الوضع المظلم
السبت ٢٠ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
الجزرة الأوروبية لا تجذب أنقرة.. وعصا بروكسل مكسورة
القمة الأوروبيّة


لا الجزرة نفعت معها، ولا العصا، هي حال تركيا اليوم، مع دنوّ موعد القمة الأوروبيّة الثانية خلال ثلاثة أشهر، والتي تضع تركيا على سلّم أولوياتها، ففي بداية أكتوبر الماضي، أجّل الأوروبيون معاقبة أنقرة على خروقاتها للمياه اليونانيّة والقبرصيّة، ملوّحين بعصا العقوبات بيد، ومظهرين جزرة المنح والمكافئات بأخرى، علّها تقنع أردوغان بالعدول عن سياساته التوسعيّة، الرامية إلى فرض أمر واقع على القارّة الأوروبيّة.


حينها، قرّر الأوروبيون منح أنقرة فرصة ثانية، متجاهلين الدعوات القبرصية واليونانية للبدء بالعقوبات، وقد ساعد الموقف الألماني المنحاز عملياً للتفاوض مع أنقرة، على التصادم معها، وهو معاكس للموقف الفرنسي الذي يؤكد بأنّ الأتراك لا يفقهون سوى بلغة الأفعال، كما قال ماكرون، سابقاً، أما الآن وقد حان موعد القمة الثانية، التي تعهد الأوروبيون فيما مضى بأن تكون حاسمة، فإنّ موقف أنقرة لم يزداد إلا سوءاً وتعنّتاً.



مساعي تقسيم قبرص


ففي قبرص، أعلن الرئيس التركي، في السابع عشر من نوفمبر الماضي، عن “بدء مرحلة جديدة ستفضي إلى الإقرار بواقع وجود جمهورية شمال قبرص التركية في المنطقة والعالم”، في إشارة إلى مساعيه لتقسيم الجزيرة رغم سعي القوى الدولية إلى إعادة توحيدها، مما يعني منح الجزء الشمالي منها نصيباً في المياه الإقليمية، وهو أقصى ما تتمناه تركيا حالياً، بالتزامن مع صراعها ضد كل من قبرص واليونان.


فيما أشار موقع “المونيتور” الأمريكي في تقرير له، إلى أنّ دعوة أردوغان، لحلّ قائم على إنشاء دولتين مستقلتين في قبرص، يعتبر عقبة أساسية أمام أيّة جهود لتحسين العلاقات بين تركيا والدول الغربية، لافتاً إلى أنّ “دعوة أردوغان تزامنت مع قراره تحدي المجموعة الدولية، بالاستمرار في عمليات التنقيب عن النفط والغاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط”، ما يعني أنّه “لا يعبأ بتهديدات أوروبا فرض عقوبات على تركيا”.


وفي الصدد، قال الصحفي والباحث المصري “رامي شفيق” في تصريح لـ”ليفانت نيوز”، حول تلك المساعي: “رجب طيب أردوغان الذي استملح عسكرة سياساته الخارجية حول عدد من ملفات الشرق الاوسط، لا سيما في ليبيا وسوريا وأذربيجان، يعتمد على سياسة الضغط على دول القارة الأوربية عبر أكثر من آلية، منها ملف الهجرة غير الشرعية، فضلاً عن أزمته مع اليونان وقبرص حول وضع قبرص الشماليّة التي زارها وقال إنّه (يوجد اليوم شعبان ودولتان منفصلتان في جزيرة قبرص، ويجب التفاوض على حل الدولتين على أساس المساواة في السيادة)، معلناً في مقطع له عميق الدلالة أنّ أولوية أنقرة تكمن في توفير حل مستدام لقضية قبرص بطريقة تضمن الحقوق المشروعة للشعب القبرصي التركي وأمنه، وأنّه لم يعد من الممكن لأيّ معادلة أن تحقق السلام والاستقرار في شرق المتوسط دون مشاركة تركيا وجمهورية شمال قبرص”.


وأكد شفيق أنّ ذلك “الأمر يوضّح مغزى أردوغان الحقيقي في استخدامه هذا النزاع التاريخي، ليحقق تموضعاً وظيفياً في شرق المتوسط، على خلفية الثروات التي أعلنت في خبيئة البحر المتوسط، وينازع اليونان التي رسمت حدودها البحرية مع مصر مؤخراً في ذلك، وكذلك فرنسا”.


برلين تخفّف حماسها لـ أنقرة


ولطالما شدّت أنقرة عضدها ببرلين، بغية عرقلة أي مواجهة مباشرة أو عقوبات اقتصادية، لكن الحماسة الألمانية تراجعت تجاه أنقرة، مع إصرارها على المضي قدماً في مخططاتها المتعارضة مع مخرجات القمة الأوروبيّة، في بداية أكتوبر المنصرم، ويمكن التدليل على ذلك من جملة وقائع، منها في الثامن عشر من نوفمبر، عندما أتاح البرلمان الألماني دراسة حظر منظمة “الذئاب الرمادية” التركية اليمينية المتطرّفة في ألمانيا، عقب أن صادق البرلمان، بالأغلبية على طلب مشترك مقدم من أحزاب الائتلاف الحاكم والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر، يدعو الحكومة إلى دراسة حظر تلك المنظمة.


 


في حين قال وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، في التاسع عشر من نوفمبر، إنّه لا يستبعد، أن يقوم قادة دول الاتحاد الأوروبي في قمة ديسمبر، بمناقشة فرض عقوبات ضد أنقرة نتيجة تصرفاتها في شرق البحر الأبيض المتوسط، بينما أكدت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، أنّ زعماء الاتحاد الأوروبي سيبحثون خلال قمتهم، سعي تركيا للتنقيب عن الغاز في المياه المتنازع عليها شرقي المتوسط، وقالت للصحفيين: “الأمور لم تتطور بالطريقة التي كنّا نتمنّاها”.


وفي الصدد، قال شفيق لـليفانت: “تأسيساً على ذلك، نجد أردوغان لا يفرّط في فرصة إلا ويؤكد فيها مواصلة أنقرة المسح حتى الوصول إلى حلّ في تلك الأزمة، الأمر الذي عبّرت عنه في ممارسة تركيا سياسة الضغط تجاه أوروبا، وهو ما يدفع، من رؤيتنا، أوروبا وخاصة فرنسا وألمانيا، إلى اتخاذ قرارات عقابية خلال الشهر الجاري تجاه تركيا، في إطار سعيهم الدائم لتحقيق التوازن الاستراتيجي بين مصالحهم الذاتية، ومحاولة لجم التحركات الخطرة لأردوغان في مساحاتهم الاستراتيجية”.


الناتو على المحك


ولا يبدو أنّ المساعي التوسعيّة لتركيا مهددة فقط لأمن لأوروبا، بل أيضاً لتلاحم حلف شمال الأطلسي، فقد شدّد رئيس وزراء اليونان، كيرياكوس ميتسوتاكيس، في الثامن عشر من نوفمبر، على أنّ “تصرفات تركيا في البحر المتوسط ​​تقوّض وحدة الناتو”، لافتاً إلى أنّ اليونان كانت في “مواجهة تحديات أمنية محددة، وإجراءات أحادية الجانب من جانب تركيا، التي قوّضت وحدة الناتو طوال عام 2020، بما في ذلك مواجهة في البحر الأبيض المتوسط لمدة 35 يوماً”.


وحول ذلك، قال الباحث المصري لـليفانت: “يجب التأكيد على أنّ العالم كلّه يمرّ بفترة انتقاليّة، وذلك يرتبط بكافة منظماته الإقليمية والدولية، والناتو ليس ببعيد عن تلك الأحداث، لا سيما وأنّ الرغبة الرئيسة التي تشكل من خلالها لم تعد قائمة وحاضرة، وبالتالي فإنّ تركيا تحديداً ليست هي من تهدّد وحدة الناتو، بل يجب أن نصيغ العبارة بأنّ محددات الوضع الاستراتيجي القائم والمخاطر التي تتبدّى من سياسات أردوغان إقليمياً ودولياً، ستدفع التداعيات التي تحلحل وحدة الناتو نحو الراهنيّة، بيد أنّ ذلك ليس في المدى المنظور وسيحتاج الامر بعض الوقت”.


 


متابعاً: “ما فات كلّه يتصل عضوياً برغبة تركيا الاستراتيجية التي تتحرّك في سياساتها الخارجيّة من أجلها، واعتمدت على الاسلوب الخشن وعسكرة سياساتها الخارجيّة عبر هذا الهدف الرئيس، وهو عضوية الاتحاد الأوروبي التي جاءت تصريحات المسؤولين الأتراك حولها بأنّها أولوية استراتيجيّة، وجزء من العقيدة التركية يتحرّك عبر ملفاتها من أجل ذلك، ويستقرّ التقدير الخاص بنا أنّ فرنسا تحديداً التي تضطلع بأدوار رئيسة في أوروبا بجانب ألمانيا، لن تسمح في هذا التوقيت بمرور هذا الأمر، خاصة وأنّ أردوغان يقدّم رعاية كاملة لتنظيمات الإسلام السياسي التي يعدّها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خصماً استراتيجياً لبلاده”.


وعليه، يضحى السؤال المشروع، في الوقت الراهن، حول جديّة الأوروبيين في فرض العقوبات، إذ يدفع تفكّك الموقف الأوروبي وعدم قدرته على التوحد في مواجهة السياسات التركيّة، إلى الشك بإمكانيّة ذلك، فيما تدرك أنقرة ضعف الموقف الأوروبي المشرذم حسب مصالح كل دولة، وعليه لا تُعير اهتماماً حقيقياً لمآلات أيّ مواجهة حقيقة، ما يُرشّح ترسيخ انقسام أوروبا بين قطبي المصالح والتصادم، فيما يبدو أنّ الأخير لن يحوي سوى الدول المتضررة عملياً وبشكل مباشر من المساعي التوسعيّة التركية، وعلى رأسها اليونان وقبرص وفرنسا، وربما تساندهم بعض دول أوروبا المتوسطيّة.


ليفانت-خاص


إعداد وتحرير: أحمد قطمة








 




النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!