مسألة التدخل الإيراني في القضية السورية تكون تحت مجهر هذا التفاوض الذي يمكن أن يساعد على إخراج القوات الإيرانية وحلفائها من الأراضي السورية؟

رغم كل ذلك توعد وزير خارجية الكيان الإسرائيلي، يائير لابيد، الإيرانيين بعدم الاكتفاء بالجلوس وانتظار "الإرهاب الإيراني الموجه ضد الإسرائيليين".

أخيراً.. يبدو أنّ النظام السوري وإسرائيل يتشاطران معركة مفتوحة بسبب الوجود الإيراني على الأرض السورية رغم ثقة الإسرائيليين بأن النظام السوري أصبح في وضعية غير قادرة على فتح معركة مع "إسرائيل" تحت أي اعتداء كان بسبب الانهيار الحاصل في شكل وبنية الجيش السوري الموزّع في صيغة مليشاوية لا تمت لأي حرب نظامية تقليدية مستقبلية.

ليفانت - ماهر إسماعيل

     

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!