-
الأهداف البعيدة من وراء مهاجمة السويد
لا يمكن تفسير الهجمة الممنهجة التي تستهدف السويد وتحرّض على العنف فيها بأنّها فقط نشاط عادي لجماعات سلفية إسلامية تسعى لنشر فكرها أو تحصيل مكسب مادي من حصد المشاهدات عبر دغدغة مشاعر المسلمين بعدوان وتآمر الأجانب عليهم، بما يتضمنه ذلك من تحريض قد يؤدي للكراهية والعنف.
فالبعض من هذه المنابر يرتدي القناع ويستخدم أسماء مستعارة، مع عدد كبير من الذباب الإلكتروني المقنع أيضاً، وكأننا نواجه تنظيماً إسلامياً مقنعاً جديداً دعائياً إلكترونياً، يذكرنا بالمنظمات التي نشطت في سوريا والعراق، ولم تخفِ ارتباطها بالقاعدة ولم تتورّع عن ممارسة الترهيب الوحشي، وهي كما ثبت بالممارسة أنها ذات صلات عميقة مع الأنظمة التي تعلمت كيف تخترق تلك المنظمات ثم كيف تنشئها وتستخدمها لضرب المعارضة من ظهرها، ولتبرير القمع والاستبداد كأداة ضرورية لمحاربة الإرهاب الذي يصبح صفة للشعوب المسلمة.
وبالنظر لأنّ كل المشاركين في الحملة هم مصريون، فنحن نتجه للتفكير بوجود نسخة جديدة من داعش مصرية الهوية، قد يكون لها علاقة حتى بأجهزة مخابرات محلية أو إقليمية، بالنظر إلى الغايات والأهداف، والمصالح التي يمكن أن تحققها تلك الهجمة، وهي قطعاً لا تريد الدفاع عن الجالية العربية المسلمة، بقدر ما تستغل ذلك لإحداث اضطراب اجتماعي ينتهي بتنامي الكراهية، وزيادة العنصرية المضادة، التي تزعج السلطات وتجعلها أقل حماسة لانتقاد الأنظمة المستبدة في المنطقة.
إن هذا التحريض له مفعول مزدوج، وهو زيادة التوتر والكراهية المتبادلة في المجتمعات الغربية بين المسلمين المهاجرين وبين المجتمعات، وبشكل خاص، تقوي الإسلام المتشدد والعنيف وتحضره لارتكاب العنف، وبذات الوقت تقوي اليمين المتطرف العنصري الذي يسعى للوصول إلى السلطة، ومجمل شعاراته تتمحور حول طرد اللاجئين والتضييق عليهم والدفاع عن الانعزال الثقافي والاقتصادي، والذي حتماً سيدعم وبقوة الاستبداد وسلطاته في العالم العربي والإسلامي، ناهيك عن إدامة الصراعات فيه كوسيلة للوقاية من غزو هذه المجتمعات لأوروبا.
لقد تضررت الأنظمة الاستبدادية من استضافة المعارضين لها في أوروبا، والذين صاروا قادرين على متابعة نشاطهم المعارض بحرية يفتقرها من هم في الداخل تحت نير القمع، وهي تريد إسكات هؤلاء بالضغط على الدول الأوروبية، وإثارة الفتن فيها، وهي تراهن على تزايد العنف لكي تستعيد تحالفها مع الغرب الذي يتعرض لهجمات الإرهاب، وتستفيد من الدعم الغربي لها كوكيل وشريك في هذه الحرب.
هذا هو المستوى الثاني الأعمق لمنظومة المصالح التي تستفيد من هكذا تحريض، لكن أيضاً هذه الأنظمة هي بطريقة ما أنظمة تنفذ تعليمات من دولة إسرائيل ومسيّرة إلى حدّ كبير من قبلها، وهنا يمكننا الذهاب أبعد في نظام المصالح، حيث لإسرائيل مصلحة في فوز اليمين، لأنّ اليسار السويدي يؤيد بشكل بارز القضية الفلسطينية، وإثارة الكراهية ضد العرب سيخدم فوز اليمين في الانتخابات القريبة القادمة، بحيث يتوقف دعم وتأييد القضايا العربية، وهذا يحتاج فقط لارتكاب أي عنف من قبل العرب هنا، وهو ما تسعى إليه القنوات الإسلامية التي تتوهم أنّها تخدم قضايا العرب والمسلمين.
منظومة المصالح كلها تجتمع بين طرفي الصراع. من طرفنا نحن لا نريد لكلا الطرفين الاستفادة من هذا التحريض، بل نريد إيجاد نظام لتعايش الثقافات وتعاونها في عالم يتجه للعولمة التي يجب أن تكون إنسانية وأخلاقية، ويكون فيها الإسلام المعتدل شريكاً حقيقياً في نظام العالم الموحد القادم.
ليفانت - كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!