-
معرض الكتاب.. بين المهنة والروبوت الكاتب
"تعرفين وضعيتي، أنا أعمل بالكاد لتأمين قوت يومي، كيف لي أن أعول عائلة بكاملها؟ وإذا تفرغت للكتابة فكيف لي أن أنعم بالهدوء وسط المشاغل اليومية وهموم الأطفال؟ أنت تعلمين أن الكتابات التي يمليها الجوع لن تكون لها أي قيمة".. هذه العبارات هي للمفكر الكبير جان جاك روسو وهو يكتب لصديقته مدام دو فرانسوي عام 1751، لتبريره تخليه عن أطفاله في مقابل التفرغ لما يُحب ويهوى (الكتابة).
فما يُحرك العملية الإبداعية من ألفُها إلى يائها، ذلك الهاجس الإبداعي الذي يُراود الكاتب بمتعته التي لا تُضاهى، من بذرة الكتابة أو النص (فكرة ما قد نضجت في ذهنه، واستولت على تفكيره ويتلهف للتعبير عنها وتجسيدها)، وشحنته الأولى التي تنزل بوحيها بالصراعات الداخلية التي يعيشها في أي وقت وفي أي مكان، وبلا موعدٍ مُحدَّد أو طقوس مُعينة، لتكون الفطرة التي يختلقها المُبدع وتنسكب كلماته على الورق بسهولة ويسر، في دور الصانع لصنعته بتعديل النص وتهذيبه وتشذيبه وصولاً إلى قالبه النهائي.
والحق إن لكل كاتب أسلوبهُ المُتميز في عمله، "حياة الانفراد"، فقد يبدأ الكاتب عند نزول الإلهام عليه بالفكرة، فبعد روسو بعقود كتب فرانز كافكا مُعبراً عن صراعه الداخلي بين ضرورة العمل لتأمين العيش وتفرغه لهوايته الأدبية عام 1911 ما يلي "ينتابني هلع شديد حين أحس بأن كل جسدي مستعد لعمل إبداعي، بأن هذا العمل سيكون بمثابة حل إلهي سيجعلني أدخل حياة جديدة.. بينما أجدني مضطراً بسبب عملي في المكتب وتحت مسمى بيروقراطية تافهة لاجتثاث جزء من هذا الجسد القادر على هذه الفرحة". وهنا يقول (فكتور هيغو): إن الإلهام هو بمثابة الطائر الذي يخرج من البيضة، فلو لم يتم احتضان البيضة والرقاد عليها لما أفرخت وخرج منها الطائر"، أما الآخر في "حياة مزدوجة" يستحضرها بالاستعداد وهو خالي الذهن من أي أفكار منتظراً أن تزوره تلك، أو تُمطرهُ السماء بفكرتها، وكأنها جزء عضوي في إيقاعي البيولوجي، كما يراها الكاتب الإيطالي البرتو مورافيا بانضباطه الصارم، ولكن كل التجارب لكبار الكُتاب والدراسات دلت على أن 90% من الكتابة الإبداعية صنعة يتم إتقانها بالمران والممارسة الطويلة، والشخص الذي يهرب من عمله لعدم وجود إلهام يخدع نفسه بنفسه ، ليكون الكاتب بين ازدواجية العمل، فمنهم الكاتب الأستاذ والكاتب الصحفي والكاتب الطبيب والكاتب الموظف، ولا أحد منهم يحظى بوضع اجتماعي مستقل كـ(كاتب) لأن وضعه منسوب لمهنته الرئيسة التي تُزاحمُ عالمه الداخلي.
إذاً، وللآن لا شيء تغير، فقلة قليلة من الأدباء يُمكنها تأمين قوت يومهم بالاعتماد على أقلامهم فقط، لأن الكتابة ليست مهنة كغيرها.. وليست "البطة السوداء". وبعد كُل هذا تضحك علينا «غوغل» بخبر "الروبوت الكاتب" الذي يملك شعوراً و«وعياً ذاتياً»، فهل الآلة تكتفي بتطبيق ما طُلب منها أم أنها قادرة على الإبداع؟ وهل يُمكنها أن تحل محل معارض الكُتب وأرففها، فذلك معرض القاهرة الدولي للكتاب.. يبني جسوراً ثقافية مع العالم ويجمعهم بين دفتي كتاب لكاتب جمع على أرض الثقافة العربية صنّاع الأدب والنشر والترجمة من المؤسسات والشركات المحلية والدولية مع القراء والمهتمين.
سيدي الروبوت سيدتي «غوغل» وأياً كان، أنتم كاذبون، فلا تتلاعبون بمهنتنا، إنها قضيتي التي كتبتُ عنها مقالين بصحيفة (ليفانت نيوز) بعنوان (لن أدمر البشر.. ثورة صحفي وروبوت يدعي المهنة)، والأخيرة (أيّها الروبوت GPT-3.. ثورة أنا أو أنت)، فهل يرحمنا الذكاء الاصطناعي ويترك لنا قوت يومنا أم أنه سيفعلها ويندم كما ندم نوبل على تدمير البشرية؟ فوهب ماله بجائزة لا تُعطى إلا لأمثاله ولا يقبلها عاقل، صحيح أنها تخدم العلم، لكن لم تخدمه هو وعالمه الذي يلعنهُ للأزل.
ليفانت - إبراهيم جلال فضلون
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!