-
أفاعي في عباءة الثورة: حينما تُغمس الأقلام المسمومة في حبر الخيانة
في أعماق التاريخ، وفي كل منعطفٍ من حركات التحرر والنضال، كانت هناك دوماً أيادٍ خفية، تسعى لإجهاض الأحلام، وخناجر مغمدة في صدور الثائرين باسم الفكر والتحليل، تدفع بالثورات نحو الانكسار والاندثار. الثورة السورية، التي صمدت أمام أعتى قوى القمع والظلم، لم تكن استثناءً من هذه المؤامرات. ومع كل دمٍ سال، وكل روحٍ ارتقت، كانت هناك خيانات تتسلل في الظلام، تحمل شعارات الثورة زوراً، وتخفي وراءها أجندات تطبيعٍ وتواطؤٍ مع العدو.
إنّ زيارة المدعو " محمد سرميني " مدير مكتبي "جسور" و"أبعاد" للدراسات إلى قادة ميليشيات شيعية متورطة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري، تعتبر مثالاً صارخاً على هذا النوع من الخيانة الفكرية. هذه الميليشيات، التي تعد ذراعاً عسكرية لنظام الأسد وحلفائه، لم تكن يوماً طرفاً يبحث عن حلٍّ سلمي أو ينشد العدالة؛ بل كانت القوة الغاشمة التي أحرقت مدن السوريين، وهجرت أهلها، وارتكبت أبشع الجرائم التي وثقتها منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية" ، تقارير هذه المنظمات توثق الجرائم التي ارتكبتها الميليشيات الشيعية في سوريا، مؤكداً على تورطها في انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، بما في ذلك القتل والتعذيب ، و الإبادة الجماعية ، ومع ذلك، يبدو أن " جسور" و "أبعاد" تتجاهل هذا السجل الأسود، وتتجه نحو تبرير ما لا يمكن تبريره ، كيف يمكن إذاً لأي جهة تزعم الوقوف مع الثورة أن تمد يدها إلى هؤلاء المجرمين؟
إنّ هذا التقارب المريب ليس مجرد انحرافٍ عن مبادئ الثورة، بل هو محاولة لإعادة صياغة مفاهيمها، لتحويلها إلى شعارات خاوية، تبرر الخيانة وتفتح الأبواب أمام مجرمي الحرب للإفلات من العقاب. ما يقوم به "جسور" و"أبعاد" هو بالضبط ما حذر منه التاريخ مراراً وتكراراً: تزييف الوعي الجمعي، وإغراقه بسموم الفكر المغشوش، لجعل الخيانة تبدو وكأنها ضرورة سياسية أو حتمية تاريخية.
إن مواجهة هذا النوع من الخيانة الفكرية والتطبيع مع العدو يتطلب يقظة مستمرة وحراكاً واعياً على كافة المستويات. يجب أن يكون لكل من يعمل في مراكز مثل "جسور" و"أبعاد" أن يدرك أن استمراره في هذا العمل يجعله شريكاً في خيانة دماء الشهداء وتضحيات السوريين. الانشقاق عن هذه المراكز وإعلان البراءة منها هو الخطوة الأولى في مواجهة هذا الخطر. ولكن الأمر لا يتوقف هنا، بل يجب أن تتكاتف القوى الثورية لفضح هذه المراكز وأجنداتها، عبر نشر الوعي بين الناس، وتوضيح خطورة السموم الفكرية التي تحاول نشرها.
إن وسائل الإعلام الثورية والمفكرين الأحرار لديهم دور كبير في هذه المواجهة. يجب أن تسخر كل الوسائل المتاحة لفضح هذه الخيانة وكشفها أمام العالم، لتظل الثورة السورية نقية من كل شوائب الخيانة والتواطؤ. إن التاريخ علمنا أن الخيانة، مهما تزينت بثياب الفكر والتحليل، لا تلبث أن تظهر حقيقتها المرة، وأن مصيرها هو السقوط في مزبلة التاريخ. إن الحفاظ على الثورة السورية من هذه السموم الفكرية هو واجب كل من يؤمن بالحرية والكرامة، ويجب أن نكون جميعاً على قدر هذه المسؤولية.
- كيفية مواجهة التطبيع الناعم والسموم الفكرية
لمواجهة هذا التطبيع الناعم والسموم الفكرية التي تهدد الثورة السورية، يجب اتباع آليات متعددة تهدف إلى تعزيز الوعي الثوري، وحماية القيم والمبادئ التي قامت عليها الثورة. ومن بين هذه الآليات:
1- التثقيف والوعي المجتمعي:
- يجب تكثيف الجهود التثقيفية لنشر الوعي بين السوريين حول خطورة التطبيع الناعم وأثره المدمر على الثورة. يمكن تحقيق ذلك عبر تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تتناول تأثيرات التطبيع وكيفية التصدي له فكريًا وسياسيًا.
2- الإعلام الثوري المستقل:
- دعم الإعلام المستقل الذي يعبر عن صوت الثورة بشكل نزيه وغير منحاز. يجب أن يتم توجيه الجهود نحو إنتاج محتوى إعلامي يفضح محاولات التطبيع الناعم، ويكشف عن العلاقات المشبوهة بين بعض المراكز الفكرية والميليشيات التي ارتكبت جرائم ضد السوريين.
3- إعادة بناء الثقة بالقيادات الثورية:
- تعزيز الثقة بين المجتمع الثوري وقياداته من خلال تعزيز الشفافية والمحاسبة، وعلى القيادات أن تلتزم بمبادئ الثورة وأن تكون على قدر المسؤولية في التصدي لمحاولات التطبيع والخيانة.
4- مواجهة الفكر بالفكر:
- يجب الرد على التنظيرات الفكرية المسمومة التي تروج لها بعض المراكز عبر تنظيم حملات فكرية مضادة، تستند إلى توثيق الجرائم التي ارتكبها النظام السوري وحلفاؤه، وتقديم روايات بديلة تدعم قيم الحرية والكرامة التي انطلقت من أجلها الثورة.
5- التنسيق مع منظمات حقوق الإنسان:
- التعاون مع منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية لتوثيق الانتهاكات وفضح الجهات المتورطة في التطبيع مع النظام السوري. هذا يشمل نشر تقارير دورية تسلط الضوء على الجرائم وتبين خطورة أي تقارب مع مرتكبيها.
6- إعادة النظر في مواقف الحركات السياسية:
- من الضروري أن تعيد الحركات السياسية التي تدعي دعمها للثورة النظر في مواقفها واستراتيجياتها، لتجنب الانجرار نحو مواقف تطبيعية قد تلحق الضرر بالثورة. ينبغي أن تكون هناك آليات واضحة لمحاسبة أي جهة تنخرط في علاقات مشبوهة مع النظام السوري أو حلفائه.
وفي النهاية، لن ننسى أن الثورة السورية ليست مجرد حدث عابر، بل هي نضال طويل من أجل مستقبل أجيال قادمة، ولا يمكن أن نسمح للخونة أن يحرفوا مسارها أو يشوهوا معانيها. إن التصدي لهذه الخيانة هو التزام أخلاقي ووطني، يتطلب منا جميعاً أن نبقى يقظين ومؤمنين بحقنا في الحرية والكرامة.
ليفانت: نايف شعبان
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!