-
ما الذي يمكّن الحوثيين على الاستمرار؟
ستة أعوام مضت على الإنقلاب الذي قاده الحوثيون ضد الحكومة الشرعية اليمنية واجتياحهم صنعاء، تاريخ غيّر ملامح اليمن، بسطت من خلاله إيران ذراعها على اليمن بعد سورية والعراق ولبنان. ومع احتدام المعارك الحالية التي يدعمها التحالف العربي بقيادة السعودية، لا يزال الحوثيون يسيطرون على العاصمة، ويجيدون استغلال كل تفاصيل الصراع لمصلحتهم، من نهب لمقدرات البلاد إلى العلاقات القبلية والحزبية وحتى المفاوضات الأممية.
ويمكن أن نرجع قدرة الحوثيين على الاستمرار رغم تهاوي جبهاته العسكرية، والخسائر البشرية الكبيرة، التي يتكبدونها في المعارك الجارية إلى عدة أسباب، مثّل استيلاء الحوثيين على المقدرات العسكرية للدولة اليمنية مخزونا كبيرا من الأسلحة الصاروخية والثقيلة، بعد تعاونهم مع نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قبل انقلابهم عليه وقتله أول ركيزة بها. يضاف إلى كل ذلك الدعم الإيراني المستمر عن طريق المهرة وحضرموت، وبعض الشحنات المهربة في قوارب الصيد، كالشحنة الصاروخية التي أعلنت ضبطها فرقاطة أمريكية قبل أيام.
لكن ما يفرضه الحوثيون وما يملكونه على مدى الأعوام التي تلت سيطرتهم على اليمن عوامل لا يستهان بها أيضا:
تجنيد قسري واستغلال للفقراء
تشير التقارير الأممية والحقوقية إلى أن الحوثيين يمارسون التجنيد القسري بحق اليمنين الذي يعيشون تحت سيطرتهم، وذلك في محاولة منها لسد العجز الحاصل على الجبهات جراء الخسائر الجمة التي يتكبدونها خلال المعارك ضد الجيش اليمني. فقد سجل مقتل المئات من مقاتليهم على جبهات نهم قرب صنعاء وفي محافظة الجوف وحدها مطلع الشهر الحالي.
وقال مصدر صحفي يمني لــ ليفانت نيوز أن الحوثي يمارس حملات تجنيد تصل في بعض الأحيان إلى ألف حالة تجنيد يوميا. وأضاف المصدر أن الحوثي يستغل حالة الفقر التي يعانيها اليمنيون لأجل تجنيدهم أيضا وارسالهم إلى الجبهات. إضافة إلى اتهامات متواصلة من منظمات حقوقية وتقارير أممية وصحفية أكدت تجنيد الحوثيين مئات الأطفال ضمن صفوفهم. وفقا لتقرير وزارة الشؤون الإجتماعية في الحكومة اليمنية، فقد جنّد الحوثيون 23 ألف طفل منذ الانقلاب الذي نفذوه في اليمن، كان 2500 طفل خلال عام 2018.
ماكينة إعلامية
ابتداء من شعاراته المستمدة من المحور الإيراني في العداء لأمريكا وإسرائيل، وصولا إلى ماكينة إعلامية هي ذراعه الأطول التي يستخدمها للاحتفاظ بحاضنته ومؤيديه، أو حتى من يقيمون بشكل قسري في المناطق التي سيطر عليها بعد الإنقلاب. يملك الحوثيون قنوات ومواقع إلكترونية تتحدث عن الانتصارات على مدار الساعة. حتى أنه نجح بإقناع مؤيديه في مرات عدة بأن قواته سيطرت على منطقة نجران داخل المملكة العربية السعودية. كما أن يحترف تزوير ما الوقائع عبر وسائل عديدة، فقد ألقت الأجهزة الأمنية بنقطة الفلج بمأرب القبض ع. سائق غحى الشاحنات وهو يصور صفاً من الشاحنات، إضافة لأماكن حول النقطة، ويقول معلقا: هاهي نقطة الفلج تسقط في يد "أنصار الله"، مرددا شعارات الحوثيين أمام شاشة تلفونه، وخلف مقود قاطرته.
بالإضافة إلى وسائل الإعلام المحلية التي يمتلكها الحوثيون، إلا أنها ولأسباب تقنية وأخرى حرفية ليست كفيلة لترويج روايته حول ما يبثه من تضليل، أو تصديق ما يذيعه عن سيطرته على مدن بأكملها، وهو ما تتكفل به وسائل إعلام تعود للمحور الإيراني نفسه، وتتعداها لقنوات هي الأشهر على الساحة العربية، والتي تتلقف روايات الحوثي وتعيد تدويرها بطريقة أشد احترافية، ما يجعلها أكثر رواجا وقابلة للتصديق على مدى اوسع، كما حدث إثر تبنيه الهجوم على محطة أرامكو داخل الأراضي السعودية، والتي تولت تلك الوسائل الترويج لها وكأنها واكبت تفاصيل العملية.
كما تقوم تلك الوسائل بترويج رواية الحوثيين بأن التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية هو قتال ضد اليمنيين، مستغلة المعاناة الإنسانية والكوارث الصحية التي يعيشها اليمن. وهو ما دفع العديد من الحكومات مقاطعتها لجهود التحالف ووقف تزويده بالسلاح، كألمانيا.
مصادر تمويل يصعب تجفيفها
للحوثيين مصادر تمويل مختلفة، ولا تقتصر على ما تبرزه وسائل الإعلام المناوئة لهم على كونها دعما إيرانيا خالصا. فيما تشير المعلومات إلى تعدد مصادر التمويل لدى تلك المليشيات، أبرزها:
الخمس: والذي يعد المصدر الأول لمليشيات الحوثي، ويستند الحوثيون فيها إلى تأويلات للقرآن ترى أن الخمس، وهو فرض مالي محدد بنسبة 20%، يكون تحت تصرف "الإمام" يخصص جزء منه لصالح “آل البيت” الذين يتصلون بالنسب إلى النبي محمد. حيث يرى عبد الملك الحوثي، بأنه من نسل علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء. والذي سعى لفرض تعديل على القانون اليمني الذي يفرض زكاة على المعادن والكنوز إلى تحويله كخُمُس يجبى من كافة المعادن، بما فيها المملوكة للدولة اليمنية حتى لو تم إخراجها بالبحث والتنقيب، الذهب والفضة.. والنفط والغاز.. وكل ما كان له قيمة من المعادن صح الاستثمار فيه كالمياه المعدنية"..
البنك المركزي اليمني: الذي نهبت مليشيات الحوثيين خزينته على مدار العامين اللذان بقي البنك تحت سلطتهم، وذلك عقب اجتياحهم العاصمة صنعاء 2014، والتي لا تزال تحت سيطرتهم حتى اليوم. قبل نقل المقر الرئيس للبنك إلى عدن في آيلول 2016 .
قطاع الاتصالات: والذي تحول بشكل كامل لسلطة الحوثيين، إضافة لشركات الهاتف والجوال والجهات التابعة لهما، والتي باتت موارد مالية رئيسية، لتمويل الحوثيين. فقدبلغت عائدات شبكة الاتصالات وحدها 280 مليون دولار عام 2019، وذلك بحسب ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط. إضافة إلى ضرائب فرضتها لمبيعات والفواتير وكروت الشحن وشركات الاتصالات العامة والخاصة.
المرافئ البحرية: وعلى رأسها ميناء الحديدة الذي فرضت الأمم المتحدة على الجيش اليمني والتحالف العربي هدنة قبيل تحريره بالكامل. والذي بلغت عائداته في الربع الأخير من عام 2019، بــ 23 مليون دولار، وذلك بحسب لجنة حكومية يمنية، تعود في غالبيتها لمليشيات الحوثيين.
عمليات المصادرة والسطو المسلح: إضافة للأتاوات وفرض الضرائب الجائرة على اليمنيين، لايكاد يمر وقت طويل إلا وتتحدث فيه وسائل إعلام الحوثي عن عمليات سطو مسلح قام مجهولون استهدفت أحد محلات الصرافة وكبار التجار. فيما تتبنى المليشيات تلك العمليات بشكل رسمي، وذلك بذرائع امنية تسلب من خلالها أموال التجار والمحلات التجارية. كما ذكر تقرير لجنة الخبراء الأممية، مطلع شباط الحالي، بأن الحوثيين سيطروا على شركات وممتلكات خاصة لسياسيين ورجال أعمال وبرلمانيين معارضين.
كما يمثل نهب المساعدات ومواد الإغاثة المقدمة من الأمم المتحدة ودول التحالف العربي ومنظمات إنسانية مختلفة أحد مصادر تمويل ميليشيا الحوثي، فقد سبق أن اعترف يحيى الحوثي، وهو شقيق عبد الملك الحوثي، بسرقتهم مواد الإغاثة التي أرسلتها الأمم المتحدة. إضافة لاتهامات أممية بعبث الحوثي بشحنات الإغاثة التي ترسلها إلى اليمنيين، واتهامه بإساءة توزيعها واستخدامها، ما جعلها تهدد بإقاف السماعدات المرسلة إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
يبدو من كل ما سبق أن لا حل سياسي يكفل تراجع الحوثي عن مشروعه المدمر لليمن، والذي يدور في الفلك الإيراني بعيدا عن مصلحة اليمن وجيرانه، لكن الغريب في الشمهد اليمني هو الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة، والمواتي للحوثيين كليا، وذلك بفرضها هدنا على الأطراف اليمنية تزامنا مع أي تقدم يحرزه الجيش اليمني، كما حدث إبان قرب الجيش من تحرير ميناء الحديدة، والذي تكرر اليوم مع التقدم الذي يحرزه الجيش اليمني على جبهاتها، و فرض المبعوث الدولي "حلا سياسيا" عقب اقتراب الجيش اليمني من صنعاء التي تبعد 40 كم من الجبال والوديان فقط، وذلك وفقا لمصدر صحفي يمني متخصص.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!