الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الديمقراطية التشاركية، وكلام الحارات
مها حسن

لايكاد يمضي يوم دون اجتماع أو فعالية تقيمها الأحزاب المرشّحة للانتخابات البلدية هذه الأيام، حيث يكون يوم الرابع عشر من آذار، هو موعد الدورة الأولى. الديمقراطية التشاركية


من ضمن تلك النشاطات، ثمة ما يُدعى ب" كلام الحارات"، وأعترف أنني في البداية، لم آخذ هذه الفعالية على محمل الجد، لكنني كنت أنضم، من وقت لآخر، إلى الفريق المرشّح، الذي يضم أصدقاء لي من الأحزاب المعارضة، وكنت أفعل كنوع من التضامن والدعم.




كان صديقي المرشح على لائحة الانتخابات البلدية، كممثّل عن الحزب الشيوعي، يمسك بدفاتر ملاحظاته، ويُصغي لانتقادات الأهالي وتذمّرهم وتعبيرهم عن احتجاجهم وتضايقهم من عدة أشياء. لم أكن أتخيل مصير تلك الملاحظات التي يدوّنها صديقي.




تحت المطر، في البرد، في صباحات السبت الباكرة، وبينما يستمتع أغلبية الناس بالنوم والدفء، يخرج فريق المرشحين، ضمن عدة جولات مبرمجة مسبقاً، ليدورون على الأحياء، وينظّمون لقاءات في الهواء الطلق، أكرر رغم سوء الطقس، ويشربون القهوة الساخنة، وأحياناً بعض المعجنات لتمنح المجتمعين الطاقة والحيوية، وتصنع بعض الطقوس الحميمية. الديمقراطية التشاركية




اصطحبني صديقي، الذي تبع بدوره أحد سكان الحي الذي أسكن فيه، ليّشهده على "كوارث" ما يحصل في الليل : في حديقة مخصصة للأطفال، قبالة بيت هذا الجار، ثمة زجاجات مكسورة ومرمية، ثمة أشجار مهملة، وهناك فجوات في الطريق الإسفلتي المحيط بالحديقة، قد يتسبب في تعثر و سقوط المارة، إذا عاد أحدهم ليلاً، وتعذّرت رؤية الحفر في الإسفلت..


بعد قرابة الشهر، أو أكثر، ذهبت إلى الاجتماع الشامل، الذي حضرت بعضاً من مشاهده الواردة أعلاه، لأكتشف وجود ممثلين وناطقين عن جميع الأحياء، قاموا بترتيب طلباتهم من البلدية القادمة، وتم رصد جميع تلك اللوائح المجمّعة ، وبثّها على شاشة ضوئية، ليتشارك بها جميع سكان المدينة.


في الحقيقة، لم أتمكن من كتم دهشتي، وإحساسي بالسعادة، لأن كل تلك اللقاءات والحوارات، جُمِّعَت، لتصنع هذا اللقاء الكبير، وتفتح نقاشاً بين الأهالي، الذين لا يعرف الكثير منهم الآخرين..


نساء شابات، مسنّات، شباب في العشرينيات، رجال كبار، موظفون، نقابيون، فرنسيون من أصول أجنبية، مواطنون بألوان مختلفة، شاركنا جميعاً في ذلك الاجتماع الموسّع، لنعبّر عن مطالبنا، لتحسين حياتنا اليومية، وحياة الأطفال والمسنين، على مستوى الصحة والمواصلات والأمان والخدمات العامة..


 


الديمقراطية التشاركية، هي التي ولّدت هذا النوع من السجال الودّي والحراك النابذ للطاقة السلبية، ليشعر كل منا، بأنه مواطن له كلمته، وحق التعبير عن رغباته، الذي يتحول إلى مشاريع يمكن تنفيذها.. الديمقراطية التشاركية


كسوريّة، لم يغب عن بالي لحظة أمر المقارنات.. كنت جالسة في تلك القاعة الكبيرة، أتأمل طريقة النقاش البعيدة عن أي نرجسية أو أنانية أو شخصانية، لتصبّ أغلب الطلبات، وربما جميعها،  في خانة الشأن العام: شأن الآخرين، لا شأن المتحدث.


 


من هنا تكسب هذه النقاشات والطلبات مصداقيتها وشرعيتها الإنسانية، من دفاعها عن حقوق الآخرين، مثلاً، يطالب شخص يسير على قدميه، بتخصيص أرصفة وممرات للمُقعدين، وتطالب امرأة تقود سيارتها، بتخصيص حافلة مجانية ليوم العطلة، لنقل المواطنين الذين لا يملكون رخص القيادة، حيث تتوقف وسائل المواصلات في هذه المدينة، في يوم الأحد.




تلى الإجتماع حفل كوكتيل صغير، لتبادل الأحاديث وتعميق الحوارات. غادرت الصالة وأنا أحلم بسوريا القادمة، حيث الديمقرطية التشاركية، حيث حوارات دون تشنج، دون شتائم، دون تخوين، حوارات ومطالبات تهدف لخدمة الشأن العام، وليس بهدف الظهور الشخصي وتلميع " الإيغو" لدى مواطنين لم يختبروا بعد معنى المواطنة، ولم يجربوا طعم الحماية والأمان الذي تمنحهما هذه المفردات، كالمواطنة، والديمقراطية، والديمقراطية التشاركية.




ليفانت - مها حسن

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!