الوضع المظلم
الجمعة ١٠ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
الاستفتاء والذين انحنوا لغير الله
 صبحي ساله يي

خلال فترة الإعداد لإجراء الاستفتاء في أيلول 2017 في كوردستان، ادّعى الكثير من السياسيين وأشباههم، ومن الذين لم يسبق لهم أن تشرفوا بحمل سلاح الثورة الكوردستانية أو رموا حجراً ضد أعداء الكورد، أو تصدوا بكلمة حق واحدة لصالح الكورد وكوردستان، ادعوا البطولة والوطنية ونشروا وأصدروا ما شاؤوا من بيانات وتصريحات تفاخروا فيها بأنهم مع الاستفتاء وحق تقرير المصير، ومن مؤيدي وأصدقاء الرئيس مسعود بارزاني وكانوا يعرضون صورهم معه خلال اللقاءات الشخصية والاجتماعات والكرنفالات الجماهيرية، وحتى البعض منهم لجأ إلى الفوتوشوب ليظهر نفسه في صورة مزيفة مع الرئيس بارزاني للافتخار أمام أهله وأصدقائه أو للاستقواء على رفاقه في الحزب والاستحواذ على تمثيلهم السياسي.

ولكن بعد تعرض الإقليم لأزمات ما بعد الاستفتاء، وعندما تبين أن الاتفاق بين أربيل وبغداد ليس سهلاً بسبب النقاط الخلافية والكثير من القضايا المفتعلة من قبل بغداد وبحثها الدائم عن قضايا تثير التجييش والاستنفار والتحريض والكراهية ضد الكورد، وتقديمها لمطالب وشروط مستحيلة. وبعد رصد الخسائر الكوردستانية المترتبة على تراجع الدعم والتأييد الدوليين للنظام القائم في إقليم كوردستان، استنفر بعضهم مع الكثير من المنتمين للأحزاب الباهتة وللتجمعات الشبيهة بالأحزاب التي تقاد من قبل أشباه سياسيين في كوردستان، وهم مدفوعين برغبات ذاتية، أو بتحريض ووعود وإغراءات من ميليشيات بغداد وأطراف خارجية أخرى، وخصوصاً أنقرة وطهران، فانتقدوا وهاجموا رئاسة وحكومة وبرلمان كوردستان، وفي سعي ساذج للحفاظ على أوضاعهم المريحة، ولكسب مصداقية مزيفة وشرعية وهمية، بحثوا عن مواقع ومكاسب هنا وهناك ولم يتورع بعضهم في إطلاق الشائعات والأكاذيب حول مستقبل الإقليم وتهديد استقراره وأمنه. كما لعبوا أدواراً خبيثة وتضليلية ساهمت في تأجيج التضليل والتزييف وقلب الحقائق والصراع بين أربيل وبغداد وبين الكوردستانيين، وتجرؤوا على قادة الاستفتاء وركبوا موجة ما تسمى (المعارضة)، والبعض منهم وبخطوات فاشلة سعوا إلى الوصول للسلطة من خلال الدعوة إلى حكومة الإنقاذ الوطني تارة، والاستقالة من البرلمان والحكومة تارة أخرى، وتبرئة أنفسهم من المسؤولية والتنظير لعهد جديد. وربما، خوفاً من اتهامات بالتخوين أو طمعاً في الحصول على منصب أو تماهياً مع رغبات الأعداء، ادعوا أنهم كانوا يعلمون بأن الاستفتاء، غلطة، بل وتبجح بعضهم بالقول إنه عارض إجراء الاستفتاء، لعدم توفر الأرضية الملائمة، ونصح القيادة الكوردستانية بهذا وذاك ولم تسمع كلامه، ولو سمعوا كلامه لكانت الأمورمختلفة وعلى غير وضعها الحالي.

  هؤلاء انحنوا أمام التافهين، وصدرت عنهم سلوكيات غريبة وعجيبة، وتصريحات تهدف لخلق الفتن، وساهموا في إرباك التجربة الديمقراطية، ومهّدوا دعائياً وتعبوياً وسياسياً، لحكم البلاد بالتسويف وسياسات الأمرالواقع وقرارات ارتجالية وقضائية أحادية خارجة عن الدستور، وأيّدوا مخرجاتها، وظنوا أنّهم بتأييدهم للمسار المعادي للإقليم وبراءتهم من الاستفتاء الشعبي، ستتعزّز شعبيّتهم، وسيفوزون بمقاعد كثيرة في الانتخابات، ولكن تبيّن لاحقا أنّ حساباتهم  الصبيانية في الحقل كانت خاطئة، وذهبت أحلامهم الوردية في البيدر أدْراج الرياح، وثمّ عادوا بأيدى لا شيء فيها. مع ذلك ظل الرهان يداهمهم على أن الشعب طيب القلب وسريع النسيان، ولن يتذَكرَ ماضيهم، وظنوا أن حضورهم المستمر في المشهد السياسي والإعلامي يؤهلم لتولي زمام الأمور أو بعضها، ويساعدهم في تبييض ماضيهم وتضخيم أنفسهم وتعظيم أدوارهم، ومحو ذاكرة الكوردستانيين وتضليلهم بماكينة إعلامية قوية من فضائيات وإذاعات ووسائط تواصل اجتماعي وبخطابات وبيانات ومقالات مدفوعة الثمن من المال الحرام. ولكن تم عزلهم وتهميشهم ويقفون الآن عراة لا يملكون ما يسترون فيه حقيقة فشلهم وينظر اليهم الكثيرون بنظرات احتقار.

وفي المقابل كان هناك أناس كانت لهم مواقف وطنية واضحة تجاه الاستفتاء ونتائجه وتداعياته،  واستمروا على مواقفهم ونهجهم وإبراز الإيجابيات دون مبالغة، ولم يغيروا انتماءاتهم وولاءاتهم وتفاعلوا بإنصاف مع الأحداث والمتغيرات ورفضوا الانحاء لغير الله، وأدرجت أسماؤهم على لائحة المتفائلين، وما زالوا يسيرون بخطى صحيحة وثابتة، ويفكون الألغاز المتراكمة، ويرون أن المراجعة الشاملة لرصد أخطاء الماضي فريضة واجبة، ويتدخلون في الأوقات المناسبة للإشادة بالاستفتاء، وحثّ الكوردستانيين على تحمل الأزمات، ويشاركون في البحث عن الآليات التي يمكن من خلالها تجاوز التحديات في المستقبل القريب، باعتبار أن الأمورغير قاتمة بالمطلق، وأن لا وجود لمشكلة مهما كانت معقدة دون حل حاسم، وبأن ثمة انفراجاً سوف يحدث في البلاد قريباً أنشأ الله.

ليفانت - صبحي ساله يي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!