الوضع المظلم
الأحد ١٩ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • 11 عاماً على غياب الهرموش.. وبداية المُقايضات بين دمشق وأنقرة

11 عاماً على غياب الهرموش.. وبداية المُقايضات بين دمشق وأنقرة
المقدم المنشق حسين الهرموش \ ليفانت نيوز

بعد اندلاع الحراك الشعبي في السوريا عام 2011، وتوجه النظام السوري لاستخدام القوة العسكرية العاتية في مواجهة المتظاهرين السلميين، بدأت الانشقاقات تصيب جسد جيش النظام السوري، ليعلن يوماً بعد آخر الضباط السوريون الرافضون لأوامر القتل والتنكيل بالمتظاهرين، انشقاقهم عن آلة القتل التابعة للسلطة الحاكمة في دمشق.

وكان من بين هؤلاء، الضابط حسين الهرموش، الذي انشق عقب ثلاثةِ أشهر من المظاهرات الشعبية، وتحديداً في العاشر من يونيو العام 2011، وذلك عقب حملة عســكرية شنها النظام السوري، على مدينة جسر الشغور بريف إدلب، حيث شهدت المدينة ومن ثم كامل إدلب مجــازر عنيفة، قامت بها قوات النظام، وراح بسببها مئات المدنيين العــزل، وفق المعارضة السورية.

حركة الضباط الأحرار

“أنا المقدم حسين الهرموش، أعلن انشقاقي عن الجيش، وانضمامي إلى صفوف شباب سوريا، لحماية المتظاهرين العزّل”، بتلك الكلمات سطر المقدم حسين الهرموش عهداً جديداً في تاريخ الحركة الاحتجاجية السورية، حيث أسس الهرموش "حركة الضباط الأحرار"، التي تحولت فيما بعد إلى "الجيــش السوري الحر".

اقرأ أيضاً: روسيا تُعيد منظومة "إس 300" الدفاعية من سوريا

فمع تزايد حركة الانشقاقات من جيش النظام، كان لا بد من وجود جسم ما يحتضن المنشقين وينظم عملهم وصفوف المقاتلين المعارضين للنظام، وهو ما تنبهّ إلى حسين الهرموش، حيث أعلن الأخير عن تأسيس "حركة الضباط الأحرار"، موجَّهاً نداءً إلى عســكريِّي النظام للانشقاق والالتحاق بهم، للدفاع عن السوريين العزل، والتصدي لقوات النظام، التي تهدف لوأد "الثورة السورية" وتثبيت أركان النظام.

وعقب انشقاقه في شهر يونيو، انتقل الهرموش إلى تركيا واستقرَّ فيها، واستمرَّ من هناك بإدارة عمليات "حركة الضباط الأحرار"، لكن وفي صباح يوم الاثنين الموافق لـ 29 أغسطس من العام 2011، ذهب للقاءٍ مسؤولين أمنيِّين أتراك في أحد مخيَّمات اللاجئين على الحدود السورية التركية، ليختفي بعد ذهابه في ظروف غامضة، وتتمكن بعدها أجهزة النظام السورية الأمنية من القبــض عليه، مع 13 عســكرياً آخرين، من أتباع "حركة الضباط الأحرار"، وهو ما فتح باب مشرعاً على تركيا، لاتهامها بتسليم الهرموش للنظام السوري، لقاء مقابل ما.

انتقام النظام من الهرموش

بعد تمكن النظام السوري من اعتقال المقدم حسين الهرموش، بدأت قواته باجتياح قريته إبلين بجبل الزاوية، حيث ولد المقدم، وحيث كانت تُقيم معظم أفراد عائلته، إذ هدمت 15 منزلاً في القرية بالجرَّافات، بينها منازل تعود لعائلة الهرموش، كما قتل النظام شقيقين له وصهره واعتقل شقيقه وليد، واعتقل اثنين من أبناء إخوته.

اقرأ أيضاً: سوريا.. إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لفئات محددة من العسكريين

وفيما بعد، ظهر الهرموش على شاشة قناة الدنيا الموالية للنظام، وقد بدت على ملامحه آثار ضغط نفسي هائل وتعذيب تعرض له، قام فنيون بإخفائها قدر الإمكان واللعب بالمونتاج لإظهار المقابلة وكأنها طبيعية ليقول، إن الجيش لم يأمره بإطلاق النار على مدنيين، وأن انشقاقه كان بعد "وعود كاذبة" تلقاها من ناشطين معارضين في تركيا فقرَّر العودة إلى سوريا.

الهرموش في سطور

ولد حسين مصطفى الهرموش في قرية أبلين بمنطقة جبل الزاوية في محافظة إدلب السوريَّة وترعرع بها، حيث تنتشر عائلة الهرموش في مدينة إدلب وعدة قرى في جبل الزاوية والحولة في حمص ودوما في ريف دمشق ومدينة جبلة في اللاذقية ومدينة طرابلس وصيدا في لبنان، وفي الفترة بين أعوام 1990-1996 أخذ الهرموش دورة في الهندسة الحــربيَّة في روسيا الاتحادية في الأكاديمية العســكرية الهندسية العليا باسم “كوبيشوف”، وأبرز حينها تفوقاً عالياً وحاز على الدبلوم الأحمر التقني، كما نال دبلوم ترجمة من اللغة العربية إلى الروسية والعكس.

كما اشتركَ الهرموش بالبحث العلمي على مستوى موسكو، وقدَّمَ أطروحة بعنوان “حساب السماكة الواقية للمنشآت النفقية في القطر العربي السوري، عند تأثير الأســلـحة التقليدية وأسلـحـة التدمير الشامل وفي كافة أنواع التربة”، وكانت عبارة عن برنامج على الحاسب بلغة البرمجة باسكال، وأما مشروعه للتخرُّج فقد كان بعُنوان “تصميم منِشأة نفقية للواء صواريـخ نموذج /C_75/”.

اقرأ أيضاً: المرصد: إسرائيل دمرت مستودع صواريخ "أرض- أرض" إيرانية الصنع بسوريا

وخلال العام 1996، عملَ الهرموش بمشروع “مقالع الأحجار الكلسية-1” في دمشق، وفي العام التالي انخرطَ بمشروع “مقالع الأحجار الكلسية-2” في حلب، أما في العام 1998، فقد نُقل إلى مشروع “بلودان-1” في دمشق للعمل كمهندس تنفيذ لمدة عام كامل، وفي أعوام 1999-2001 انتقلَ إلى مشروع 99/د للعمل كمهندس تنفيذ أعمال حفر نفـقي ومهندس الأعمال المساحية، وتولَّى خلالها أعمالاً مختلفة تتعلَّق بأعمال البناء.

في وقت لاحق، التحق حسين الهرموش بقوات النظام، وأضحى ضابطاً برتبة مقدم في الفرقة 11 منه، واستمر في أداء مهامه إلى ما بعد الحركة الاحتجاجية في سوريا، بثلاثةِ أشهرٍ، ثم أعلن انشقاقه عنه، وإلى الآن، لا يُعرف مصير الهرموش، إذ تقول المعارضة السورية إنه شوهد للمرة الأخيرة عام 2013.

روايات متضاربة حول اختفاء الهرموش بتركيا

ورغم أن المنطق والعقل يقول إن السلطات التركية هي المسؤولة أولاً وأخيراً، عن اختفاء الهرموش، إذ كان في حمايتها، فإن هيمنة التيارات السياسية الموالية لتركيا والإسلام السياسي على المعارضة السورية، دفعت بالكثير من أقطاب المعارضة إلى تفادي إغضاب أنقرة، بتجنب توجيه اللوم إليها، رغم وجود شهادات حول القضية، تؤكد تسليم المقدم حسين الهرموش ومجموعة من رفاقه من جانب السلطات التركية، للنظام السوري ضمن المياه الدولية السورية.

اقرأ أيضاً: 6 ملايين حبة كبتاغون.. الأردن يُفشل تهريب مُخدرات من سوريا

وبالصدد، وبين من يجاهر بالمنطق وآخرين ساعين إلى إخفائه، تضاربت الروايات حول كيفية اختفاء الهرموش ووصوله إلى داخل الأراضي السورية، فقالت إحداها إن استخبارات النظام خطـفته من داخل تركيا بعد كمين نصبه له وأدخلته إلى سوريا، فيما قالت الرواية الثانية، أن تركيا سلَّمت الهرموش دون مقابلٍ إلى حكومة دمشق، بينما ذهبت الثالثة إلى فرضية قد تبدو معقولة أكثر، من خلال افتراض أن الهرموش كان جزءاً من صفقة تبادل بين الحكومتين السورية والتركية، قايضت فيها تركيا الهرموش مع 9 أفراد من حزب العمال الكردستاني، كانت تُريدهم من دمشق.

الهرموش كدرس للمعارضة السورية

ولعل الاحتمالية الأخيرة التي تتحدث عن مقايضة تركية سورية، بين الهرموش وأفراد من العمال الكردستاني، رسالة تنبيه واضحة للمعارضة السورية المرتهنة للأجندات التركية، فأنقرة حالياً، وبعد 11 عاماً من تحرضيها على الحرب الأهلية في سوريا، بتغذية الخطابات الطائفية والعرقية وتمويل الإعلام السوري المعارض المنتهج للخطاب المتعالي المتحدث باسم الأكثرية، بدأت بإرسال إشارات الاستسلام للنظام السوري، عبر الحديث عن التطبيع مع دمشق.

ولطالما سعت السياسة الخارجية التركية في سوريا، إلى استهداف مشروع "الإدارة الذاتية" في شمال سوريا، وقد حاولت مراراً، عقد صفقات مع الجانبين الروسي أو الأمريكي، لغزو الأراضي السورية واحتلال المزيد منها، على غرار ما حصل في عفرين ورأس العين وتل أبيض، التي جرى غزوها واحتلالها خلال عامي 2018، و2019.

اقرأ أيضاً: دمار غير مسبوق في "مستودعات الصواريخ الإيرانية" في مصياف غرب سوريا

وبالتالي، ومع إخفاق أنقرة في عقد صفقة تلبي مطامعها مع واشنطن أو موسكو، يبدو أنها باتت مجبرة على التودد إلى دمشق، لتحقيق تلك الغاية، على قاعدة "مقايضة" النظام السوري بمهاجمة وإنهاء مشروع "الإدارة الذاتية" وقواتها العسكرية "قسد"، لقاء تخلي تركيا، عن المعارضة السورية المقيمة على أراضيها، سواء السياسية منها أو المسلحة.

ولربما ستكشف الأيام القادمة عن صفقة ما بين دمشق وأنقرة، سيدفع ثمنها السوريون كلهم، وعلى كل الأراضي السورية، عبر إعادة تعويم النظام السوري، وإعادة سلطاته إلى جميع المناطق السورية، إن في شرق الفرات أو في غربه.  

ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!