الوضع المظلم
الثلاثاء ٢١ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • البروفسور والمستشرق الإسباني خوسيه ميغيل بويرتا.. عن علاقته باللغة العربية ودراسة تاريخ الفن الإسلامي الأندلسي

البروفسور والمستشرق الإسباني خوسيه ميغيل بويرتا.. عن علاقته باللغة العربية ودراسة تاريخ الفن الإسلامي الأندلسي
البروفسور والمستشرق الإسباني خوسيه ميغيل بويرتا

البروفسور خوسيه ميغيل بويرتا من مواليد قرية دوركَل، جنوبي غرناطة، في عام ١٩٥٩. تخرج في تاريخ الفن عام ١٩٨١ وحصل على الدكتوراه في اللغة العربية في عام ١٩٩٥. أول بحث له كان حول "البنية الطوباوية لقصور الحمراء" وبعد ذلك كتب "تاريخ علم الجمال عند العرب.. الأندلس والفكر الجمالي العربي" الذي يتناول في صفحاته الألف مفاهيم الجمال والفن في الثقافة العربية منذ الجاهلية وحتى سقوط الأندلس، وقد صدر في عام ١٩٩٧ عن أحد أهم دور النشر الإسبانية، ثم قررت دار بريل الشهيرة ترجمته إلى الإنجليزية ونشرتها في عالم ٢٠١٨.

وبينما كان السيد خوسيه يطور دراساته في نقوش الحمراء والخط العربي، المجلدين اللذين أصدر فيهما "قراءة الحمراء" (٢٠١٠)، الجامع لكافة كتابات القصور النصرية وكتابه "مغامرة القلم"، وهو أول كتاب عن تاريخ الخط العربي وخطاطيه وأنماطه أُنجز ونشر باللغة الإسبانية (٢٠٠٧)، وكان يتابع مسيرة الفكر والأدب والثقافة العربية الحديثة وترجم كتابين لغادة السمان (بيروت ٧٥ والقمر المربع) وكتاب "الصوفية والسوريالية" لأدونيس، وغيرها، وشارك في تنظيم بعض المعارض للفنانين العرب المعاصرين، أمثال "بورتافوليو غرناطة" للرسام والكاتب الفلسطيني كمال بلاطه، ومعرض "ذكرى لنمير" للنحات والكاتب السوري عاصم الباشا، وأول معرض للخط العربي المعاصر الذي أقيم في مدريد وقرطبة في العامين ٢٠١٠ و٢٠١١. مؤخراً عيّن السيد خوسيه، بصفته مستعرباً مختصاً بالفن الأندلسي والإسلامي عضواً في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة" بغرناطة التي أسست في القرن الـ١٨ الميلادي، والتي تحظى عادة بمستعرب ضمن أعضائها. إلى جانب كل ذلك، بدأ بتدريس تاريخ الفن الإسلامي في جامعة غرناطة منذ العام 2000، وهو عمل يحاول عبره تشجيع الطلاب الإسبان والأوروبيين للبحث في الفنون العربية والإسلامية، الكلاسيكية والحديثة، برؤية علمية ومنفتحة كواحد من المكونات الجوهرية لحضارة أساسية في تاريخ المعمورة وفاعلة في الحضارة الإنسانية العامة كانت جزءاً من الماضي الإسباني والأوروبي وما زالت تمنح العالم كنوزاً ثقافية وفنية بديعة.

*بدأتْ علاقتك باللغة العربية في غرناطة حين زرتَ قصر الحمراء في السنة الدراسية الأخيرة للتخرج في تاريخ الفن عام 1981، كيف تطورت هذه العلاقة وإلى أين وصلت وما الذي دفعك للتخصص في دراسة تاريخ الفن الإسلامي والأندلسي؟

أول إطلالة لي على نقوش الحمراء في عام التخرج عشتها فعلاً كمفاجأة وصدمة وتحدّ. لا يعقل أن شاباً غرناطياً أنهى السنة الخامسة في كلية الآداب بمدينة غرناطة ولم يكن مطلعاً حتى على وجود لغة الضاد في مدينة كانت هذه اللغة لغتها الفصحى والعامية طيلة قرون وتبقى خطوطها ماثلة في قصور الحمراء وفي العديد من العمائر والمتاحف. بعد دراسة الدارجة المغربية في مليلة لبضعة أشهر وأثناء إقامة قصيرة لي هناك، تابعت تعلم الفصحى عصامياً بواسطة كل المناهج التي تسنّى لي اقتناؤها في أيام لم تتوفر فيها كتب تعليم العربية ببساطة في إسبانيا. أذكر دوماً المتعة العميقة التي شعرت بها حين تمكنت من فهم أول مقالة عربية حول الأدب العربي بمساعدة القاموس، هذا شجعني كثيراً للمتابعة وطالعت كل المقالات والكتب والصحف العربية التي كنت أقتنيها في رحلاتي إلى المغرب ومصر، أولاً، ثم إلى سوريا وبلدان عربية أخرى، وأيضاً عن طريق المراسلة مع المكتبات والأصدقاء العرب. وبما أن اهتماماتي العميقة لا تنحصر على الفن فحسب، قرأت العديد من الأعمال الفكرية والأدبية، خاصة الرواية العربية الحديثة، علاوة على كتب التراث التي كنت أضطر إلى إمعان النظر فيها من أجل رسالتي للدكتوراه حول الجمالية العربية الكلاسيكية ومواضيع أخرى مرتبطة بها.

*أطرى المستعرب الإسباني بيدرو مرتينيث مونتافيث على ترجمتك لرواية غادة السمان بعنوان ((بيروت 75)) ويُعتبر الكتاب الأول الذي ترجمته من اللغة العربية إلى اللغة الإسبانية. كيف كان وقع ذلك عليك؟ وهل هذا النمط من الترجمات ضرورية لتقريب القارئ الإسباني من الفكر والأدب والثقافة العربية؟

 

أنا من المعجبين بالأدب العالمي والإسباني والعربي بصورة خاصة. تعرفت على الأستاذ الراحل عيسى بلاطه في غرناطة وعبرت له عن إعجابي بكتب غادة السمان، وتصادف أن الأستاذ عيسى كان قد ترجم للسمان بعض الأعمال حثني على نقل بعضها إلى الإسبانية. ثم راسلتني الأديبة الكبيرة غادة السمان نفسها لتمنحني حقوق الترجمة وأبدت لي فرحها بأن ترى الضوء كجزء من مؤلفاتها باللغة الإسبانية. هكذا خضت في مغامرة ترجمة "بيروت ٧٥" ألحقتها بمقدمة مطولة عن عالم غادة السمان الأدبي والإنساني، وهو ما تعجب به الأستاذ والصديق العزيز بيدرو مرتينيث مونتافيث لأنه وجد في هذه المقدمة تقريباً ضرورياً للقارئ الإسباني من قيمة وتنوع وتضاريس أدبيات هذه المؤلفة السورية النادرة والجريئة معنى وأسلوباً. ثم ترجمت لها أيضاً "القمر المربع"، وهو مجموعة من القصص الغرائبية لفتت نظري بقوة منذ مطالعتي الأولى لها. وهذه الترجمة نالت جائزة الترجمة التي منحتها لي حكومة إقليم أندلسيا في عام ٢٠٠٨. ولحسن الحظ، فمن نهاية القرن المنصرم وحتى اليوم، يلاحظ في إسبانيا حراك جميل لترجمة الأدب العربي الحديث إلى لغة ثرفانتس وحتى بعض دور النشر القوية شرعت لضم هذه الترجمات التي قامت بها مجموعة لا بأس بها من الزملاء إلى منشوراتها. في هذا الصدد، أشرف بالتعاون مع الزميل والمترجم رفائيل أورتيغا على سلسلة لترجمة الأدب العربي المعاصر تصدر عن دار نشر قُمارش بغرناطة صدر فيها ١٥ كتاباً حتى الآن بين نثر وشعر لكتاب أمثال أمير تاج السر، مرام المصري، آمال بشيري، محمد ناجي، غادة السمان، نزار قباني وغيرهم.

*أنجزتَ بالتعاون مع بعض الخبراء موسوعة مكتبة الأندلس خلال عشرة أعوام (2003 – 2013) والتي تأتي ضمن مشروع ثقافي توثيقي لاستعادة الوعي بالمفهوم الأندلسي كحضارة وتراث إسلامي عربي مشترك، ما الهدف منها وعما تتحدث هذه الموسوعة؟ وهل من مؤشرات تثبت تحقيق قبول هذا العمل عند القارئ الإسباني في المدارس والمعاهد والجامعات؟

لا ريب في أنّ هذه الموسوعة هي من أهم المشاريع الجماعية للاستعراب الإسباني، تم إنجاز "المكتبة الأندلسية" التي تتناول السيرة الذاتية والأعمال المكتوبة لكل المؤلفين والمؤلفات الأندلسيين الذين وصلت أنباء عنهم ونصوص لهم. بعد ما ينيف عن عشر سنوات من العمل الدؤوب لحوالي ١٥٠ مستعرباً ومستعربة إسبانياً، وبعضهم من أقطار أخرى، نشرنا، بالاعتماد على المصادر العربية القديمة، أولاً، وثانياً على المراجع الحديثة العربية والعالمية، على وضع السيرة الذاتية لحوالي ٢٥٠٠ مؤلف ومؤلفة ألفوا حوالي ٧٥٠٠ عمل مكتوب. تتألف "مكتبة الأندلس" من ٧ أجزاء و٣ أجزاء أخرى إضافية للمصادر والفهارس والإحصائيات. في كل مادة لمؤلف أو لمؤلفة (لقينا معلومات فقط لحوالي ٤٥ مؤلفة من إجمالي ٢٥٠٠ مؤلف كانت بعضهن شواعر مشهورات) نذكر الكتب والرسائل والنصوص المعروفة لهم بالإشارة إلى أنه كانت تحفظ كاملة أو غير كاملة ومع شرح وتحليل لمضامينها إن كانت قد وصلتنا تلك النصوص. هذه الموسوعة المهمة موجودة في أهم مكتبات الجامعات ومراكز البحوث الإسبانية وفي بلدان أخرى وتساهم بشكل ملموس بإعادة النظر إلى ثقافة الأندلس وإغناء معرفتنا بها، خاصة عند الباحثين الإسبان غير المستعربين الذين يصفقون على صدورها لأنه بمستطاعهم الاطّلاع ولأول مرة على كمية هائلة من المعلومات عن الأندلس والأندلسيين وشتى علومهم وآرائهم.

*كونُكَ بحثتَ كثيراً في قصر الحمراء والتي تعتبر أكبر مجموعة معمارية فنية غنية بالفنون والأبعاد التاريخية. برأيك هل اكتشفتَ كل الخفايا والأسرار الجديدة المتعلقة بتاريخها في تضاريس جدرانها أم ما زلت تنتظر المزيد منها فيما يتعلق باللغة العربية؟

في العلوم الإنسانية، وخاصة في مضمار تاريخ الفن، الكل يعلم أن التأويل عملية لا نهاية لها. كما قال إمبرتو إيكو "الفن هو عمل مفتوح"، قابل لتجديد التفسير والتحليل دائماً. فيما يخصّ قصر الحمراء، فانطباعي أنني ذهبت بعيداً في إطفاء عطشي للمعرفة حين بدأت في دراسة الحمراء. في مستهل الثمانيات من القرن الماضي، وما بعده، أغلبية البحوث حول قصر الحمراء والفن الأندلسي والإسلامي، انحصرت على الوصف السطحي والأركيولوجي. وكون معظم الباحثين الإسبان في الفن الإسلامي والأندلسي لم يجيدوا، ولا يجيدون، اللغة العربية، فقد أصدروا دراسات لا تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الفكرية والعلمية والأدبية الأصلية المتعلقة بالفنون المدروسة. أما المستعربون الإسبان، للأسف، نادراً ما اعتنوا بالفن الإسلامي والأندلسي. لهذا السبب، لاحظت أن التوحيد بين إمعان النظر في المصادر والنقوش العربية والبحث المنهجي والسيميائي للفن سمح لي بإبراز نقط أساسية تثري رؤيتنا عن عمائر رائعة وغنية كعمارة الحمراء. سأقتصر هنا على الإيماء إلى أهمية العلاقة العميقة القائمة بين الكلمة والعمارة في القصور النصرية المتمثلة في الشعر الجداري الذي حول الحمراء إلى عمارة ناطقة تشرح نفسها وأماكنها الرئيسة، معنى ورمزاً ووظيفة، وكذلك تطور فيها نمط خاص من الخطوط الكوفية سميتُه "بالكوفي المعماري"، وهو نمط غير معروف في مناطق عربية أخرى لم يسترع نظر الباحثين لجهلهم اللغة العربية. بطبيعة الحال، أنا واع بأن ثمة الكثير من التفاصيل وحتى من الأمور الأساسية في انتظار إبرازها بمواصلة الإمعان في البحوث العلمية وفي المصادر المكتوبة لربط ثقافة بناة الحمراء المتنوعة والغنية جداً بدقة أكثر بإنجازاتهم وإبداعاتهم المعمارية.

*أسهمتَ في ترجمة العديد من الأعمال، من الإسبانية إلى العربية، ومن العربية إلى الإسبانية، ما التحديات والعقبات التي واجهتها كمترجم؟ وكيف ينظر السيد خوسيه إلى عالمه في الترجمة؟ وهل من معايير اعتمدتها في الأعمال المختارة؟

لا أعتبر نفسي مترجماً محترفاً. أحب وأحترم الترجمة للغاية، وأرى أن كل ما فعلته هو ترجمة بعض النصوص الكلاسيكية والحديثة لأسباب مختلفة. ترجمت نقوش كل من قصر الحمراء والجامع الأموي بقرطبة لإيصال فحواها للقارئ الإسباني، ثم العالمي لأن هذه الترجمات الإسبانية للنقوش العربية الأندلسية نقلت أيضاً إلى لغات عالمية أخرى. ولكن، أغلبية ترجماتي، وليست بكثيرة، تختصر على الأدب والنصوص العربية الحديثة، وهي لكل من غادة السمان وأدونيس وكمال بلاطه وصلاح نيازي وسعد الله ونوس وغيرهم، فضلاً عن نصوص من كتّاب من مصر وعُمان وموريتانيا وبلاد عربية أخرى طلبت مني ترجمتها لمجلة "بنيبال" و"الوطن العربي" وغيرهما. إن أمكنني الاختيار فأختار النصوص ذات القيمة الأدبية والثقافية ولكن أحياناً أقبل أيضاً ترجمة ما يطلب مني، مثلاً، مدير مجلة "بنيبال" الإسبانية، طلبني لمساعدته في تطبيق مشروعه الخاص لتقديم الأدب العربي الحديث جداً للقارئ الإسباني. أنظر إلى عالم الترجمة من العربية إلى الإسبانية كعالم واعد جداً له إنجازات مهمة ولكنه يضطر إلى المزيد من العطاء والمزيد من اهتمام دور النشر الكبيرة إلى هذه الترجمات. كذلك تنقصنا ترجمات من الفكر العربي المعاصر إلى الإسبانية، ككتاب مطاع صفدي، مثلاً، غيرهم من المفكرين المعاصرين العرب الكبار. لكن هذا النوع من الترجمات الفكرية صعبة أيما صعوبة وتتطلب، شأنها شأن النصوص الأدبية، إلى تمويل خاص لا نلقاه متوفراً في إسبانيا للأسف.

*عملتَ على إنجاز كتاب بعنوان "مغامرة القلم.. تاريخ الخط العربي وأساليبه" لإثراء المكتبة الإسبانية. من وجهة نظرك هل قدمت للقارئ الإسباني صورة شاملة عن الخط العربي ومدى أهميته وجماليته؟

أنا فخور بهذا الكتاب لأنه الكتاب الأول والوحيد حتى الآن الذي يقدم للقارئ الإسباني صورة عامة وموسعة عن تاريخ الخط العربي، شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً. بطبيعة الحال، لم أقدر، ولم أنوِ، الكتابة عن كل أشكال وأنواع الخط العربي على مر العصور لأنه شبه مستحيل، ولكن توصلت إلى نتيجة أظنّها مرضية لأني أطلعت الجمهور الإسباني على أسماء الخطاطين والخطاطات العرب وعلى أغلبية أنماط خطوطهم وأساليبهم وأمورهم الحياتية والثقافية، وكله بالاستناد إلى المصادر العربية. في "مغامرة القلم" أبلغت عن ٣٣٣ خطاطاً و٦٧ خطاطة وعرضت ٣٥٠ صورة، كما تحدثت عن خصائص ومحتويات رسائل وكتب الخط العربية المحررة منذ عهد ابن مقلة وحتى أواخر القرن العشرين. نال الكتاب اهتماماً في بعض الأوساط الثقافية الإسبانية، وبشكل خاص في الأرجنتين، في أجواء أبناء الهجرة العربية إلى أمريكا.    

*أمضيتَ العديد من السنوات وأنتَ تبحث في دراسة الثقافة العربية حتى أصبحت جزءاً منها وأضحت هي جزءاً منك، ما هي رؤيتك الحالية للمشهد العربي الآني؟ وهل من ضرورة لإحداث تغييرات لتطوير الجانب الإبداعي؟

في الحقيقة أصبحت الثقافة العربية جزءاً مني، أما العكس فأراه مبالغ فيه. مساهماتي متواضعة في الحقل العربي. قضية الثقافة العربية، مثلها مثل قضايا ثقافات أخرى في العالم، قضية واسعة جداً وعويصة. في اعتقادي، الإبداع العربي في الأدب والفن في وقتنا الراهن مهم وثري للغاية وكسب رواجاً عالمياً. نحن متأخرون في إسبانيا فيما يخص استقبال الأدب، وبوجه خاص الفن العربي الحديث، ولكن نخطو الخطوات اللازمة لتعدي هذا التأخر. مؤسسات "البيت العربي" و"المؤسسة الأوروبية -العربية" وغيرهما تقيم بانتظام معارض وتنظم مؤتمرات ومحاضرات بحضور المبدعين العرب منذ ١٥ سنة تقريباً وتوطدت بصورة واضحة الأواصر الثقافية والفنية بين الجهتين. الآن المستجدات الإبداعية العربية هي التي تعلم أيضاً الجمهور والفنانين الإسبان الذين كانوا عادة مرتبطين بالثقافة الأوروبية والأمريكية فقط. صحيح أن الوطن العربي يعاني من مشاكل اجتماعية وسياسية كثيرة ولكن هذا لا يمنع، والحمد لله، من أن يبذل المبدع العربي جهوداً عظيمة للتعبير عن نفسه وعن محيطه ويقدم أعمالاً ذات قيمة عالية تغني ثقافتنا الإسبانية والعالمية. المبدع العربي، إذاً، يجد دوماً طرقه الخاصة للإبداع رغم الظروف وفي التعامل الذكي مع الظروف، وهذا هو شريطة كل الإبداعات في التاريخ.

*اعتبر المستشرق الإسباني الراحل فيديريكو كورينتي أن الوضع السياسي الراهن بين الوسطين الغربي والعربي نتج عنه ضعف الاهتمام بالثقافة العربية موجهاً الاتهام بشكل مباشر إلى الغرب.. كيف تفسّر رأيه؟

أقدر الأستاذ فيديريكو كورينتي تقديراً عظيماً وأعتاد أن أقول أنه كان أستاذي في اللغة العربية لأنني تعلمتها باستخدام قاموسه "عربي - إسباني". لعلّ الأستاذ كوريينتي كان على حق حين اعتبر في ظرف معين مضى أن الوضع السياسي خفف من اهتمام الغرب بالعرب. على كل حال، تجربتي الشخصية تجعلني أفكر بطريقة مغايرة. على مدى عقدي القرن الحالي وأنا أتعامل يومياً مع طلاب قسم تاريخ الفن، وهو ليس قسماً مختصاً بالدراسات العربية، وأنا ألاحظ أن الأجيال الجديدة تعنى أكثر فأكثر بالعالم العربي، سواء أكان في العصور الماضية أو في الوقت الحالي. بل ويشتد مؤخراً اهتمام شباب إسبانيا وأوروبا، في رأيي، بكل الأمور المتعلقة بالمجتمعات العربية وثقافتها الراهنة لعدة أسباب، بينها قرابة العالم العربي من أوروبا وإسبانيا، وماضي إسبانيا العربي، طبعاً، وكذلك لأنه في نشوء الحداثة الأوروبية تنبض الثقافة العربية بقوة، أولاً في عهد النهضة الأوروبية، وثانياً في بداية الرومانسية والتفات كبار المثقفين الأوروبيين، أمثال غوتة، إلى الأدب والفكر العربيين. وسبب آخر يمكن أن نضيفه هو التواجد المتزايد للطلاب والمهاجرين العرب في بلداننا وتكاثر أسفار الأوروبيين إلى البلدان العربية. ونتيجة كل ذلك ازدهار الترجمات والندوات والعديد من الفعاليات الثقافية الجارية لدينا وفي أقطار أوروبا أخرى تتناول الشأن العربي.

*كما هو معلوم لي بأن تقدُّم أي مجتمع مرتبط بتقدُّم المجتمعات الأخرى، لذلك لا بدّ من وجود ترابط وتلاقح ثقافي حقيقي من خلال الترجمة والتي تساعدنا على فهم الحضارات الأخرى، هل من إسهامات فكرية حقيقية جديدة يقوم بها السيد خوسيه لإيصال ثقافة بلده بالبلدان العربية، خاصة في ظل الثورة الرقمية الهائلة حالياً؟

من إسهاماتي الأخيرة يعد أول دليل لقصر الحمراء المكتوب والمنشور حتى الآن باللغة العربية وكذلك أول كتاب دليل بالعربية لجامع قرطبة الذي صدر بعنوان "مسجد قرطبة الأموي.. قبة الإسلام في الأندلس" والذي سجلت فيه كل الكتابات العربية المتبقية في الجامع، ودراسة لقصر البديع في مراكش مع ترجمة لكل النصوص النثرية والشعرية المتعلقة بهذا القصر المهدم في المغرب، ومقالات أخرى. منذ عام ٢٠١٦ أنشر زاوية في مجلة "الشارقة الثقافية" أحاول أن أقدم للقارئ العربي من خلالها بعضاً من الثقافة الإسبانية وعلاقتها بالعربية قديماً وحديثاً عبر مقالات قصيرة حول ثرفانتس والعرب، مثلاً، أو اهتمام الفيلسوفة ماريا ثمبرانو بتصوف ابن عربي، ورؤية لوركا عن الشعر العربي والشرقي، وبساتين الأندلس، وسواها. قريباً سيصدر أيضاً كتابي "الجمالية في الفكر الأندلس" عن مؤسسة الفكر العربي. على أيّة حال، أعتبر أن هذه المساهمات متواضعة وبسيطة جداً. أما بالإسبانية، فأعدّ كتاباً حول نزعة الأنسنة العربية فكراً وفناً، وهو موضوع سبق أن نشرت بضع مقالات حوله بالإسبانية وبالعربية.

هل بإمكانك ذكر آخر إصداراتك المترجمة من اللغة العربية، وما هو الإصدار الذي لامس شخصية السيد خوسيه وحظي باهتمامه؟

أنا ترجمت مقالتين مهمتين في رأيي للرسام والكاتب الفلسطيني كمال بلاطه أولهما بعنوان "هندسة اللغة وقواعد الرقش" والآخر "الفكر البصري والذاكرة اللغوية العربية"، ومقالة لشاكر حسن آل سعيد مأخوذة من كتابه "دراسات تأملية"، ومجموعة "الريح" الشعرية لصلاح نيازي، وقصة "طقوس في وقت الحصار" للكاتب الفلسطيني عزة غزاوي، كما ترجمت "تلخيص كتاب الشعر" لابن رشد بغرض تقريب الباحثين الإسبان من نظريات ابن رشد الشعرية. ظهر جزء من هذه الترجمة في مجلة فلسفية إسبانية وأود أن أنشر الترجمة الكاملة في كتاب مع دراسة تحليلية في المقدمة. ومن الأدباء الإسبان المفضلين عندي ترجمت إلى العربية نصوصاً لكل من لوركا وميغيل هرناندث وأنطونيو مونيوث مولينا ولويس غرثيا مونتيرو وخوان غويتيسولو، ونشرت هذه الترجمات مع تمهيدات موجزة في مجلات عربية مثل "الاغتراب الأدبي" العراقية الصادرة بلندن، و"أخبار الأدب" المصرية، و"الاتحاد الاشتراكي" المغربية، وسواها، وكذلك ضمن كتب جماعية.

ليفانت - زينة عبدي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!