-
أميركا.. وفزاعة المدينة الفاضلة
إنّ البحث عن الدولة أو المدينة الفاضلة الأفلاطونية في أميركا، هو نوع من الهباء المنثور وإهدار الوقت، فأميركا أمة منقسمة، كشفتها الحالة الانتخابية الحالية، وكأنّ لعنات إبادة 18 مليون هندي من (السكان الأصليين)، وثورات العبيد من الزنوج السود، عبر تاريخ 400 سنة من حروب المستضعفين، تلاحق قارة كريستوفر كولومبوس التي قامت على أجساد هؤلاء السود، وسرّ شركاء حرب الاستقلال الأميركي.
فاليوتوبيا حلم مفقود في قارة منكوسة، قال عنها مؤلف كتاب «كسر الحلقة المفرغة لنظام الحزبين»، “لي دروتمان”: «انقسام الولايات المتحدة إلى حزبين كبيرين أمر يُخشى منه بوصفه شراً سياسياً عظيماً»، فكان من المفارقات الانتخابيّة الأمريكية، لانتخابات أقبل عليها أكبر عدد من الأميركيين منذ 120 عاماً، لأكبر حملة انتخابية في تاريخ البلاد، أنفقوا فيها نحو 14 مليار دولار، والأغرب الدعوات الأمريكية التي لا تنقطع في الحملات الانتخابية لتمكين الشباب، في حين أنّ مرشحي الرئاسة، في عقدهما السابع، فأحدهما يبلغ من العمر 74 عاماً، والآخر 78، رغم أنّ الفئة العمرية التي تحسم دائماً أية انتخابات هي الشباب أو بأميركا «جيل زد»، وهم غالباً من مواليد عام 1996.
وعلى سبيل المثال، في الانتخابات الماضية، رغم وصول رئيس أسود مثل أوباما، فلم نرَ نجاح الديمقراطية في ردم الهوة بين الليبراليين والمحافظين والبيض والسود، لتتكرر باعتداءات الشرطة على السود بمقتل “فلويد”، لأنّ أوباما أو غيره من الرؤساء لم يعمل كموحّد لجميع الأعراق والثقافات باختلافها فقط، لأنّه لم يكُن رئيساً إلا من خلال حزب عنصري، همّه الأول الانتصار على الحزب الآخر، ولو على حساب الغير، وهو انعكاس للتشكيك غير المسبوق بين أنصار رمز الفيل ورمز الحمار، لدرجة تبادل الاتهام بالتزوير وسرقة الانتخابات وتصويت قاصرين وحتى موتى أدلوا بأصواتهم وهم رقود بالقبور عبر البريد بعد انتهاء التصويت، وهو ما أدّى لتبادل الاتهامات، وصلت لمحاولة اقتحام مراكز الفرز وإتلاف الأصوات، مُكررة بالمشهد انتخابات الدول الفقيرة، فقتلت خلالها المسار الديمقراطي المزمع، وعدم تسليم السلطة بسلاسة.
لقد أظهرت هذه الانتخابات ما كان مخفياً وراء عباءة الانقسامات السياسية والمُجتمعية، مُنذ عهود ما قبل الاستقلال ونهاية الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، المعروفة بكثافة أصوات الأميركيين الأفارقة فيها، والتي صوتت لترامب رغم اتهامه بالعنصرية، وكذلك فعلت نساء أميركا، وكبار السن، ومع ذلك كلّه، تعدّاهم “بايدن”، على مستوى الولايات لا على المستوى الوطني، أو سواء على صعيد الأصوات الشعبية، أو أصوات الكلية الانتخابية (المجمع الانتخابي)، إذ لم تستطع أميركا تجنّب الحزبية المفرطة، وطغيان شخصنة الانتخابات، مما أسهم في توسّع الفجوة الحزبية، لتبقى في ذاكرة الجسد الأمريكي المُهمل.
ليفانت – حماد الثقفي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!