الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الحلّ في سوريا باستبدال هذه المعارضة
مزن مرشد

الحرب السورية، الحرب التي كشفت الجانب المظلم من الإنسانية، الحرب التي ما تزال مستمرة لتكمل العشر سنوات بعد قليل، وما يزال الصراع المحلي والوطني والإقليمي ثم الدولي، والذي كنّا أولاً وأخيراً ودائماً ضحيته، ما يزال مستمراً في صمت ودموية وألم.  الحلّ في سوريا


 


نجح بشار الأسد في الحفاظ على كرسيه الموروث، لكنه اليوم متربع على عرشٍ من دمار، نصف مواطنيه مهجرون أو لاجئون أو منفيون، وانتصر انتصاراً ساحقاً بسدّ كل أبواب العملية التفاوضية التي ترعاها الأمم المتحدة.


 


اليوم، يستعيد النظام، بدعم من روسيا وإيران طبعاً، الكثير من الأراضي التي سبق وخرجت عن سيطرته، ومع ذلك، تستمر هجماته على بعض المناطق، وبشكل منتظم.


 


منذ أيام داهمت إسرائيل قوات النظام الإيراني على حدودها السورية، وقبل ذلك، استأنف جيش النظام حملة قصف على آخر منطقة خارجة عن سيطرته في محيط إدلب، وما يزال هناك عدد قليل من العمليات التي يتم تنفيذها ضد تنظيم الدولة داعش في شرق البلاد، حيث ما تزال هناك قوات أمريكية وقوات روسية وبعض الفصائل في المنطقة.


 


لست متشائمة.. ولكني غير متفائلة أيضاً فالواضح أنه لم يتم حل شيء.


 


بين عامي 2014-2015، وقبل التدخل الروسي المباشر، كان الأسد يسيطر على 20٪ إلى 30٪ فقط من الأراضي، أما اليوم، فهو يسيطر على ما بين 60 إلى 70٪ من مساحة البلاد، ألا تدعو هذه الأرقام للتشاؤم؟ ألا تدعونا للشعور بالعجز والخسارة؟


 


الألم يعتصر البلاد من أقصاها إلى أقصاها، الناس على وشك المجاعة، الدمار لا يحصى، بعض المناطق أصبحت أثراً بعد عين، إعادة الإعمار بعيدة المنال بالوضع الراهن، عودة النازحين والمهجرين واللاجئين شبه مستحيلة مع بقاء الأسد على رأس السلطة، وبقاء الأفرع الأمنية وعمليات الاعتقال والإخفاء القسري، إضافةً للظروف المعيشية الراهنة. وزاد بالطنبور نغماً دخول القوات الروسية والشرطة العسكرية الروسية في القرى والمدن السورية كقوة أمر واقع، وهي القوة التي تحكم البلاد عملياً، فكيف نستطيع أن نسمي بلادنا “بالبلد”؟


 


بالأرقام ومنذ عام 2011، قُتل ما يقرب من 500 ألف شخص، ونزح أو نفي ما يقرب من 7 ملايين مواطن سوري، استقرّ معظمهم مؤقتاً في لبنان والأردن وتركيا، الدولار يرتفع بوتيرة تصاعدية يومية لم تشهدها سوريا منذ أكثر من عشر سنوات مضت، مساعدات إنسانية بمليارات اليورو، تذهب إلى مخيمات اللاجئين، حمى السَوق لخدمة العلم كما يسميها النظام، تصبح مثل الطاعون‘ فيُقتاد الفتية عن الحواجز للالتحاق بالخدمة العسكرية، منذ عمر الـ18 عاماً دون العبء بتأجيل الخدمة بسبب التعليم أو سواه، فلم يعد يهم النظام سوى رفد جيشه المغوار بالمزيد من البشر، وليصبح التجنيد كابوس المجندين فلا أحد يعرف كم ستطول مدة الخدمة.


 


ونأتي الآن إلى أهم عنصر في قيادة الحل السياسي المطلوب لتحقيق مطالب السوريين التي خرجوا من أجلها في آذار 2011، وهي المعارضة السورية الرسمية، ومقرّها تركيا، لنقف حائرين أمام سؤال يؤرق أي سوري ينتظر الحل العادل ورحيل النظام مع محاسبته: هل تخدم هذه المعارضة القضية السورية.. أم تنفذ أجندات ما لخدمة المصالح التركية وسواها في المنطقة؟ وباعتقادي فإنّ أي متابع جيد سيعرف الإجابة على هذه التساؤلات ويعفيني من الخوض فيها، فالحقيقة المرّة أنّ الثورة تراجعت بعد تشكل هذه الأجسام الرسمية ولم تتقدّم مع الأسف، فهذه المعارضة (الرسمية أقصد) لم تخدم إلا نفسها، والوطنيون الحقيقيون فيها استقالوا عندما أدركوا أنّ الأمر لم يعد بيد السوريين، واستمر كل من اكتفى بمكاسبه الشخصية ولا يعنيه سواها.


 


في الداخل السوري، ومع الاعتذار من بعض من أكنّ لهم الاحترام وتربطني بهم صداقة الأيام والعمل السياسي المعارض السابق للثورة بسنوات، فأنا ومع الأسف لا أعتقد بوجود معارضة في الداخل، ومن هم معارضون تحت سقف الوطن فهم برأيي بالضرورة غير قادرين على اتخاذ أي موقف حقيقي مطالب بإسقاط النظام، لأنّ الثمن الذي سيدفعونه عندها سيكون غالياً جداً، لذلك نجد غالبيتهم يطالب بالإصلاح، وإطلاق السجناء، وبعض الحريات، أي كما كانت المطالبات دائماً منذ ربيع دمشق مع القليل من رفع السقف ولكن إلى حد معين، لا يقترب من رأس النظام، والنظام ذاته يستغلّهم لمصلحته كقناع ديمقراطي لوجهه الديكتاتوري القبيح، فيزجّ بهم بالمؤتمرات الخارجية، وورشات العمل، مع ضمان عودتهم للبلاد، وباعتقادي فإنّهم في كل مشاركة خارجية لهم، بخضعون لتحقيق دقيق فور عودتهم.


 


أما المعارضين الذي وجدوا طريقهم إلى أوروبا والقارّة الأمريكية، وأستراليا، وبدؤوا يعيشون حالة من الاستقرار في دول لجوئهم، هؤلاء يحاولون جاهدين إسماع أصواتهم، ومحاولة إيصال حقيقة قضيتهم للعالم بطرق مختلفة، ومن حسن الحظ أنّ أكثرية هؤلاء هم من التيار الديمقراطي، وقلة قليلة جداً يمكن حسبانها على التيارات الدينية المختلفة -متشددة وديمقراطية دينية- لكن حتى الآن لم يستطع هؤلاء تنظيم أنفسهم، ليجتمعوا في جسم موحد، قادر على العمل المشترك وقادر على التأثير في عملية الحل السياسي السوري.


 


من جهتي، أرى أنّ تنظيم الأفراد الديمقراطيين لأنفسهم، والذين يمثلون خزاناً بشرياً حقيقياً لسوريين يريدون لبلادهم الحرية والكرامة، والكمال كدولة ديمقراطية يسود فيها القانون وحق المواطنة، عليهم برأيي أن يجتمعوا معاً ضمن تجمع سياسي موحد، وبإدارة سياسية منظمة يمكن أن يوصل الصوت السوري الحقيقي الحر للعالم وأن يساهم بصياغة حل سليم وعادل للجميع، ويكونوا بديلاً جيداً عن الوجوه السياسية التي تصدّرت المشهد ولم تستطع تقديم أي شيء لثورة السوريين. المعارضة


 


أعلم أنّ الأمر لن يكون سهلاً، بعد كل هذه السنوات من التغييب، فهم لن يجدوا اليوم أي دعم دولي، ولكن يمكنهم المقاومة، بضرورة استلامهم لزمام المعارضة الرسمية عوضاً عن شخصيات سياسية لم تعد تتمتّع بأيّ مصداقية بين السوريين، ولم تعمل خلال سنواتها الماضية إلا لمصالح تركيا وبعض الدول الممولة لها، ومصالحهم الشخصية، بمعظهم يتقاضى اليوم مرتبات ومزايا لم يحلم بها يوماً، وكثيرون منهم باتوا اليوم معروفين، معنوياً وسياساً ومادياً، ولم يكن يسمع بهم أحد، أشخاص ببساطة بلا تاريخ.


 


إنّ سقوط النظام بعد كل هذه السنوات، يرتبط مباشرة بقوة سياسية نديّة للنظام تستطيع أن تقنع الدول الفاعلة بثقلها، وتأثيرها، ومسؤوليتها في تولّي زمام المبادرة، وتقديم المشروع المتكامل لليوم التالي، والمضي بسوريا الجديدة، سوريا الحق والعدالة والتنمية.




ليفانت - مزن مرشد

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!