الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
أخطبوط في الخليج العربي
عبد العزيز مطر

شهدت منطقة الشرق الأوسط على مر العقود السبعة الماضية صراعات ونزاعات عديدة، واستطاعت منطقة الشرق الأوسط، بشكل عام، والمنطقة العربية، بشكل خاص، تجاوز العديد من هذه النزاعات والصراعات والمحن عبر الاتفاقيات والحوار الذي مهدت له مصالح مشتركة بين مختلف أطراف الصراع القديم في المنطقة، وخصوصاً مسائل الأمن الإقليمي والمسألة الاقتصادية وموضوع مكافحة الإرهاب.

وبالرغم من تلاشي الصراع التقليدي القديم في المنطقة، لم تحظَ منطقة الشرق الأوسط والمحيط العربي الإقليمي بالاستقرار المنشود، والسبب الرئيس في هذا ظهور الخطر الكبير منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي واستفحاله مع مطلع الألفية الثانية، وهو المشروع الإيراني الفارسي في المنطقة، وما رافقه من أصداء له، كالإرهاب والتطرّف، وغيره من أشكال تعتبر وليدة هذا المشروع.

إن هذا المشروع الخطير الذي بدا واضحاً أنه يستهدف استقرار المنطقة وسلامة شعوبها، بشكل عام، ويستهدف المكون العربي بشكل خاص، بكل إثنياته وفسيفسائه التي شكلت منبراً للحضارات على مر التاريخ، مدفوعاً بأطماع كبيرة وحقد دفين يعود لقرون بإقامة الإمبراطورية الفارسية التي يسعى ملالي طهران لإقامتها معتمدين في أسلوبهم على وضع المنطقة في أتون من النيران وتحويلها لمستنقع من الدماء خدمة واستمراراً ووقوداً لهذا المشر وع الذي يعارض في أسلوب تحقيقه كل قيم الإنسانية والأخلاق ولا يشبهه في العصر الجديد إلا الهولوكست النازي، ليتحول المشروع الإيراني كظاهرة تشبه هذا الهولوكوست مع اختلاف المسمى والمنطقة والضحية.

وكان الدرس للشعوب والحكومات العربية مؤلماً جداً عبر التغاضي عن استفحال هذا الخطر وتدميره لدول وشعوب عربية استشرى في مفاصلها، كالداء العضال، وأفقدها قرارها وفتت عضد الأمن القومي العربي، فدرس تدمير لبنان والسيطرة عليه عبر ذراع المشروع الإيراني هناك المتمثل بعصابة حزب الله، مروراً بالدرس العراقي، والدرس السوري الذي كلف الشعب السوري حمام دم انتزع حياة مئات آلاف الأبرياء من الشعب السوري عبر أذرع الحرس الثوري التي تنتشر في سوريا، من حزب الله وزينبيون وفاطميون والقاعدة وداعش وغيرها، وصولاً لليمن وما فعلته آلة القتل  والدمار الإيرانية المتمثلة بمليشيات الحوثي البدائية الإرهابية المتوحشة.

كل هذا يؤكد أنّ مشروع الدمار الإيراني ليس محصوراً بدولة بعينها أو منطقة، بل هو مستمر بالانتشار كالطاعون، وأتت جريمة الأمس التي اقترفها الحرس الثوري الإيراني ونظام الملالي تحديداً عبر استهداف عاصمة عربية جديدة، وهي أبو ظبي، عبر ذراع الحرس الثوري الإيراني في اليمن، المتمثلة بتنظيم الحوثي المتطرّف، لتؤكد ماهية المشروع الإيراني واستهدافه للجميع في هذه المنطقة بغض النظر عن القومية واسم الدولة والشعب، وإن كان للعرب النصيب الأكبر من حقد مشروع الحرس الثوري الإيراني.  

تلك الجريمة تمت باستخدام أسلحة إيرانية سلّمت للحوثي لضرب الاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة والنيل من شعبها واقتصادها استكمالاً لضرب الوجود العربي في المنطقة.

جريمة الخليج تضع الحكومات العربية، بشكل عام، وحكومات دول الخليج العربي، أمام استحقاق، وهو أنهم أمام عدو يشكل خطراً وجودياً على شعوب ومصالح وسيادة هذه الدول، وسياسة الاختباء خلف الأصابع لم تعد تجدي نفعاً مع هذا العدو الذي لا يعير للعلاقات الدولية ولقوانين المنظومة الدولية أي اعتبار، كونه عدواً يسعى فقط للتدمير والهيمنة وسلب قرار المحيط والتصريحات الخجولة والإدانات لجريمة الحوثي هي كذر الرماد في العيون، فالجميع يعلم من فجّر ميناء بيروت قبل أشهر، والجميع يعلم من قتل السوريين ومن دمر العراق ونهب ثرواته، والجميع يعلم أن مليشيا الحوثي لم ولن تمتلك أياً من تقنيات استهداف مطار أبو ظبي من طيران مسيّر وصواريخ بالستية، وهذه الجريمة تمت بأسلحة وخبرات إجرامية من الحرس الثوري الإيراني، وهي استكمال لجرائم الحرس الثوري الإيراني في استهداف الخليج العربي، الذي بدأ باستهداف المملكة العربية السعودية، خلال السنوات الماضية، ليأخذ بعداً إجرامياً أكبر باستهداف أبو ظبي.

هذا الفعل الإجرامي، والإرهاب الدولي، الذي يمارسه نظام الملالي في طهران عبر أذرعه في المنطقة، يتطلب تظافر الجهود الدولية والإقليمية لوضع حدّ لهذا الخطر والابتعاد عن سياسات الاحتواء الغامضة، فالدبلوماسية الناعمة التي مارستها السياسات العربية، بشكل خاص، في موضوع معالجة هذا الخطر واحتوائه، واحتواء أذرعه، والتغافل عن سيطرتها على قرار عدة بلدان عربية، هو أسلوب ثبت فشله في ظل تمادي الإجرام الإيراني، ولا بد من عمل عربي موحد ينطلق من مسؤولية الأنظمة العربية اتجاه تفعيل مسألة الأمن القومي العربي، والبحث عن حلفاء أقوياء في المنطقة يستشعرون هذا الخطر ويهدّد وجودهم أيضاً على قاعدة المصالح والابتعاد عن السياسات العربية التقليدية النمطية في التعاطي مع مسائل الأمن القومي العربي.

الدول العربية مطالبة اليوم باتخاذ موقف صارم وجاد اتجاه العدوان الإيراني على دولة الإمارات العربية، والإدانة لا تكفي، ولا حاجة بتاتاً لاجتماعات وزراء الخارجية العرب، إن حدثت، لبحث هذا العدوان في ظل وجود أربعة من وزراء الخارجية العرب يمثلون الحرس الثوري الإيراني في بلدانهم أكثر من تمثيلهم لدولهم وشعوبهم. المطلوب هو رد سياسي واقتصادي قوي والتحوّل مباشرة ودون أي مواربة لإقامة حلف إقليمي عربي شرق أوسطي لإنهاء هذا الخطر ومعالجته دفعة واحدة.

العقد الماضي كان العراق ولبنان وسوريا واليمن. واليوم العدوان يطال المملكة العربية السعودية والإمارات العربية، وغداً هو الأسوأ إن استمر الصمت العربي على هذا الإجرام المنقطع النظير، ولا يقتصر هذا التفاعل على المؤسسات الرسمية العربية وإنما يجب تفعيل دور الثقافة المجتمعية في المنطقة العربية، وتنمية الوعي لشرح مخاطر المشروع الإيراني وملحقاته، والتوجه لجميع الهيئات والمؤسسات الدولة للمساعدة في كبح جماح المجرم الإيراني الذي يريد أن يحول الخليج العربي لقاع من نيران، مهدداً الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ويجب التعويل على التضامن العربي الإقليمي لمجابهة هذا الخطر، ورسم أبعاده وقطع أذرعه في كافة البلدان العربية، من أحزاب وتنظيمات وغيرها، وإن لم يتم تدارك هذه المحنة، فإن الوجود العربي برمته مهدد، كأنظمة وشعوب وأراض.

ما قامت به أدوات الحرس الثوري من إجرام خلال العقدين الماضيين فاق كل التوقع، وما اقترفته من جرائم بحق الشعوب العربية يعجز الوصف عنها، فإما صحوة عربية اليوم أو إن غداً بلا عرب.

 

ليفانت - عبد العزيز مطر

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!