الوضع المظلم
الخميس ٢٨ / مارس / ٢٠٢٤
Logo
الإخوان المسلمون ومفهوم الدولة الوطنية.. وجهاً لوجه
عبد العزيز مطر

إنّ مفهوم الدولة الوطنية ومفهوم المشروع الوطني يصطدم كلياً بشكله ومضمونه مع نهج جماعة الإخوان المسلمين، حيث يتبنّى النهج الوطني لدولة ما أو مجموعة أو حزب من مصالح الشعب والوطن الذي يتواجد عليه هذا الشعب، بغض النظر عن انتماء هذا الشعب لإثنية أو عرق ما، لذلك يتعارض المفهوم الوطني جملة وتفصيلاً مع نهج جماعة أو حزب الإخوان المسلمين، بغض النظر عن المسمى الذي يتواجد في هذه الدولة أو تلك.

إن البنية التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين القائمة على العقيدة في التشكيل والسرية وعدم وضوح الأهداف الحقيقية لهذا التنظيم في كل الدول، يجعله دوماً في مواجهة الفكرة والمفهوم الوطني القائم على وضوح الأهداف والرؤية والخطوات لتحقيق المصالح للشعب والدولة.

ومن يتابع نشأة الإخوان المسلمين بكل ما يحيط بها من غموض ومن شبهات منذ تأسيسها على يد حسن البنا، يجد أنها تستند لتشكيل ما يسمى التشكيل الموازي أو البنية الموازية أو الدولة الموازية في الدول التي تنشط بها هذه الجماعة وتعمل على تحقيق أهداف الجماعة بغض النظر عن مصلحة الشعب أو الوطن الذي تتواجد فيه.

وتعتمد جماعه الإخوان المسلمين لتحقيق مفهوم الدولة الموازية لمجابهة الدولة الوطنية والمصلحة الوطنية على أدوات فاعلة، كالسيطرة على منظومات ومؤسسات الدولة الوطنية، كالتعليم والثقافة والتربية، والتي تعتبر المفتاح للسيطرة على الشباب، والذي يمكن من خلال هذه الشريحة السيطرة لاحقاً على مفاصل أي دولة وتحقيق أهدافها، لذلك يبدأ الإخوان المسلمون بإنشاء العديد من المدارس والمؤسسات الثقافية التي تساعد بالتغلغل في أوساط الشباب لتحقيق هذه المآرب. إن محاولة جماعة الإخوان المسلمين في جميع الدول التي تنشط بها إنشاء الدول الموازية والكيانات الموازية التي تتعارض في جوهرها مع مفهوم الوطنية الحديثة والأسس التي يرتكز عليها، ولكنه ينسجم مع فكر وأسلوب وأيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين وأهدافها في الوصول للسلطة والانطلاق لإحياء مشروع الإخوان المسلمين وتحقيق أهدافها بالسيطرة على أي مجتمع أو دولة تنشط بها.

وجميعنا يدرك في واقعنا العربي أن جماعة الإخوان المسلمين لا تعترف بالحدود بين الدول وتستعيض عنها بمفهوم الأمة، وبالتالي تنسف أحد ركائز الدولة الوطنية القائمة على مفهوم الشعب والدولة والحدود التي تتواجد عليها، ومن هنا نجد أن جماعة الإخوان المسلمين تعارض وتعادي التيارات الوطنية في أي دولة، والمثال واضح في الثورة السورية، وفي مصر وتونس وغيرها من الشعوب والدول والثورات التي أفسد تنظيم الإخوان المسلمين بنيتها الوطنية إلى حد كبير خدمة لمشروعه.

إنّ الكيانات الموازية التي تحاول جماعة الإخوان المسلمين إنشاءها عبر مفاهيمها ومؤسساتها، تعتبر التهديد الرئيس لقيم التسامح والديمقراطية التي تعتبر أحد ركائز الدولة والمفهوم الوطني. إن هذه المفاهيم والرؤى التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين في منطقتنا العربية، خصوصاً، والأساليب التي تنتهجها لتحقيق أهدافها، لا تختلف كثيراً في جوهر التنفيذ عن التيارات الشيوعية والنازية المتطرفة وإن اختلف الهدف، فالمشروع بهدفه النهائي واحد، وهو الإقصاء والكراهية والاستبداد وبثّ شعور التفرقة بين أفراد الوطن الواحد والمجتمع الواحد.

إن منهج التسلّط وتفكيك المجتمع والسيطرة على بنيته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ليس وليد اليوم في فكر ومنهج الإخوان المسلمين، وإنما يعود لأفكار وأساليب أرساها المؤسس للحركة، حسن البنا، حيث استدرج الإخوان المسلمون المجتمعات وشرائح واسعة منها عبر الخدمات الاقتصادية للعمل على إنشاء هياكل موازية تواجه الفكر والدولة الوطنية في أي مجتمع. هذه الهياكل تتمثل بصور متعددة تختلف باختلاف المكان أو المجتمعات، فنراها حالياً في مؤسسات الثورة السورية، وفي المعاهد التعليمية وفي المنظمات والمؤسسات، بينما تأخذ صوراً أخرى في مجتمعات أخرى، كمصر، على شكل أحزاب ومؤسسات وقنوات إعلامية ومؤسسات اقتصادية، حيث تتشبه بمؤسسات الدولة لحد كبير، ولكنها ليست جزءاً من هذه الدولة، وإنما موازية لها، والهدف من هذه الصور تعزيز مكانه الإخوان المسلمين الاجتماعية والسياسية، وفرض واقع يصعب على الدولة الوطنية أو المجتمع تجاوزه.

إن حلم السيطرة والوصول للسلطة هو الهدف الأساس لجماعة الإخوان المسلمين منذ البداية، ومرت في العقود الماضية بمحاولات كثيرة في مصر والجزائر وسوريا. تلك المحاولات كلفت الشعوب الكثير من الأثمان الباهظة على الصعيد الإنساني والاقتصادي، وعلى صعيد المجتمع، وما رافق هذه المحاولات من مشاهد وصور الصراع في المناطق والدول التي سعى الإخوان المسلمون للوصول للسلطة، ومن الملاحظ أن الإخوان المسلمين على مر التاريخ كان هدفهم للوصول للسلطة، وإقصاء أي مكون سياسي أو اجتماعي، والظهور بمظهر يحاكي الدولة الطبيعية التي تتخذ شكلاً بعيداً عن مضمونها الإخواني الإقصائي الهدام، وجميعنا يدرك ما يتمتع به المرشد أو المراقب لجماعة الإخوان المسلمين في دولة ما من نفوذ في صفوف الجماعة والقاعدة الاجتماعية لهم بما يشبه صلاحيات رئيس الدولة والحاكم، ليكون أنموذجاً لهيكل موازٍ يحكم وينفذ مصالح وأهداف جماعة الإخوان، بغض النظر عن مصلحة الوطن أو الشعب.

إنّ الصلاحيات التي يتمتع بها المرشد والمراقب في جماعه الإخوان المسلمين لا تشابه إلا ما يتمتع به نظام الملالي في طهران، في مظهر يؤكد التلازم بين جماعة الإخوان المسلمين وبين نظام الملالي، وأوجه الشبه بين الكيانين واسعة ولا لبس فيها، بكل شيء، من المظهر والتنظيم والأهداف إلى المضمون والنفاق السياسي الذي يمارسه نظام الملالي والإخوان المسلمين، الأمر الذي فرض نوعاً من التحالف وتشابه الرؤية في كثير من القضايا، هذا التشابه أصبح واضحاً بشكل كبير مؤخراً، بحيث تأتي تصرفات وتصريحات الإخوان المسلمين والأعمال العسكرية لأجنحة الإخوان المسلمين منسجمة مع أهداف نظام ملالي طهران وحركة حماس، والجهاد الإسلامي خير دليل، والدعم الكبير الذي تقدمه أذرع إيران، مثل الحرس الثوري، لتنظيمات الإخوان المسلمين، كحركتي حماس والجهاد الفلسطيني، من أجل تحقيق مكاسب للمشروع الإيراني في المنطقة، ومشروع الإخوان المسلمين، في الحصول على السلطة اعتماداً على تمدّد المشروع الإيراني في المنطقة.

إن الإلمام بهيكليّة الإخوان المسلمين وتنظيمها وأهداف هذه الجماعة، وعدائها للمسألة الوطنية، يفسر تحركاتها في المعارضة السورية، وفي مصر وفي تونس، ويؤكد في كل يوم ارتباطها بالمشروع الإيراني الفارسي، ويفسر عداء الإخوان المسلمين للمنظومات الوطنية العربية، ويفسر المنهج والأسلوب الذي انتهجته الجماعة في المعارضة السورية، ومحاولة إقصائها لكل المكونات الوطنية في المعارضة السورية، ومحاولتها دوماً الوقوف بوجه أي عمل وطني أو مشروع وطني ليس في سوريا فحسب، وإنما في جميع البلدان العربية، ولا يمكن فصل أذرع إيران الهدامة في المنطقة، كحزب الله اللبناني، دون النظر لتنظيم الإخوان المسلمين، كأحد هذه الأذرع التي تسعى لتكريس الاستبداد، وتكريس التمدّد الإيراني، في المنطقة، كأمر واقع، ومنع أي محاولة لإيقاف هذا التمدد.

 

ليفانت - عبد العزيز مطر

 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!