-
الإخوان والنظام.. حلفاء في تدهور التماسك الاجتماعي السوري
تحمل كل مرحلة عسكريّة في سوريا معها الكثير من الأسئلة الموجّهة إلينا نحن كسوريين، بالتزامن مع نشر خطاب كراهيّة مقيت بين فئات المجتمع، والتغلغل في تفاصيل دقيقة لها ارتباطٌ مباشر بتفكيكِ التماسك الاجتماعي السوري، وبالتالي خلق حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الطويل، الذي يكون فيه الخاسر الأول والأخير هم السوريين وَحدهم.
تهدف القوى المتحكّمة بمصير السوريين، من سيّاسيّين وعسكريين، وفي مقدّمتهم النظام والإخوان المسلمين إلى صنع كاريزما جديدة للشخصية السورية، بعيداً عن فكرة الكرامة، العدالة والحرية، مزخرفةً بكل عوامل التحريض التي تدعو لاستمرار القتل والعنف الواقعي والإلكتروني، مع تنفيذ أجندات كل طرف على حساب تدمير الهوية السورية والانتماء لوطن.
والحال أنّ الكتل السياسية والعسكرية المرتبطة من خلال مصالحها الشخصية والدولية بجانب بعض منظمات المجتمع المدني ذات البعد الإيديولوجي، حاولت أن تمارس نوعاً من التشويه لمكامن الإبداع والتطور لدى السوريين. وهو الإبداع المتعلق بتطوير ذهنية الإنسان، وانفتاحه على الآخر إنسانياً، وبالتالي القضاء على التماسك الاجتماعي الذي كان قد بدأ بالظهور في أولى سنوات الثورة السورية.
هذه النظرية (التماسك الاجتماعي)، كانت من أهم الضوابط التي جَمعت أغلب السوريين حول مفهوم إسقاط النظام والقضاء على عنجهية المفاهيم البالية المرتبطة بنظام عتيق في السياسة، إلا أنه ما لبث أن تحول هذا التماسك إلى حالة نفورٍ واضحة في أغلب المناطق بعد تدخل المنظمات والكتل السياسية المرتبطة بالإخوان المسلمين في سوريا، إذ كانت صفحة "الثورة السورية" التي كان يشرف عليها كوادر من الإخوان، من اللُبنات الأساسية لزرع شعار "فرّق تسُد"، والتي أظهرت فيما بعد إيديولوجيتها الفكرية والتنظيمية المرتبطة بالجماعة.
كانت إحدى أهداف النظام السوري ونظرائه كجماعة الإخوان المسلمين، تدمير الهوية السورية المبنيّة على فكرة العدالة والحرية، وانهيار التماسُك الاجتماعي المتمثل بقوة وعمق العلاقات التي تربط الأفراد ببعضهم من جهة، وبمؤسسات الدولة من جهة أخرى، وهذا ما فقدناه نحن السوريين بعد مرور سنوات من عمر الثورة، حيث أصبحت الروابط السياسية والاجتماعية مشتتة، وبتنا كسوريين بعيدين كل البعد عن الاستقرار السياسي والعسكري، وبالتالي انهيار التوافق والتماسك الاجتماعي بامتياز.
شكّل توافق جماعة الإخوان المسلمين في سوريا مع النظام السوريّ، حالةً انتقائيّة في التعاطي مع الجرائم التي ترتكب في سوريا؛ فإلى جانب قيام الجماعتين بتفكيك بنية المجتمع السوريّ السكّانيّة، تمكّنتا من ترسيخ فكرة التضامن والتعاطف مع الضحيّة على أساس الانتماء المكاني والقوميّ والطائفي. بدا ذلك جليّاً من خلال تعاطف بعض السوريين مع ضحايا نبش المقابر في إدلب، بالمقابل تم غَض النظر عن جرائم مماثلة ارتكبتها جماعات تابعة للإخوان في عفرين، لا بل برّرت تلك المواقف بذرائع غير موفّقة!
الحال ذاته لدى النظام السوريّ، الذي رسّخ فكرة أنّ الثورة السوريّة ستقصي على الوجود العلوي الفيزيائي في سوريا، إذا ما نجحت، في وقت تحاول هي أن تلغي وجوداً فيزيائيّاً لجماعات عرقيّة وطائفيّة أخرى. وهنا شَكّل هذا التوافق أيضاً، تركيبة مجتمعيّة جديدة، وحوّلت سوريا إلى بلاد الحرب الأهليّة الباردة، وإن اقتصرت راهناً على الكراهيّة الكلاميّة بديلاً، ربما مؤقتاً عن حرب ستحصل إن استمرّ تأثير الجماعتين على القواعد الشعبيّة السوريّة.
وفي مُطلق الأحوال، فإنّ حادثة هَدم القبور من قبل عناصر النظام السوري في إدلب، وحالة الانقسام بين السوريين أنفسهم حول الحادثة عند مقارنتها بأفعال ميليشيات سورية مدعومة من قبل تركيا، في عفرين، هي خير دليل على تحقيق أهداف النظام السوري وجماعة الإخوان في سوريا، بالتالي تعليق مشانق السوريين بيد السوريين أنفسهم، والقضاء على البنية الاجتماعية التوافقية فيما بينهم.
تالياً، لن تنتج الحروب ولن تصطحب معها سوى اللطم والقتل والانقسام، وما هذه النتائج إلا دلائل على تدهور البنية المجتمعية، وبالتالي خلق مرحلة جديدة في سوريا، يستمر خلالها النظام وحلفاؤه مع الإخوان باستثمار واستنزاف المزيد من دماء السوريين.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!