-
احتجاجات السويداء ومشايخها
شكلت الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها المواطن السوري منذ العام 2011، محطات في حياة الأسر السورية جميعها، فالعديد من الحكومات السورية ما قبل 2011، منذ أواسط العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، كانت ترغب في رفع الدعم عن شرائح طبقية من المجتمع السوري منذ أيام حكومة العطري ونائبه الاقتصادي الدكتور عبد الله الدردري.
لكنها لم تنفذ تلك السياسات إلى حكومة حسين عرنوس التي دخلت في مواجهة واسعة مع المستبعدين من الدعم من المواد الأساسية المقننة في حياة السوريين، من مواد الوقود (مازوت، بنزين، وغاز)، والمواد الغذائية (الخبز، سكر، رز، وزيت نباتي) عن طريق (البطاقة الذكية)، حيث أعلنت حكومة حسين عرنوس استبعاد حوالي (600) ألف أسرة من دعم المواد المقننة، وطلبت من المحرومين من الدعم تقديم اعتراضاتهم ليتم دراستها من جديد.
ومع قرار الحرمان واستبعاد العديد من الأسر حصلت موجة استياء واحتجاج جديدة لدى الأسر السورية بلغت ذروتها في مدينة السويداء وريفها، إذ تداعت الفعاليات الدينية (المشايخ)، والأهلية والمدينة، للتظاهر ضد الإجراءات الحكومية، كتعبير احتجاجي سلمي عن إجراءات الحكومة وطالبتها بالتراجع عن قرارها في رفع الدعم عن المواد المقننة، إلا أن أوساط المعارضة الكلاسيكية في المدينة لم يرق لها سيطرة وهيمنة المشايخ على حراك المدينة على الرغم أنه لأول مرة منذ بداية الثورة تنزل هذه الشريحة (المشايخ) إلى الشارع بهذا الزخم والحضور الواضح مع (أعلام، وبيارق) الطائفة، فبعض القوى الكلاسيكية شاركت عناصرها، مثل (تجمع القوى الوطنية، والهيئة الاجتماعية للعمل الوطني، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان).
وقابلت الحكومة ذلك بتعزيزات عسكرية أمنية وشرطية في مركز المدينة تتألف من عناصر وسيارات تحمل رشاشات حربية تمركزت عند المباني الحكومية، مثل (المحافظة، فرع الأمن العسكري، فرع الجوية، وأمن الدولة).
وتأتي مساهمة شريحة المشايخ في الحراك الشعبي في السويداء، وهي جزء وازن من مجتمع السويداء المحلي الفاعل بعيداً عن المشيخة الرسمية الدينية (الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حمود الحناوي)، بينما الشيخ حكمت الهجري، الشيخ الأول في الطائفة، كان له رأي مختلف، فهو مع الحراك طالما بقي سلمياً ودون إراقة دماء. إن مشاركة المشايخ تعطي الحراك بعداً أهلياً اجتماعياً، بحيث يصعب التصدّي الأمني له، لأن دخول حالة القمع إلى هذا المستوى يحمل بعداً (طائفياً، وسياسياً) من قبل النظام.
فما عملية نقل الحراك من (ساحة الكرامة) إلى مقام (عين الزمان)، وهو مركز مشايخ عقل الطائفة، إلا استخدام واضح الرمزية للمكانة الكبيرة التي يخشاها النظام، ويحسب حسابها لما للوضع الطائفي من حساسية كبرى في المدينة، وما حمل (الأعلام، البيارق، العلم ذي الحدود الخمسة) سوى تيمناً بقيادة سلطان باشا الأطرش الذي وحد الطائفة وسوريا بالعلم الخماسي.
وتحسب مشاركة المشايخ تثقيلاً مجتمعياً للمطالب والحراك لأن هذه الشريحة هي الأكثر محافظة وتقليدية في مجتمع أهل السويداء من الجانب الاجتماعي الديني، وتعود الاحتجاجات لفشل سياسات الحكومة والنظام التي تقوم على الفساد والفقر والإفقار والاستبعاد، وهذا ما يجمع السوريين جميعاً في مناطق سيطرة النظام في جميع المحافظات والمناطق السورية.
وتأتي الاحتجاجات الجديدة التي توقفت بناءً على بيان من منظمي الحراك الذي جاء فيه، أنه "نتيجة المباحثات بمجلس الحراك قررنا أن نعطي مهلة لتنفيذ قرارات أهلنا المحقة ضمن دولة القانون والمؤسسات لا دولة الفساد والمفسدين".
ويؤكد البيان أن هدف منظمي الحراك هو"كرامة الشعب بالدرجة الأولى، وما ينطوي تحت ذلك من العيشة الكريمة التي لا يشوبها الذل والهوان، وذلك بناء على توجيهات من الهيئة الروحية، وهذا لا يعني أننا توقفنا عن حراكنا الشعبي، فنحن مستمرون ولكن لن نسمح لأحد بأن يفوت علينا هذه الوقفة لغايات ومقاصد نحن لا نسعى لها. وبعد هذه المهلة يتم التعامل حسب معطيات الواقع. نحن صناع القرار ونحن من صنع مجد سوريا عبر التاريخ". وهذا أول حراك تتدخل فيه مشيخة العقل بشكل مباشر بعد الحراك (الشبابي، الطلابي) الذي أطلق عليه اسم "بدنا نعيش".
وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ ٢٠٢٢/٢/١٥، أن "مفاوضات غير مباشرة" تجري بين دمشق والسويداء، بعد توقف الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها المحافظة، حيث نسب ريان معروف، مدير (شبكة السويداء 24)، أن مجموعة من منظمي الحراك الشعبي، وناشطين والزعامات المؤيدة للحراك الشعبي "تقدّمت بإعداد ورقة مطالب سترفع إلى الحكومة في دمشق، تحدّد مطالب الأهالي المحتجين".
إن "مجلس الحراك" الذي قرر وقف الحراك في هذه الأيام، وتقديم لائحة مطالب يدخل الحالة في السويداء إلى تماسك والتفاف شعبي غير قابل للفكاك عنها مستقبلاً، سواءً حققت هذه المفاوضات غير المباشرة مع حكومة دمشق أهدافها في إلغاء حالة الحرمان من المواد المقننة في السويداء وريفها أو لم تحقق ذلك، لأن حالة الحراك أوجدت لذاتها قيادة ميدانية وعملية وأدوات تنفيذية إلى جانب مجلس واضح الأركان قادر في كل لحظة مناسبة على الطلب من الأهالي الاعتصام والاحتجاج الميداني بعيداً عن تنظير قوى المعارضة التقليدية ومثقفي المحافظة.
ومن جانب آخر، إن تكتيك التوقف والتفاوض، والتلويح بالنزول من جديد إلى الشارع، قد يجدي نفعاً في هذه المرحلة بتحقيق بعض مطالب الناس، سيكون أفضل من الاستمرار وعدم تحقيق شيء من بوابة من الأفضل، شرط أن يكون أحسن، حيث الصمود عند هذا الموقف على ما يوجد في بقية المحافظات من خراب ودمار ودون حصول موقف تضامي طالب فيه الحراك بقية المحافظات السورية، ولم تستطع هذه المحافظات تقديم شيء للحراك، وبالأخص محافظات (اللاذقية، طرطوس، ودمشق).
وترافق ذلك مع حملة من النظام وشبيحته لشيطنة الحراك، من مقالة المستشارة السياسية لرئيس النظام، بثينة شعبان، التي وصفت المتظاهرين الرافضين لقرار الحكومة برفع الدعم، بالطابور الخامس، وتنفيذهم لأجندات إسرائيلية وأمريكية، بالإضافة إلى تهديدات قائد مليشيات مغاوير البعث، جهاد بركات، مطالباً الجيش والقوى الأمنية بقمع كل من ينزل الشارع ويتظاهر ضد الحكومة. وكذلك بعض صفحات فيسبوك، مثل البعث ميديا، التي وصفت المتظاهرين بـ"الزعران والخارجين على الأعراف والتقاليد والأخلاق الوطنية".
بالإضافة إلى تكهنات بعض المنتقدين للحراك بأن هناك محاولة جديدة لانبعاث "القضية الدرزية في سوريا"، ترابطاً مع زيارة شيخ عقل الطائفة الدرزية، موفق طريف، لموسكو، لنفل مطالب المحتجين في السويداء، إلى الحكومة الروسية، بعد اتصالات مكثّفة مع الزعامات الدرزية في سوريا، عبر اتصالات مع الشيخ "حكمت الهجري"، وكان طريف قد دعا خلال اجتماع عقده في قرية "كفر ياسيف" الفلسطينية إلى "ضرورة تجنيد الرأي العالمي وطرح موضوع الجبل عبر المحافل الدولية، وخاصة أمام القوى العاملة في سوريا ومجلس الأمن الدولي، وذلك من أجل ضمان عودة الأمن والأمان إلى سكان الجبل".
إن ما يتضح من الحركة الجارية، أن العودة إلى الشارع بعد توقف الحراك الاحتجاجي أمر بات في غاية الصعوبة مع تدخل أطراف خارجية نحو الراعي الروسي لنظام دمشق، وداخلية نحو الحكومة السورية في دمشق، إلا إذا كان تعنت حكومة عرنوس في دمشق باتجاه استفزاز الحالة الشعبية في السويداء وباقي المحافظات بطرح أسلوب وطريقة جديدة لوقف الدعم عن المواطنين السوريين جميعاً، خصيصاً مع الإشاعات الواردة عن توقف هذا المشروع مؤقتاً بعد أن أثبت بشكل فعلي أن الحكومة غير قادرة على تأمين سلع المواد الغذائية وغير الغذائية بأسعارها الحقيقية، بعيداً عن (الاستغلال، الاحتكار، والنفقات الكثيرة غير المنظورة).
وكذلك لا تستطيع هذه الحكومة المحافظة على دخل هذه الأسر والمواطن السوري بسبب ما أفرزته الحرب من ممارسات وأنشطة غير شرعية.
فالتفاوت في توزيع الدخل القومي قائم، والأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً على سوء، فإن إخراج أسر سورية من خانة الدعم، سيجعل وضع هذه الأسر أكثر فأكثر فقراً، وتحت خط الفقر الذي تزيد نسبته في سوريا على (90 بالمئة)، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، كما جاء على لسان الأمين العام غوتيرش.
أخيراً.. في تجمع سكاني في مكان واحد يصعب جمع كافة السكان على مطلب واحد، خصيصاً من مدخل احتجاجي، لكن في سوريا الحكومة تعمل على جمع كافة السكان على مطلب واحد، هو استمرار الدعم، ويحصل هذا في محافظة السويداء، وريفها، بعيداً عن ميسوري الحال وفقراء الحال، فهذا الدعم معطى "مواطني"، له علاقة بالجنسية السورية، ومن المقيمين على الأرض السورية من فلسطينيين، الذين يعاملون بحكم السوريين. لذلك سوف تبقى الأوضاع الاقتصادية السيئة مدخلاً للحالات الاحتجاجية التي قد تحصل في سوريا، خصيصاً في السويداء.
ليفانت - ماهر إسماعيل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!