الوضع المظلم
الثلاثاء ٠٥ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
عندما يتحول تنظيم داعش الى حزام أمن  وجدار صد لتركيا
عندما يتحول تنظيم داعش الى حزام أمن وجدار صد الى تركيا

مابعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ومقتل بن لادن عام 2011 والتنظيمات المتطرفة، تحولت إلى تنظيمات غير مركزية، بعد أن أصبحت قياداتها مطاردة من قبل أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية. وتحولت قياداتها ربما إلى"رمز"، تغذي الايدلوجية المتطرفة، ماعدا تنظيم داعش أو مايسمى بـ" الدولة الإسلامية" كان غير ذلك، ليعلن"خلافته" في الموصل والرقة عام 2014. كانت التنظيمات "الجهادية" خلالها تعيش حالة التراجع ماعدا تنظيم داعش كان يبزغ نجمه من جديد ضمن مفهوم "الحوكمة" وإدارة "الدولة" فإلى أي حد هذا التنظيم كان متماسكاً بالفعل من الداخل انذاك؟ والى أي حد من التحضيرات والتدابير التي اتخذها هذا التنظيم لكي يعلن "دولته"؟، الموارد البشرية، الموارد المالية، ومستلزمات الحوكمة، توفرت له، في الوقت الذي كانت التنظيمات الأخرى مطاردة. زعيم تنظيم داعش، عواد البدري، المكنى بالبغدادي والقرشي، رغم الشكوك حول نسبه، يعتلي منبر جامع الموصل، النوري الكبير عام 2019، ويظهر على الهواء مباشرة وسط جموع المصلين ويغادر المسجد، دون أي محاولة لاستهدافه، وهذا مايثير الكثير من الشكوك حول من يقف وراء هذا التنظيم.


ترك تنظيم داعش يتنمّر


مايزيد بالأمر تعقيداً حول تنظيم داعش، أن التحالف الدولي، لم ينفذ عمليات ضد التنظيم إلا بعد مرور أكثر من ثلاثة سنوات على "خلافته" في الموصل، ورغم ذلك كان التحالف وقيادات البنتاغون تقول بأن، إستعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش تحتاج سنوات أطول. استطاعت قوات النحبة الأميركية اصطياد رؤوس الخط الثاني من تنظيم داعش: أبرزهم أبو مسلم التركماني وأبو علاء العفري وآخرين، لكن لم تستهدف أبو بكر البغدادي.


حكومة بغداد أنذاك، هي الأخرى تركت تنظيم داعش، ليصل إلى "حجم الدولة" لأغراض سياسية، استخدمت أنذاك تنظيم داعش "مصدر تهديد للعراقيين" من اجل تنازلهم عن أبسط شروط الحياة اليومية. احتلال داعش للموصل، سبقته تدابير تورطت بها حكومة بغداد أنذاك من أجل ضخ قيادات جديدة إلى تنظيم داعش وتعزيز " دولته" ليكون مبرراً للتدخل الإيراني، وتقوية الميليشيات داخل العراق.


لماذا اختار تنظيم داعش مدينة الموصل عن غيرها من المدن أو المحافظات العراقية، ليعلن خلافته؟ رغم أن معقله كان في غرب بغداد وعند مدينة الأنبار ؟


ألا يتعلق ذلك بأسباب تاريخية وجيوسياسية في المنطقة؟ والمقصود هنا العلاقة مابين تركة وبقايا الدولة العثمانية، وأطماع العثمانيون الجدد في العراق وسوريا. سياسة اردوغان تجاه العراق وخاصة مدينة الموصل وكركوك التي يتركز فيها الأقلية التركمانية، هي الأخرى شهدت تصريحات تعكس أطماع أردوغان وأعضاء حكومته في العراق. مدينة كركوك شهدت زيارات لمسؤوليين كبار أتراك لمدينة كركوك بدون موافقات أو تنسيق مع حكومة بغداد، وهذا ما يتنافى مع العلاقات الثنائية والدبلوماسية مابين البلدين.

لقد اجتاح تنظيم داعش مدينة الموصل، وكانت القنصلية التركية، في مأمن وتم إطلاق سراح موظفيها ورعاياها من قبل تنظيم داعش، في الوقت الذي كانت عناصر تنظيم داعش تقطع الرؤوس وتبث الصدمة والرعب، بين الناس.


تنظيم داعش حزام صد لتركيا


مراجعة بسيطة لخارطة تنظيم داعش وللمناطق التي يتواجد فيها، نجدها تمثل "حزام أمان لتركيا" هي حزام تركيا، تنظيم داعش نشر قواته على حدود تركيا مع العراق ومع سوريا، خاصة مدينة البعاج وتلعفر التي أصبحت واحدة من معاقل تنظيم داعش، جرابلس السورية لا تبعد إلا بضعة كيلومترات عن الحدود التركية وكذلك إدلب، التي أصبحت" مركز للتنظيمات المتطرفة والمتحالفة علناً مع حكومة أردوغان. تنظيم داعش عام 2014 كان يهدد العاصمة العراقية بغداد على بعد عشرات الكيلومترات، لكنه انسحب ليتمترس عند الحدود التركية. هدف أردوغان هو محابة الأكراد وليس محاربة التطرف والإرهاب.


نتذكر جيداً عمليات الجيش التركي (درع الفرات، غصن الزيتون و نبع السلام) جميعها كانت تصب في صالح تنظيم داعش، العمليات العسكرية، في استعادة السيطرة لأراضي شمال سوريا، كانت بعيدة عن المواجهات العسكرية مع داعش، لم نشهد ضحايا ولا أسرى، إلى حد يمكن وصفها مبادلة في القوى وإعادة تموضع مابين القوات التركية وتنظيم داعش.


هذا بعض مايحصل أمام أعين العالم، لدولة فاعلة داخل الناتو ! وهذا مايثير الكثير من التساؤلات حول الجهات التي دعمت تنظيم داعش أو اتبعت سياسات غض النظر، ليتنمّر تنظيم داعش في المنطقة. الحقائق على الأرض في سوريا والعراق وحتى في ليبيا كشفت كيفية إستخدام تنظيم داعش والجماعات المتطرفة، ورقة ضاغطة على دول المنطقة، من أجل فرض سياسات دولية وإقليمية وكذلك السيطرة على ثرواتها.


داعش ورقة سياسية ضاغطة


القوات الأميركية كانت تبعد بضعة كيلومترات عن معقل تنظيم داعش في الباغوز السورية، ولم تشن عليه الضربات الجوية لدعم القوات الكردية قسد إلا في شهر مارس 2019، وكانت ارتال داعش تتحرك بشكل طبيعي أمام القوات الأميركية وأيضاً الجيش التركي، هذا المشهد أيضاً يعيدنا بالذاكرة إلى أرتال ناقلات النفط لتنظيم داعش التي كانت تتحرك تحت سيطرة الطيران الأميركي.


أردوغان كان يستورد النفط العراقي من تنظيم داعش مباشرة عند الحدود، لتتحول تركيا إلى ساحة بديلة تقدم الدعم اللوجستي والإعلامي والسياسي إلى تنظيم داعش، ضاربة قرارات مجلس الاأن.

اليوم أعلنت الولايات المتحدة مقتل زعيم تنظيم داعش، لكن هل الصفقات السياسية والأبواب الخلفية مع تنظيم داعش انتهت؟ بدون شك هي لا تنتهي وهي لعبة شرعنتها أجهزة الاستخبارات، ومنحت لنفسها الحق في ذلك، وهذا مايستوجب على دول المنطقة التنبية والمحاسبة إلى تلك السياسات التي هددت ومازالت تهدد أمنها الوطني والإقليمي.


قتل البغدادي لايعني نهاية تنظيم داعش

قُتل بن لادن والقاعدة مازالت تنشط والظواهري، يطل علينا بين فترة وأخرى برسائله التي تحرّض على الإرهاب، واليوم إن صح مقتل البغدادي، مازالت وسائل الإعلام تضخّم قيادات هذا التنظيم ومخاطره، ليس من أجل محاربة التطرف والإرهاب، بل من أجل السيطرة على ثروات دول المنطقة وفرض سياساتها.


التوصيات


ما تحتاجه دول المنطقة اليوم، أن يكون هناك تحالف إقليمي لمحاربة الإرهاب، بديلاً للتحالف الدولي، الذي أصبح في حكم المنتهي في اعقاب الانسحاب الأميركي وتخلي ترامب عن التزاماته في دول المنطقة. وتبني دول المنطقة سياسات ديمقراطية أكثر والتخلي عن الأحزاب الشمولية، والدعوة إلى التعايش السلمي بين دول المنطقة.


باحث في قضايا الأمن والإرهاب ـ بون




 

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!