الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
استعراض حصاد المتغيرات خلال عام 2021
باسل كويفي

إنّ الأرض البور قد يتم إصلاحها إذا كانت هناك إرادة إنسانية فاعلة ومهيّأة لعمل الإصلاح، لكن المعضلة تتضخم حينما لا تكون الأرض بوراً، بل أرض خيرات وثروات حيث الشعوب في وادٍ وقياداتها في وادٍ آخر.

الأديب الكبير طه حسين تخوّف من تحول الجامعات إلى مدارس صغيرة إن لم تهتم بتنمية الثقافة وتضيف إلى العلم والحضارة إبداعات إيجابية (التطور).

جان جاك روسو الفيلسوف العالمي قال: "الوطن هو أن لا يبلغ مواطن من الثراء ما يجعله قادراً على شراء مواطن آخر.. وأن لا يبلغ مواطن من الفقر ما يجعله مضطراً لبيع نفسه".

وإن شعار آدم سميث، مُنظّر الفكر الرأسمالي: "دعه يمرّ.. دعه يعمل"، يمكننا تطويره إلى شعار رباعي يقوم على "دعه يفكّر.. دعه يقول.. دعه يمرّ.. دعه يعمل".

إن المتغيرات الدولية والإقليمية والمحليّة تدعونا إلى التفكير وإعادة البحث في أنجع الوسائل التي من شأنها تدوير الزوايا للوصول إلى مشتركات وتوافقات تتلاءم مع المتغيّرات الجديدة وتخفف من الأضرار الناجمة عن عدم الإدراك السريع لتلك الاستراتيجيات الجديدة، التي يتمحور معظمها حول المصالح والمنافع التي تحققها لدولها ومجتمعاتها بعيداً عن الأيديولوجيا السياسية التي سادت العالم خلال القرن الماضي حتى انتهاء الحرب الباردة بين القطبين بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وصولاً إلى الحرب في البلقان، التي كرّست قيادة العالم للقطب الأمريكي الواحد.

ولكن استمرار قيادة القطب الأوحد، يتطلّب جهوداً كبيرة وميزانيات ضخمة وأعباء مختلفة أرهقت الإدارات الأمريكية، وأتاحت للدول الأخرى فرصاً للمنافسة على الشراكة القيادية للعالم بعد استيفاء معظم الحوامل السياسية والعسكرية والأمنية والعلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية… وهو حسب اعتقادي، المشهد الجديد في عالم جديد لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بعيداً عن الأحادية القطبية التي لم تُؤتِ ثمارها سوى بازدياد الاضطرابات والفوضى السياسية والأمنية والانحدارات الاقتصادية والانقسامات الاجتماعية والثقافية في الدول التي تسعى للنهوض.

وقد تكون الحرب بالوكالة التي شهدتها منطقتنا الأوسطية في العديد من دولها وتشكلت حلبات الصراع على أراضيها بين الدول الإقليمية والعالمية والمشاريع المختلفة خير دليل على بداية حقبة جديدة للنظام العالمي الجديد الذي بدأت ملامحه تتشكل على حساب شعوب وبلدان المنطقة بشكل عام، التي انعكست عليها سياسات المواجهات غير المباشرة وعلى أراضي الغير، حيث شهدت منطقتنا مواجهات حقيقية وحادة بين المشروع التركي والمشروع الإيراني والمشروع الإسرائيلي ومشروع الحزام والطريق (الصيني) والمشروع الأوراسي (الروسي) مع اصطفافات محلية وإقليمية ودولية مؤيدة لبعضها ومواجهة للأخرى لتحقيق مصالح ومنافع أكبر بعد انتهاء صلاحية مشروع الفوضى الخلاقة (الأمريكي)، إضافة إلى صراعات فرض النفوذ والاستحواذ عبر القوة ذات الحوامل المختلفة (سياسياً وعسكرياً واقتصادياً) بين الدول الكبرى (أمريكا - بريطانيا - روسيا - الصين - فرنسا - الاتحاد الأوربي).

في هذا الإطار أيضاً، تعمل تركيا (حسب زعمها) على أن تكون عنصر توازن جديد من أجل دول إفريقيا الواقعة في براثن المنافسة بين القوى الاقتصادية الكبرى، وذلك بفضل علاقاتها القوية وسياساتها تجاه دول القارة.

وقد تكون الصومال وإثيوبيا وكينيا وليبيا من صُلب المقاربة التركية تجاه إفريقيا متعددة الجوانب والأهداف، التي أدّت إلى حصولها على مكاسب اقتصادية وسياسية مهمة، مع إسناد دور كبير لمنظمات المجتمع المدني التركية، إضافة إلى ميراث تاريخي هام مرجعيته السلطنة العثمانية، دفعها لتكون نموذجاً مهماً للقوى الاقتصادية والعسكرية الصاعدة خارج أوروبا، مع الاستفادة من تجربة السياسات الصينية التي قدمت فرصة بديلة لإفريقيا وكسرت احتكار الغرب، عبر تعزيز العلاقات والتعاون معها في مجالات مكافحة الإرهاب، والتعليم، والعلم، والتكنولوجيا، والزراعة، والبنية التحتية.

وبالعودة إلى المتغيرات المرئية، نلاحظ التوجه نحو اللامركزية والديموقراطية بإصرار أكبر، حيث تتطور عملية قصر استخدام السلطات من قبل الحكومات عن طريق اللامركزية التي يمكن اعتبارها الحل الأمثل لمشكلات ما بعد النزاع، إذ يشكل توزيع الصلاحيات توسيع نطاق الحصول على الخدمات الحكومية والموارد الاقتصادية، والتشجيع على مشاركة المواطنين في العمل العام، على أن تحديد الشكل والتصميم المناسبين للامركزية يُعدّ من أصعب السياسات التي يجب انتهاجها للوصول الى اللامركزية المناسبة للمجتمعات، والتي تستند على معطيات الصراع وأطرافه، وتبرهن على مدى وطنية الأطراف وحرصهم على بلاد موحدة بعيدة عن التقسيم والتجاذبات الإقليمية وبحيث يكون الولاء للدولة الوطنية (اللامركزية الإدارية).

لابد من القول إنّ الفيصل بين سلبيات اللامركزية وإيجابياتها هو الحكم الرشيد والشفاف، الذي يتّسق مع دستور يوضح بدقة علاقة المؤسسات فيما بينها في إطار مبدأ الفصل بين السلطات، كما الاتساق مع المبادئ العامة التي يتضمنها الدستور، كتلك المتعلقة باستقلالية القضاء وسيادة القانون، ومبدأ تكافؤ الفرص والشفافية والنزاهة في التعيين والانتخاب، في إطار دولة قانونية تقوم على مبدأ المواطنة، تتواءم مع التشريعات والقوانين الناظمة التي يتوجب تعديلها لتتوازى مع السياسات الجديدة التي تعزز الأمان والاستقرار والسلام وتهيء للبيئة الاستثمارية الجاذبة للقدرات البشرية والعلمية والمالية، وإلاّ فإن اللامركزية ستشكل مقدمة -لاسيما في مراحل ما بعد النزاع- لاستئثار النخب السياسية باقتسام الغنائم السياسية على حساب الحالة الوطنية. (استناداً إلى بعض أفكار اللامركزية مقال للدكتور محمد شاكر).

"اقتباس مختصر:  د . حسن نافعة "

"يمرّ العالم العربي بمرحلةٍ يُعتقد أنّها الأسوأ في تاريخه الحديث، فبعض شعوبه مهدّدة بالضياع والاندثار تحت وطأة الصراعات والحروب الأهلية والطائفية والقبلية، ومعظم دوله معرّضة، في الوقت نفسه، للتفكك والانهيار الآجل أو العاجل، تحت وطأة آفات داخلية، في مقدّمتها فساد النخب الحاكمة واستبدادها أو ضغوط خارجية والأطماع الإقليمية، ما يدفع بعضهم إلى الاعتقاد بأنه عالم أصبح على وشك الخروج كلياً من التاريخ.

المفارقة هنا أنّ الجيل الذي أنتمي إليه، والذي عاش مرحلة شبابه في خمسينات القرن الماضي وستيناته، لم يكن راضياً عن الدولة الوطنية، حديثة النشأة والاستقلال في ذلك الوقت، ويرى في معظم الدول العربية القائمة مجرّد كيانات قُطرية هزيلة ذات حدود مصطنعة رسمتها المصالح الاستعمارية وحدها، ومن ثم ينبغي إزالتها وإقامة كيانات كبرى تحل محلها تارة تحت مسمّى “القومية”، وأخرى تحت مسمّى “الخلافة”.

هناك صراعات فيما بين الدول العربية، وبين الدول العربية وجاراتها غير العربية. ولأنها صراعاتٌ تفاقمت، في الآونة الأخيرة، وبدأت تأخذ شكل حروبٍ أهليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ مدمرة وباهظة الكلفة إنسانياً ومادياً، يعتقد بعضهم أن المنطقة العربية لن تعرف الاستقرار والهدوء، إلا إذا أعيد رسم خرائطها وحدودها على أسس جديدة تختلف كلياً عن التي تم اعتمادها في اتفاقية سايكس – بيكو عام 1917، حين كانت دول الاستعمار الأوروبي تقتسم فيما بينها تركة إمبراطورية عثمانية آيلة للسقوط. ومع التسليم بأن الحدود التي رسمتها تلك الاتفاقية لم تأخذ في اعتبارها سوى مصالح الدول الاستعمارية، إلا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه تلقائياً هنا ينبغي أن يدور حول الأسس التي يتعيّن الاستناد إليها لتصبح الحدود الجديدة قابلة لتحقيق الأمن والاستقرار وقادرة على استعادة الهدوء للمنطقة.

يفرض علينا الإنصاف هنا أن نعترف بأن فشل الدولة الوطنية في العالم العربي لا يعود فقط إلى التنوع الديني أو الطائفي أو العرقي، وإنما يعود، أولاً وقبل كل شيء، إلى عجز النخب الحاكمة في معظم الدول العربية عن تأسيس نظم سياسية تتّسع لمشاركة كل التيارات الفكرية والسياسية، وتكفل حقوق المواطنة للجميع، خاصة حقوق الأقليات، لكن هل ستؤدّي إعادة رسم الحدود في الوطن العربي على أسس طائفية أو عرقية إلى إعادة الاستقرار والأمن للمنطقة ككل؟ أشكّ كثيراً، وأعتقد أن العكس ربما هو الأصح “.

المتغيرات في عالمنا لم تقف عند السياسة والاقتصاد والثقافة، بل تداركت تغيراتها نحو المتحورات الفيروسية، فأضحى فيروس كورونا متحوراً إلى أن وصل إلى متحور أوميكرون، كذلك فالمناخ ألقى بتغييراته على عالمنا بارتفاع حرارته، مما يُشّكل تهديداً حقيقياً للبشرية ما لم يتم إجراء تغييرات حقيقية في سلوك الإنسان.

عطفاً على اليوم الدولي لمكافحة الفساد 2021، أعادت الولايات المتحدة الامريكية التأكيد على التزامها بالارتقاء بمكافحة الفساد كأولوية أساسية للأمن القومي وركيزة أساسية لقمة الديمقراطية، حيث استضاف الرئيس بايدن، منتصف الشهر الحالي، مؤتمر القمة الأول من أجل الديمقراطية، وهي مبادرة جمعت قادة عالميين للمشاركة والتحدث بأمانة عن التحديات والفرص التي تواجه الحكومات الديمقراطية، كما طلب مؤتمر القمة من قادة الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص العمل معاً لتعزيز أجندة إيجابية للتجديد الديمقراطي.

وتجدر الإشارة في اليوم الدولي للمهاجرين، 18 كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، إلى أننا نشهد هجرات غير مسبوقة، مما يدفعنا إلى التأكيد على الحكومات في جميع أنحاء العالم على تعزيز التعاون في ملف الهجرة وحماية اللاجئين اللذين لا حيلة لهم بعيداً عن التسييس، مع معالجة الأسباب الجذرية للهجرة، وعلى الأخصّ غير النظامية وتداعياتها على المجتمعات البشرية، مع تحديد ضحايا الإتجار بالبشر وإنصافهم، ودعم إعادة إدماج المهاجرين العائدين، وتوسيع المسارات القانونية البديلة، مع الإشارة إلى أن عدم الاستقرار والصعوبات الاقتصادية والانقسامات المجتمعية والتمييز وتغير المناخ كلها عوامل يمكن أن تدفع الناس إلى القيام بهذه الرحلات الخطرة على حياتهم ومستقبلهم.

لقد حان الوقت للتسليم بأن السياسات المتبعة لا يمكن أن تمضي قُدماً بشكل هادف في عام 2022 إذا لم يكن هناك تغييرات حقيقية واقعية، حيث ينطوي الوضع الراهن في عالمنا على العديد من المخاطر، مما يستدعي جهوداً مشتركة وفعّالة ومخلصة لإدارة حزمة الأزمات التي نتعرّض لها بشكل يحقق الأمن الغذائي والصحي والمائي - البيئي وفق سياسات علمية - سلميّة جديدة لتعزيز منظومة حقوق الإنسان والأمن والسلام والاستقرار على كوكبنا.

ختاماً، نؤكد أنّ الوطن أرض تخدشها أظافر أقدامنا صغاراً، وتنساب ذرات ترابها في الشرايين، فتدمع العيون حين تنهمر الذكريات ونسمع أغاني الأوطان ونرددها من قلبنا لا من لساننا، ناشدين وآملين كرامة وحرية وكفاية في أي بقعة تكون لنا فيها راية ونشيد، بعيداً عن حرقة الهجران وامتنان الغفران.

بمناسبة العام الجديد 2022 تمنياتنا للمجتمعات البشرية في التقدم والرقّي وتحقيق السلام العادل المستدام والتنمية الشاملة لخدمة الإنسان في شتى بقاع الأرض.

 

 باسل كويفي

ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!