الوضع المظلم
الثلاثاء ٢٣ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
  • “الخلايا النائمة” و”القضم على مراحل”.. الاستراتيجيّة التركيّة لإنهاء “الإدارة الذاتية”

“الخلايا النائمة” و”القضم على مراحل”.. الاستراتيجيّة التركيّة لإنهاء “الإدارة الذاتية”
الإدارة الذاتية


خاص ليفانت



إعداد وتحرير: أحمد قطمة


تواصل تركيا عقب شهور من إنهاء هجومها على مناطق شمال سوريا المسمّى بـ”نبع السلام”، وتمكّنها من الاستيلاء على قطاع واسع من الأراضي السورية الواصلة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، محاولتها للقضاء على الإدارة الذاتية في شمال سوريا، رغم حالة الهدوء التي تبدو عليها المنطقة في ظلّ التهاء جميع الأطراف بانتشار فيروس كورونا، والذي أثبت بصورة ما أنّ كفّ بلاء تركيا عن مكونات الشعب السوري كفيل بإنهاء الحرب، بل ويشير بوضوح أنّ الصراع في سوريا لم يكُ ليأخذ منحى الحرب الطائفية ومن ثم الإثنيّة، لولا تمويل وتجييش أنقرة لمسلحيها السوريين على باقي المكونات الطائفية والعرقية السورية، والتي بدونها لربما استحوذ السوريون قبل سنوات على نظام جديد، أساسه ما طالب به المتظاهرون في أولى أشهر الحراك الشعبي العام 2011.


وفي الإطار، تواصل أنقرة مساعيها لتجنيد لخلايا النائمة التي ستكون عمادها كما كانت سابقة في أي هجوم على مناطق “قوّات سوريا الديمقراطية”، من خلال إمداد المسلحين التابعين لأنقرة بإحدثيات المقاتلين ضمن قسد، أو اغتيالهم، أو المشاركة في ضرب خطوط الدفاع لقسد في أيّ هجمات قد تحصل لاحقاً، فيما تسعى قسد من جانبها لملاحقة تلك الخلايا، حيث قالت “وحدات مكافحة الإرهاب” التابعة لـ “مجلس منبج العسكري”، في العشرين من أبريل، إنّها ألقت القبض على خليّة تابعة للاستخبارات التركية تعمل على تهريب الأسلحة من المناطق الخاضعة لمسلحي مليشيات “الجيش الوطني السوري” إلى مناطق “الإدارة الذاتية”، وإيصالها للخلايا في المنطقة.


الغاية تبرّر الوسيلة لأنقرة


وعلى اعتبارها ترى في الكُرد الخطر الأول على كيانها الناشئ بموجب اتفاقيّة لوزان 1923، تُبرّر أنقرة لذاتها التعاون مع مختلف التنظيمات الإرهابية في سبيل القضاء على تجربة الكُرد السوريين وشركائهم في قسد، بغية منعهم من ترسيخ تجربتهم الإدارية بشكل دستوري في مستقبل البلاد، وهي تعدّ نقطة تلاقي مع النظام السوري، الرافض لأي تقاسم للسلطة مع المكونات السورية المختلفة، حيث تصرّ دمشق على إعادة جميع المناطق السورية إلى سيطرتها، لكن الخلاف بين دمشق وأنقرة يمكن في أي المناطق التي يجب أن تخضع أولاً، مع إصرار النظام على إخضاع إدلب أولاً، وإصرار أنقرة على إخضاع شرق الفرات أولاً، وهيمنة حالة اللاثقة بين الجانبين، فيما تجد موسكو نفسها الميران المعادل للقوى على الأرض، حيث نجحت سابقاً في تسليم عفرين لتركيا، مقابل تسليم أنقرة لأرياف دمشق وحمص وجزء من ريف إدلب، في صفقة ثانية عقب أولى تمّ بموجبها تسليم حلب الشرقية للنظام مقابل تسليم الباب لتركيا.


 


ولأنّ الغاية تبرّر الوسيلة بالنسبة إلى أنقرة، فالتعاون مع داعش والذي لا يعدّ جديداً، ممكن مجدداً، حيث نقل موقع “جسر” السوري المعارض، خبراً عن اجتماع ضم عدداً من القياديين السابقين في تنظيم داعش، ﻷول مرة منذ قرابة الخمس سنوات، في مدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي يوم الخميس 26 آذار/مارس 2020، إذ قال الموقع، نقلاً عن مصادره: “إنّ الاجتماع السرّي عُقد في حي اﻹسكان في منزل المدعو إسماعيل العيدو، وضمّ عدداً من القياديين الذين سبق وأن لعبوا أدواراً مهمة في تمدد التنظيم في محافظة الرقة، وعموم أرجاء شمال وشرق سوريا، ومنهم؛ اﻹعلامي خالد العقال أحد مؤسسي وكالة “أعماق”، وقريبه فاضل شقيق فايز العقال والي الرقة إبان سيطرة التنظيم، واﻷمني في كتيبة التماسيح مهند الكجل”.


وأوضح الموقع، أنّه وإثر وصول قوات “غرفة عمليات بركان الفرات”، المكونة من “لواء ثوار الرقة” و”وحدات حماية الشعب”، والمدعومة من التحالف الدولي لمحاربة داعش إلى تل أبيض، فرّ العيدو، إسوة بغيره من عناصر التنظيم، إلى الرقة ومنها إلى تركيا؛ لتعتقله مخابرات التركية فور وصوله، حيث بقي في السجن بضعة أشهر قبل أن يُفرج عنه لقاء مهام نفّذها لصالح اﻷخيرة، مشيراً أنّ أوائل المهام التي خطط لها العيدو ونفّذها (وفق النشطاء) كانت عملية اغتيال السياسي الكُردي عمر علوش، التي اعتقل على أثرها عدد من أفراد أسرته من قبل قسد، ولا زالوا يقبعون في سجون استخباراتها، لكن العيدو  أصبح على إثرها أحد أهم أذرع المخابرات التركية في المنطقة، حيث عاود نشاطه فيها بعد عملية “نبع السلام”، منوّهاً إلى المجتمعين ينتهزون الفرصة الحالية في استيلاء تركيا على المنطقة، داعين لتشكيل فصيل محلي من أبناء ريف الرقة الشمالي.


ما الذي تسعى له أنقرة من دعم المتطرّفين


سؤال حاول موقع المونيتور الأمريكي الإجابة عنه في تقرير له في السادس من أبريل، حيث استنتج أنّ الكُرد السوريون ينظرون بعين القلق للخطط التركية والتي تمتد إلى أبعد بكثير من الاستحواذ على حقول النفط في منطقتهم، إلى القضاء تماماً على المنطقة التي تُدار ذاتياً، حيث نقل الموقع عن “آمد سيدو” وهو يشرف على الاتصال بين قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي ضدّ تنظيم “داعش” الإرهابي، قوله: “إنّ أنقرة تخطّط للسيطرة على مزيد من المناطق التي حرّرتها قوات سوريا الديمقراطية من داعش”، مضيفاً: “يتّضح ذلك من خلال قصف تركيا المستمرّ لريف تل أبيض ومنبج وعين عيسى وتل تمر ومناطق أخرى”.


 


وأشار التقرير إلى التفاهمات التي سعت إليها “الإدارة الذاتية” مع دمشق تحت رعاية روسيا، حيث قالت الكاتبة والصحفية نالين بوتان للمونيتور: “إنّ المبادرة ليست جديدة، لكن الكرد لا يثقون بالجانب الروسي أو النظام السوري، كما أنّ روسيا اقترحت مبادرات مماثلة في الماضي، ففي يومي 3 و4 شباط/ فبراير، التقى وفد من الإدارة الذاتيّة مع وزيرَي الدفاع والخارجية الروس في قاعدة حميميم الجويّة في اللاذقية”.


أما صحيفة العرب، فرأت في تقرير لها في الثالث والعشرين من أبريل، أنّ تركيا تستلهم التجربة الإسرائيلية من خلال التصدّي للطموحات الكُردية في إقامة إقليم حكم ذاتي، وذلك باعتماد سياسة عسكرية مدروسة تقوم على تقطيع أوصال المناطق الكُردية في شمال سوريا وتحويلها إلى شبه جزر معزولة، ولمّح التقرير إلى ما ترصده “قوّات سوريا الديمقراطية” في هذا الصدد من تحرّكات مريبة للقوّات التركية والموالين لها في شمال شرق سوريا، وسط قلق متزايد من إمكانية استغلال أنقرة انشغال المجتمع الدولي بأزمة تفشّي فايروس كورونا والقيام بعملية عسكرية جديدة تستهدفها.


 


ولفت التقرير إلى رؤية بعض المحللين لكون أنّ تركيا لن تستكين ما لم تنهِ أي إمكانية لقيام حكم ذاتي كُردي، وأنّ أنقرة تستلهم تلك الخطّة من إسرائيل التي سعت عبر تشييد المئات من المستوطنات إلى تحويل الأراضي الفلسطينية لاسيما في الضفة الغربية إلى كانتونات، الأمر الذي يستحيل معه على الفلسطينيين تشييد دولتهم المستقبلية، ولمحت “العرب” إلى أن الكُرد السورييون لا يستبعدون أن تمنح موسكو ضوءا أخضر لتركيا خاصة وأن المتابعين يرصدون تغيّراً في السياسات الروسية في سوريا، ومن ذلك ما برز في الآونة الأخيرة من مؤشرات على إمكانية التخلّي عن رأس النظام السوري ذاته.


وعليه، يبدو أنّ مناطق شمال وشرق سوريا لن تُهنى إلا بسلام مُؤقت، إن كان تحت مسمّى مُحاربة كورونا أو غيرها من المُبررات، لكنها ستبقى مؤهلة دائماً لمواكبة هجمات جديدة من قبل أنقرة ومليشياتها السورية، وليس ذلك بغريبٍ على من يُغزو على بعد آلاف الكيلومترات في ليبيا وربما غيرها، سعياً لعثمانية جديدة لم يعد متزعموها يتوانون عن الإفصاح بولاء لها.

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!