الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
 تطورات الموقف الأمريكي والروسي حول أوكرانيا
كمال الزغول

من خلال دراسة تطورات الموقف الأمريكي حول أوكرانيا، نجد أن المسار الاستراتيجي الأمريكي لا يرتبط بما يجري على الأرض، ففي المؤتمر الصحفي، قبل يومين، لمستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، توقع استمرار العمليات الروسية ضد أوكرانيا في الشمال والشرق والجنوب، كمبرر لاستمرار المساعدات الأمريكية، من صواريخ وآليات مدرعة وطائرات درونز.

وعلى الجانب الأوكراني، توقع أيضاً استمرار القوات الأوكرانية في الصمود والقتال والمقاومة. أما على المسار الإنساني، قال سوليفان إن جمع الأدلة حول المقابر الجماعية الأوكرانية مهم جداً وستستمر الولايات المتحدة في العمل عليه.

وعلى صعيد انسحاب القوات الروسية من بعض المواقع، اعتبر سوليفان الانسحاب الروسي على أنه إعادة تموضع لتثبيت إقليم دونباس الأوكراني بالرغم من أن القوات الروسية لم تحقق الأهداف التي دخلت أوكرانيا من أجلها، ومنها احتلال كييف العاصمة، وإسقاط حكومتها، وتغيير التوجه الغربي فيها. ونتيجة لعدم تحقق تلك الأهداف الروسية، لجأت روسيا إلى مسار المفاوضات، لكن هذا المسار التفاوضي بين روسيا وأوكرانيا من الممكن أن يكون طويل الأمد لأن الشروط الروسية صعبة جداً على الجانب الأوكراني ولا تتوافق مع الخطط الغربية. فروسيا ترفض شمول شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس في المسار التفاوضي، بالإضافة إلى شرط آخر صعب، وهو ضمان عدم تدريب قوات أجنبية للقوات الأوكرانية على أراضيها، وهذا لا يتوافق مع الخطط الغربية.

الخطط الغربية تسير على قدم وساق في صياغة النظام العالمي الجديد، ليس من خلال حرب عالمية عسكرية تعرضية ثالثة، وإنما من خلال "حرب عالمية اقتصادية أولى"، وأكبر مثال على عالميتها هو كسر نظام "العولمة" اقتصادياً من خلال عزل منطقة جغرافية واسعة اقتصادياً تتمثّل بدولة عظمى، وهي روسيا، وحرمانها من التبادلات التجارية العالمية.

بعض مؤشرات انتظام استمرارية الأزمة الأوكرانية لدى الدول الغربية هي ميزانية الدفاع التي طلبها الرئيس بايدن من الكونجرس بمقدار 773 مليار دولار لعام 2023، وهو رقم عالٍ مقارنة مع السنوات السابقة، وهذه الميزانية تتناسب مع أهداف استراتيجية يُحضر لها ما بعد عام 2023.

فمن ضمن الخطط الأمريكية، ما ألمح إليه الجنرال تود ولترز، قائد القوات الأمريكية في أوروبا، حيث نصح بوجوب وجود قوات دائمة في أوروبا الشرقية، وهذا ما أكده رئيس هيئة الأركان المشتركة، الأمريكي الجنرال مارك ميللي، وبالمناسبة، هذه الميزانية كان قد تم طلبها قبل الغزو الروسي، أي بمعنى أن الأزمة الأوكرانية هي "عنوان فرعي" في الاستراتيجية الأمريكية من أجل منافسة روسيا والصين.

الخلاصة.. هناك تصميم روسي على خلق أجواء في إقليم دونباس مشابهة للأجواء التي تم إيجادها في شبه جزيرة القِرم، ولذلك هاجمت العاصمة البعيدة لتأمين المناطق الشرقية القريبة وأتبعتها بمسار تفاوضي لكي تعيش تلك الأجواء "القِرمية"، وهذا يعني وجود مسار "كر وفر" لعقدين من الزمن على الأقل حول وضع لا مُتغير وثابت، في المقابل الاستراتيجية الغربية سائرة باتجاه واحد شامل ضمن وجود عسكري أطلسي - أمريكي دائم في أوروبا الشرقية، واعتماد بديل جديد للطاقة الروسية وإضافة عقوبات اقتصادية على واردات الفحم الروسي، ومن الممكن مع اشتداد العقوبات أن تُمنع السفن الروسية من الإرساء في الموانئ الأوروبية.

وفي النهاية، مهما كانت النتائج، لا تأثير للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا على الخطة الغربية المرسومة مسبقاً، وإن مضى بوتين وزيلينسكي في مفاوضاتهما المستقبلية. 

 

ليفانت - كمال الزغول

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!