الوضع المظلم
الأحد ٠٥ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • 105 أعوام من جزّ المقصلة التركيّة لرقاب ضحاياها من الأرمن إلى الكُرد!

105 أعوام من جزّ المقصلة التركيّة لرقاب ضحاياها من الأرمن إلى الكُرد!
الكُرد


خاص ليفانت



إعداد وتحرير: أحمد قطمة


أحيا الأرمن حول العالم في الرابع والعشرين من أبريل، أي قبل عدة أيام، الذكرى الخامسة بعد المائة للمجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحقّهم عبر ترحيلهم وقتل رجالهم وأخذ أطفالهم كغنائم ونسائهم كسبايا، فيما ترفض أنقرة وريثة القسطنطينية آنذاك، الاعتراف بالجرائم التي ارتكبها أجدادهم بحقّ تلك الأقليّة الإثنيّة، والتي أدّت لتطهير مناطق كثيرة في تركيا منهم.


ولكن لا غرابة، فما نُفذ حينها في عهد العثمانيين، والذي كان بعيداً عن تقنيات التوثيق والتصوير، يمكن استشفاء حقيقته مما تقوم به أنقرة في الوقت الراهن في شمال سوريا من عمليات تحمل صفة التطهير العرقي والتهجير القسري بحق المُكوّن الكُردي، والذي كان بداية من أرياف الباب بريف حلب الشمالي، عبر تهجير القرى الكُردية مع سيطرة مسلحي “درع الفرات” عليها العام 2016، ومن ثم ممارسة التطهير العرقي بحق الكُرد في عفرين العام 2018، والتي انخفضت فيها نسبة الكُرد المُقدّرة تاريخياً بأكثر من 98% إلى أدنى من 40% في أفضل التقديرات، ومن ثمّ تهجير الكُرد ومكوّنات سورية أخرى رافضة للوجود التركي على أرضها نهاية العام 2019، من المناطق الممتدّة بين مدينتي رأس العين وتل أبيض شمال شرق سوريا.


الإحصاءات حول الإبادة الأرمنية


يؤكد الأرمن أنّ الإبادة الجماعيّة طالت مئات الآلاف منهم على أيدي الأتراك العثمانيين إبّان الحرب العالمية الأولى، ففي العام 1915، تمّ إلقاء القبض على آلاف الأرمن بتهمة الاشتباه بالعداء للحكم العثماني، كما قضى قانون خاص صدر بعد شهر بترحيلهم “لأسباب تتعلّق بالأمن الداخلي”، وأُجبر العديد منهم على الذهاب إلى المنفى في الصحراء السوريّة، حيث قتل عدد كبير منهم في الطريق إلى معسكرات الاعتقال أو بعد وصولهم إليها، وتمّ قتل بعضهم حرقاً، وغرق آخرون أو تسمموا أو ماتوا بسبب المرض، وفقاً لدبلوماسيين أجانب وأجهزة أمنية في حينها، بينما أدّت هزيمة تركيا في الحرب إلى إنشاء دولة أرمنية مستقلة في عام 1918، وتقول التقديرات، إنه قد قُتل ما بين 1,2 مليون و1,5 مليون أرمني، حيث كانت السلطنة العثمانية متحالفة آنذاك مع ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية.


اقرأ أيضاً: “الخلايا النائمة” و”القضم على مراحل”.. الاستراتيجيّة التركيّة لإنهاء “الإدارة الذاتية”


وقد دعا رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، في الثالث والعشرين من أبريل، أثناء إحياء الذكرى، تركيا إلى تقديم اعتذارات لبلاده عن “هذه الجريمة ضدّ الحضارة الإنسانيّة”، وقال إنّه بعد أكثر من قرن على هذه الأحداث “لا تزال تداعيات الإبادة قائمة”، قائلاً: “إنّ الجريمة ليست فقط ضدّ هويتنا الإثنية، وإنما ضدّ الحضارة الإنسانية”، وتابع: “إنّ تركيا لم تقدّم أبداً اعتذارات لما ارتكبته”، مردفاً أنّ يريفان تطالب باعتراف رسمي بالمجازر في تلك الفترة على أنّها إبادة.


المصالح الدولية تمنع العالم من محاسبة أنقرة


ورغم أنّ ملف الاعتراف بالإبادة الأرمنية بقي طي الكتمان لفترة طويلة وخاصة من الجانب الأمريكي، نتيجة تفضيله مصالحه على دماء الشعوب الأخرى، ويخشى هو الآخر من ابتزاز أنقرة له بمجازره بحق الهنود الحمر، حيث قال الرئيس اردوغان في الثاني عشر من ديسمبر، إن برلمان بلاده قد يتّخذ قراراً بشأن الإبادة الجماعية للهنود الحمر أثناء “الاستعمار الأمريكي”، رداً على اعتراف مجلس الشيوخ بالإبادة الجماعيّة للأرمن، متابعاً: “هل من الممكن عدم الحديث عن الهنود الحمر في الولايات المتحدة؟، التاريخ المتعلّق بالهنود الحمر وصمة عار في جبين الولايات المتحدة”.


وعليه ينتهج الجانبان المدارة على بعضيهما، رغم المحاولات التي كانت في أكتوبر 2019، لإقرار الاعتراف بالإبادة الأرمنية من جانب واشنطن، عقب الهجوم التركي على مناطق شرق الفرات، والذي حمل في طياته غضباً من بعض المؤسسات الأمريكية، فأقرّ مجلس النوّاب الأمريكي مشروع قانون يعترف رسمياً بمذبحة الأرمن في الثلاثين من أكتوبر 2019، وقالت حينها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، انّها تشرّفت بالانضمام الى زملائها في إحياء ذكرى إحدى أكبر الفظائع في القرن العشرين، القتل المنهجي لأكثر من مليون ونصف من الرجال والنساء والأطفال الأرمن على يد الامبراطورية العثمانية، ثم تبنّى مجلس الشيوخ الأمريكي في 12 ديسمبر 2019، قراراً، اعترف بالإبادة الجماعيّة للأرمن.


اقرأ أيضاً: هل فعلها “أردوغان” وأخرج “الأسد” من حماية “بوتين”؟ -الجزء الأول-


وبجانب واشنطن، ترفض إسرائيل الاعتراف بمذبحة الأرمن كإبادة جماعيّة وتسميها “المأساة الأرمنية”، إذ قال المتحدّث السابق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية عمانوئيل نحشون في إحدى مقابلاته: “إنّ الموقف الإسرائيلي لم يتغيّر، وإسرائيل والشعب اليهودي يظهران تضامناً وتعاطفاً مع الأرمن على ضوء المأساة التي لحقت بهم خلال الحرب العالمية الأولى”، رغم أنّ تركيا الحديثة تتحمل مسؤولية مجازر الأرمن كاملة على أساس معاهدات برلين 1878 وسيفر 1920 ولوزان 1923، حيث إنّها تتحمل المسؤولية انطلاقاً من كونها هي من أخلت بواجب الحماية وقامت بحيازة ومصادرة أملاك تعود للأرمن، والمسؤولية تتحملها بموجب قرارات عصبة الأمم المتّحدة، وعن عدم مقاضاة ومعاقبة مدبري ومنفذي المذابح ومجرمي الحرب.


ترامب المتنصّل من محاسبة تركيا


كما يسعى الرئيس الأمريكي ترامب إلى المراوغة، رغم إدراكه ارتكاب الأتراك للمجازر بحقّ الأرمن قبل 105 أعوام، كـ إدراكه استمرار تلك المجازر في الوقت الراهن بحقّ المُكوّن الكُردي في سوريا، أو حتى بحقّ الليبيين، فأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتزامن مع ذكرى الإبادة في الرابع والعشرين من أبريل الحالي، تصريحات وصفها من خلالها الإبادة بـ”الكارثة الكبرى”، وصرّح في بيان: “اليوم نتذكّر ذكرى الذين عانوا في الكارثة الكبرى، أحد أعظم جرائم القتل الجماعي في القرن العشرين”، واستخدم ترامب عبارة “ميدس ييغرن” (Meds Yeghern)، التي تعني “الكارثة الكبرى” باللغة الأرمنيّة.


وأردف: “منذ عام 1915، تمّ ترحيل وتهجير وقتل 1.5 مليون أرمني، وساهم الكثير من الأميركيين في بناء المجتمع الأرمني”، واستكمل: “نعد بأن نأخذ العبرة من دروس الماضي حتّى لا تتكرر تلك الأحداث مرة أخرى، ونرحب بجهود الأرمن والأتراك في التعامل مع تلك الأحداث وتقبّلها”.


اقرأ أيضاً: المرتزقة السوريون في ليبيا، من بيع الأرض إلى بيع الذات!


ولكن الغريب أنّ تصريحات الرئيس الأمريكي تدينه قبل أن تدين تركيا، حيث تنصل ترامب من إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي لأحداث العام 1915 كـ”إبادة جماعية” للأرمن، فقالت الإدارة الأمريكية في السابع عشر من ديسمبر 2019، إنّها لا تعتبر عمليات القتل الجماعية للأرمن كـ”عمليّة إبادة”، وذلك في مسعى لاسترضاء تركيا، وأفادت الخارجية الأمريكية، بأنّ الرئيس ترامب، لا يؤيّد قرار مجلس الشيوخ.


وعليه، يبدو أنّ عذابات شعوب الشرق الأوسط ستتواصل على يد العثمانيين وأحفادهم الأتراك، ولن يختلف أي شيء في تلك المجازر سوى التواريخ والضحايا، فيضحى معها على سبيل المثال، الكُرد في عفرين 2018، صورة متطابقة إلى حد كبير عن الأرمن العام 1918، ورغم أنّ الفارق مئة عام، فإنّ بقاء الجلادين دون حساب، لم يثنيهم عن جرائمهم، بل شكّل دافعاً لهم لمواصلة ترهيب باقي الملل، دون أن يُعلم من سيكون دوره اللاحق على المقصلة التركية بعد الأرمن والكُرد؟!


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!