الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الحسابات الإيرانية في الملف السوري
كمال اللبواني

تسابق إيران الزمن لترسيخ وجودها في سوريا وهي تعمل كل ما تستطيع لفرض وقائع على الأرض تجعل عملية إخراجها تزداد صعوبة وتعقيداً من خلال انغماسها عميقاً في تركيبة الدولة السورية، نظاماً ومؤسسات واقتصاداً ومجتمعاً.

مستغلة تهجير أغلبية السكان، والحالة المعاشية للبقية الذين يتعرضون لاضطهاد دائم من أجهزة النظام وميليشياته، لتأتي كمنقذ لهم وحارس ومشغل أيضاً، بينما تقوم بدور الداعم للنظام المتداعي، والمساند للنفوذ الروسي على الأرض، في حين تقدم نفسها للغرب، وخاصة أمريكا، على أنها شريكاً في محاربة الإرهاب، وهي تقوم بعملية السيطرة على معظم المؤسسات الأمنية والعسكرية، ودمج عناصر من ميليشياتها فيها بعد تجنيسهم، بينما تعمل على تحويل أحياء وقرى وقبائل ومناطق جغرافية كاملة للمذهب الشيعي تحت إشراف مستوطنين جدد قدمت بهم من العراق وغيرها ليصبحوا من السكان المقيمين والملاكين بعد شرائهم للعقارات والشركات، فقد تحولت مناطق واسعة تمتد من الشرق، من البوكمال والميادين ودير الزور، مروراً بالبادية وتدمر وحمص باتجاه لبنان، أو متجهة شمالاً نحو السلمية ومنها نحو حلب، أو نحو مصياف والساحل، وهناك طريق يتفرع من تدمر باتجاه القريتين فالناصرية فعدرا نحو دمشق، أو نحو القلمون فلبنان، ومن دمشق نحو الجنوب باتجاه السويداء أو باتجاه درعا أو باتجاه حضر والقنيطرة، ويسعى الإيراني لتغيير البنية السكانية على هذه الطرق  ونشر قواعد عسكرية ودفاعات جوية عليها بالتزامن مع ترسيخ أحياء كبيرة في المدن تخضع لنفوذه وتحتوي قاعدة شعبية مضمونة الولاء.

لقد أمسكت إيران بكامل مفاصل الدولة والمجتمع وفرضت سلطتها على الأرض، بحيث أن إخراجها يتطلب دخول أعداد كبيرة من السكان المدعمين بقوى عسكرية لقتالها فوق كل شبر، لذلك هي التي تمانع وتعطل أي مشروع للحل يسمح بعودة السوريين لمنازلهم، وتتمسك بالأسد وتشجعه على متابعة سلوكه الإجرامي تجاه الشعب، وتعطل أي جهد دولي للتوصل لحل، وتصرّ على إفراغ معظم المناطق من سكانها الذين يرفضون القبول بها.

وتعتمد سياسة قضم بقية المناطق مستغلة أي ظرف، والخلافات بين الدول، وعدم رغبتها بخوض حروب جديدة، أو تمويل مشاريع بعيدة المدى، وهي تراهن على دعم غير محدود روسي وصيني يرغب في مد سيطرته على المنطقة معتمداً الوكيل الإيراني، ومستغلة أيضاً حاجة أمريكا للاتفاق النووي، والذي ستقبض ثمنه ترسيخ نفوذها في سوريا، التي أعلنت أمريكا مراراً أنها تريد الانسحاب منها ومن المنطقة، وتعتمد على رغبة الغرب في اعتمادها كقوة إقليمية تتاجر معها وتحارب الإرهاب الذي أعطى صفة الإسلام السني، وتوظف موقفها الداعم للقضية الفلسطينية لكسب ود الإسلام السياسي والقومي العربي، ممتصة كل قوة تحاول مقاومتها.

ما ينغص عليها هو موقف إسرائيل الرافض لمد نفوذها، وموقف الشعب السوري المصمم على مقاومتها، واحتمال صحوة الدول العربية التي أصبحت هي الهدف التالي لها، كالأردن، وكذلك نتائج مراجعة أمريكا لسياساتها في المنطقة، والتي ستعني أن روسيا والصين هي من سيملأ الفراغ، أيضاً انزعاج أوروبا كثيراً من التهديد الروسي لها والذي تسانده إيران ونظام دمشق. وهو ما يجب أن يعتمد عليه الشعب السوري الذي دفع أغلى الأثمان للسياسات الإيرانية في الشرق الأوسط.

 

ليفانت - كمال اللبواني

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!