الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
الحوار السوري – السوري بين جنيف والداخل
باسل كويفي

نحن مجموعة تنتمي إلى مدرسة الحوار للخلاص، نواة فكرنا تتمحور حول حّلِ مشاكلنا وليس عبر التصادم أو الحرب أو الاستقواء بالآخرين.

يُعد الحوار من أهم أدوات التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي التي تتطلبها الحياة في المجتمع المعاصر، ويحرر الإنسان من الانغلاق والانعزالية وعدم الوعي، كما أنه طريقة للتفكير الجماعي والنقد الفكري الذي يؤدي إلى توليد الأفكار الكاسرة للجمود، ويكتسب أهميته من كونه وسيلة للتآلف والتعاون بدلاً عن التعسف وسوء الفهم والتقوقع ويساهم في بناء الثقة.

نحن سوريون، فريق واحد، ولسنا فرقاء أو فريقين، نخب متعددة الأفكار متنوعة الاختصاصات من عُشّاق الأرض، هدفنا الأوحد الحفاظ على سوريا الدولة (الجغرافيا والشعب والمؤسسات) ملقين بالخلافات السياسية وراء ظهورنا حتى مرحلة تمكين الدولة.

ندرك ونؤكد أن الدستور هو القانون الأساسي الأعلى الناظم للقواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة، يحدد السلطات العامة فيها، ويرسم وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها.

وبناءً على ذلك، فقد تميَّز الدستور بطبيعة خاصة تُضفي عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها.

ولذلك نعتقد أن بناء العقد الاجتماعي السوري الجديد هو من صُلب اهتمامنا لمعرفتنا بأن مناطق الصراع والنزاع في كل أرجاء العالم ، لم تنعم بالاستقرار والسلام إلا بعد إعادة بناء عقد اجتماعي متوازن جديد  من أولوياته الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأطر القانونية المحددة له، لتحقيق دولة المواطنة والمساواة وسيادة القانون والتوزيع العادل للثروة في إطار اللامركزية الإدارية الضامنة للحقوق والحريات والحماية الاجتماعية وفق قانون انتخاب عصري وشفاف يحقق الديمقراطية عبر مشاركة أوسع للأفراد والمجتمع المدني، بما يعزز السلام والأمن المجتمعي الرافعة الحقيقية للسيادة الوطنية.

إنه من غير المقبول استمرار المجتمع الدولي في إدارة الملف السوري دون مشاركة الشعب السوري صاحب المصلحة الأساسية في إنهاء الصراع المباشر وبالوكالة على أرضه، ومن خلال مقاربات هشّة لا ترقى إلى معاناة أهلنا في الداخل والمخيمات ومناطق النزوح وفي المناطق الخاضعة لسيطرة القوى غير الشرعية، وإلى معاناة آلاف المختطفين والمختفين قسراً، الذين يعانون من ظروف استثنائية ويعيشون موتاً مستمراً، وملايين المهجّرين واللاجئين، الذين يجب أن يوضع حد لمعاناتهم تضمن عودتهم الآمنة والكريمة إلى وطنهم وبيوتهم، عبر الدفع بمسار إعادة البناء والإعمار وتقديم كل احتياجات البنية التحتية والمعيشية لتدوير الإنتاج، بدلاً عن تقديم المساعدات الإنسانية المسيّسة والتي تستثمرها الدول المضيفة التي لا تثمر ولا تغني عن جوع.

الواقعية السياسية والوطنية الحقيقية في سوريا تقتضي تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي حصل على إجماع دولي وموافقة حكومية، وذلك عبر تطبيقه بنكهة وطعم سوري - سوري، وفق الأولويات الداخلية وتقاطعات المصالح الإقليمية والدولية للخروج من الانسداد السياسي والعقوبات التي أدّت إلى انهيار الأمن الغذائي والمعيشي.

في تسريب حديث عن اجتماع ممثلين من الائتلاف وهيئة التفاوض في تركيا مع ممثلي وزارة الخارجية وجهاز المخابرات التركية، الأسبوع الماضي، لمناقشة وبحث اجتماع الدوحة، المزمع عقده أوائل هذا الشهر، ومآلات اللجنة الدستورية، فقد حسم مسؤول الملف السوري في الخارجية التركية الموضوع لقبول الفكرة والسكوت عنها، مؤكداً أنه لن يكون هناك أي منتج باتجاه تهديد الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية من خلال تشكيل جسم جديد، إضافة إلى عدم المساس بالخط السياسي للائتلاف ومسارات أستانا وسوتشي واللجنة الدستورية وإدارة المناطق، مشيراً على المعارضة بالاستمرار في اللجنة الدستورية، فهي الخيار الوحيد الموجود حتى لو كانت نتائجها متواضعة، باعتبار أن اللجنة نتاج الجهود المشتركة مع الضامنين في أستانا، وأن اللجنة الدستورية ستستمر رغم أنّ العمل فيها صعب والطريق طويل، على حد تعبيره.

في هذا السياق، أكّد المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، آخر الشهر الماضي، أن «لا خلافات استراتيجية» بين أميركا وروسيا في سوريا، وأنه حصل على «دعم صلب» من مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، للمضي قدماً في مقاربته الجديدة «خطوة مقابل خطوة» بين الأطراف المعنية، لـ«تحديد خطوات تدريجية، ومتبادلة، وواقعية، ومحددة بدقة، وقابلة للتحقق منها، تُطبق بالتوازي» بين الأطراف المعنية بالأزمة السورية وصولاً إلى تطبيق القرار الدولي 2254. وأضاف بيدرسون، أن ممثلي روسيا وأميركا أبلغوه أنهم «مستعدون للانخراط» في هذه المقاربة، لافتاً إلى وجود «جمود استراتيجي استمر لنحو سنتين، حيث لم تتغير الخطوط» في سوريا. وزاد: «الأطراف الأساسية، أبلغوني أن مرحلة العمليات العسكرية انتهت، وأن لا طرف سيحتكر الخاتمة. وهناك شعور بضرورة اختبار شيء جديد». ووافق على القول، إن أميركا تخلت عن سياسة «تغيير النظام» وتسعى إلى «تغيير سلوك النظام».

من جهة أخرى، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: "إن أحداث الحسكة الأخيرة قدمت تذكيراً صارخاً بأنه بعد ثلاث سنوات من انهيار ما يسمى خلافة "داعش" ما تزال قدرة التنظيم على خلق العنف والفوضى مستمرة".

وأضافت الصحيفة في تقرير، أن تنظيم "داعش"، ليس قوياً كما كان في السابق، لكن الخبراء يقولون إنه بمرور الوقت سيتوسع مع توفر الظروف الملائمة لذلك في البلدان غير المستقرة التي ينشط بها.

أضافت بعض التحليلات أن "عوامل أخرى ساهمت في استمرار تنظيم داعش، ومنها أن قوات سوريا الديمقراطية كانت تجد صعوبة في كسب ثقة السكان المحليين في المناطق ذات الغالبية العربية الساحقة".

قد تُمهد المتغيرات الدولية والإقليمية لسياسات جديدة سوف تشهدها المنطقة والعالم، علينا البحث عن بناء السلام، محلياً وإقليمياً ودولياً، مع معالجة الأسباب الرئيسة الكامنة وراء النزاع وبناء قدرة الناس على حل النزاعات سلمياً، ونعيد ونؤكد أن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام المستدام في منطقتنا، هو تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وعلى الأخصّ القرار رقم 242، وكل القرارات الدولية ذات الصلة، التي من شأنها إعادة جميع الأراضي العربية المحتلة وضمان حق العودة للفلسطينيين إلى دولتهم القدس عاصمتها.

أعتقد أنه يتوجب علينا مناهضة خطاب الكراهية والعنف عبر المنصات الإعلامية (المحلية والإقليمية والدولية) كتوجه إنساني، مع الإشارة إلى دور الفنون والمثقفين في ذلك، فالأوطان أم لكل أبنائها، وهذه ثقافة يجب غرسها في مجتمعاتنا ونظامنا التعليمي والتربوي والثقافي.

إن دور الإعلام في هذا الجانب بالغ الأهمية، والإعلام السوري، تحديداً، هنا مدعو للانفتاح على كل الرؤى والأفكار على اختلافها ما دام هدفها اجتراح حلول تخدم الوطن السوري بكل مكوناته، من خلال جعل العقلاء والحكماء من الشخصيات الوطنية المشهود لها بالصدقية والكفاءة والنزاهة والتوازن يتصدرون منابره ومنصاته كافة.

إن صفحات التاريخ تحملنا على التفكير بأنه عندما ينتصر الفكر العقلاني والحكمة والشجاعة في اتخاذ الموقف السليم، يمكن تجنب الحروب والنزاعات حتى في أكثر المواقف توتراً عبر سياسات مرنة تحقق الأمن والسلام بدلاً من الفوضى والدمار.

علينا أيضاً أن نلاحظ أمرين هامين آخرين، أولهما يتعلق بأن مبادرات إعادة البناء ومحاولاته تتم في أغلبها بنبرة وإدارة محلية (وطنية) دون التنبه إلى أهمية التكامل العربي (أو الإقليمي) الذي يمكن أن يدعم عملية التنمية الوطنية، وثانيهما أنه بالنسبة إلى التحديات الجديدة التي تشغلنا في هذه السنوات والعقود القادمة، (الأوبئة - المناخ - التنمية…) لم تبادر الدول والمؤسسات العربية المعنية في خطط وتنسيق متكامل يشكل خطة إقليمية للتعامل مع التغيرات المناخية والمتغيرات الأخرى التي تصيب بلادنا إصابات مباشرة.

تجارب التنمية والنهوض و"الإنجاز الاقتصادي" في تاريخ الأمم، تبين أن نتائجها تنعكس تدريجياً على توسيع وتعميق دور الطبقة الوسطى داخل المجتمع عبر منهج التعافي المبكر، والحد من الفقر والجهل بدفع مسار المشاريع التنموية المتوازنة مع ما يرافق ذلك من العمل على إنشاء شبكة مختصة بالحماية الاجتماعية بما يعزز الأمن والسلام المجتمعي.

ختاماً، يعلمنا إرث الدكتور مارتن لوثر كينغ أنه يمكننا التغلب على أصعب المحن عندما نقف معاً. ابحث دائماً عن طريقة لتساعد من في مجتمعك أو في أي مكان آخر لمواصلة هذا الإرث.

وتحضرني في الذكرى الخامسة لرحيل الشاعر الكبير "سيد حجاب" نقل بعض أبيات قصيدته:

وينفلت من بين أيدينا الزمان

كأنه سحبة قوس في أوتار كمان

وتنفرط ليَّام عود كهرمان

يتفرفط النور والحنان والأمان

وينفلت من بين أيدينا الزمان

الشر شرق وغرب داخل في حوشنا

حوشوا لريح شاردة تقشقش عشوشنا

حوشوا شرارة تطيش تشقق عروشنا

وتغشنا المرايات تشوش وشوشنا

وتهيل تراب على الهالة والهيلمان

 

ليفانت - باسل كويفي

 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!