-
عندما تتحوّل مليشيا "الجيش الوطني" للارتزاق، تضحى اللصوصيّة تحصيل حاصل!
في الوقت الذي كان فيه السوريون ينتظرون أن ينتهي حراكهم المدني الذي بدأ في العام 2011، ببناء وطن جديد يجمع بين مختلف أبنائه على مختلف انتماءاتهم الأثنية والدينية والطائفية، ضمن نظام يجمعهم على مبادئ المساواة والعدالة وتقاسم السلطات، يبدو أنها ستبقى مجرد آمال رغب أن يحياها بعضهم لكنه دفع حياته ثمناً لها، فيما ركبها بعضهم الآخر، كي يصل إلى مصالح شخصية ولو على حساب غيره من السوريين. الجيش الوطني
خاصة أن تلك الفئة هي التي بقيت على قيد الحياة، نتيجة ارتباطها مع أجندات دول إقليمية وعلى رأسها تركيا، فلم يعد لهم من بوصلة سوى تحقيق المكاسب الشخصية لقادة المليشيات المسلحة، التي باتت تخدم بلا شك التوسع التركي ليس في سوريا فحسب، بل في ليبيا كذلك، فتحوّل من كانوا يدّعون أنهم "جيش وطني" إلى مليشيا مسلحة تبرر غزو الأراضي السورية من جهة، وتترك جبهات النظام خاوية إلا من عمليات التهريب من جهة ثانية، والقتال كمرتزقة في ليبيا من جهة ثالثة.
الاقتتال من أجل غسالة
وعليه، لم يعد مستغرباً في الأخبار المتناقلة عن سوريا، أن يُسمع خبر اقتتال مسلحين من مليشيتين تختلفان بالمسمى، وتتفقان بالعقلية القائمة على سيادة قانون القوة المفروض من قبل البندقية، واللجوء للعضلات في حسم أحقيّة ما هو باطل أساساً، ومنها ما تم تداوله أمس الاثنين/السادس من أبريل، عن إصابة 4 مسلحين، جرّاء الخلاف على "سرقة غسالة" في مدينة "رأس العين" شمال شرقي سوريا.
حيث نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن خلافاً على سرقة "غسالة" نشب بين مجموعتين تابعتين لمليشيا "فرقة السلطان مراد"، وتطوّر إلى اشتباك مسلّح، أدّى إلى إصابة 4 مسلّحين من المجموعتين بجروح، نُقل اثنان منهم إلى المشافي التركية لخطورة إصابتهما.
اقرأ أيضاً: إدلب كجائزة ترضية لتركيا، بانتظار من يقدمها!
خبرٌ كان سيودي نشره قبل سنوات أي في الأعوام من 2011 إلى 2014، إلى ضجة كبيرة في صفوف مسلحي المعارضة، ولم يكن ليقبل حينها أيّاً من متزعمي المسلحين، أن توصم فصائلهم بتلك الصفات، التي هي بلا شك إهانة للأهداف التي حمل لأجلها المسلحون بنادقهم ووجهوا إلى صدور "النظام المستبد" في دمشق، لكنها اليوم لم تعد كذلك، فالحدث عابر لدى متزعمي تلك المليشيات التي باتت تسمي نفسها بـ "الجيش الوطني السوري" بالمسمى، كونه يرفع العلم التركي فوق أكتاف مسلحيه ومقرّاتهم، والمؤسسات الرسمية التي تتحكم بمناطق الشريط الحدودي من إدلب إلى جرابلس.
فالسوريون الذين خرجوا من ديارهم، وفق بعض التقديرات أكثر من 8 ملايين كنازحين أو لاجئين في دول الجوار والعالم، لم يبقَ لهم من حيلة، سوى المراقبة من بعيد إلى ما آلت إليه الأوضاع في بلادهم، وقد نخر فيها السوس ووصل إلى العظم، وتتحول معها كل الموبقات التي انتفضوا عليها يوماً، إلى واقع مُعاش في مناطق تخضع عملياً لما بقي من المعارضة المعروفة بـ "الائتلاف الوطني" والذي لا يبدو أنه سوى ائتلاف سليب الإرادة والقرار من الجانب التركي، المتكلف بتقديم المرتبات لموظفيه، على أن يبرروا لأنقرة غزو الأراضي السورية والاستيلاء عليها، حتى لو كان ثمن ذلك اقتطاعها مستقبلاً، وتحولها في الحاضر إلى بؤر للفساد الإداري والتسيّب الأمني والانفلات المؤسساتي، فتضحى معها المناطق السورية الخاضعة لتركيا، "سوريةً" بالاسم، وتركيةً بالفعل، لدرجة أنّ الأطفال السوريين هناك، باتوا يتقنون التركية أكثر من إتقان العربية (وفق ما تبثه التقارير المصورة من مناطق الجيش الوطني السوري).
فيتضح معها أنّ "الجيش الوطني السوري" أداة تركية لخدمة العثمانية، وهو ما لم يملك "أحمد كرمو الشهابي" المتزعّم في المليشيات، في يناير الماضي، أيّ وجل من إخفاء كونهم مستعدين للذهاب إلى الجهاد في أي مكان، وفقاً لرغبة تركيا، في إشارة إلى قتالهم في ليبيا مع مليشيات طرابلس المدعومة من تركيا أيضاً، حيث قال: "إن شاء الله، حين نتخلص من ظلم الأسد، سنتوجّه لمحاربة الظلم أينما وجد، سنكون سبّاقين في محاربته، وكما سنتخلّص من قمع الأسد، سنخلّص أخوتنا التركستان من القمع"، متابعاً: "أرواحنا وأطفالنا وأجدادنا فداء للوطن، فداء للخلافة العثمانية".
السرقة التركية بأسلوب شرعي
لكن وإن كان مسلحو تركيا في سوريا يقتتلون على الفتات من أدوات منزلية لسكان مناطق قد هجّروها خشية وقوعها بين أيدي مسلحين سبقهم صيتهم السيء في السلب والقتل والخطف، خاصة في "عفرين" التي كان لها الدور البارز في فضح حقيقة هؤلاء المسلحين، وما قد تضحى عليه المدن التي قد تخضع لهم مستقبلاً بفعل الدعم العسكري التركي لهم، فإن الجانب التركي أكبر من تلك السرقات، ويبدو أنه لن يلجأ إلى سرقة أي من خيرات المناطق التي دخلها إلا بأيدي المسلحين أنفسهم، كي يكون خالي المسؤولية مستقبلاً، فيما لو جاءت ساعة الحساب.
اقرأ أيضاً: عندما يسعى النظام للانتقام من نجاح “الإدارة الذاتية” بفرض الحجر الصحي بمناطقها!
حيث قالت ما تسمى وزارة الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة في بداية يناير الماضي، إنها اتّفقت مع تركيا على توريد حبوب الشعير من مدينة تل أبيض إلى الداخل التركي، حيث لن تدفع تركيا رسوماً جمركية على عبور الشعير من الحدود السورية- التركية، كما أنها لا تدفع على معظم المنتجات التي تستوردها من المنطقة، كما ذكرت وسائل إعلام تركية، أن مكتب المحاصيل التركية (TMO) يعتزم استيراد 20 ألف طن حبوب من مدينة تل أبيض إلى مخازن فرعه في ولاية شانلي أورفا التركية، ولم تكُ الحبوب المادة الأولى التي تستحوذ عليها تركيا من خيرات المنطقة بأسعار منخفضة، فقد استوردت الحكومة التركية، العام 2018، أربعة آلاف طن من محصول البطاطا، وبحسب وزارة المالية التركية، غطّت تلك الكمية نسبة 1% من احتياجات السوق، حيث انعكست إيجاباً على السوق التركية، إذ انخفض سعر الكيلو من ثماني ليرات إلى ليرتين، عدى عن الزيتون المنهوب من عفرين.
وفي الثلاثين من يناير، قال حميد العبد وهو "رئيس مقاطعة تل أبيض"، في تصريحات لـصحيفة "الدستور" المصرية، إنه وفق إحصائيات لعمليات النهب والسرقة التي قامت بها مليشيات "الجيش الوطني السوري"، عن تفاصيل الأشياء والمباني التي تمّ نهبها: "قاموا بسرقة أسلاك الكهرباء من المنازل والمباني الحكومية للمقاطعة ومحوّلات الكهرباء"، وأكد أنه تمّ مصادرة الأراضي الزراعية، وجمع المحصول في موسم الحصاد الحالي وإرساله كاملاً إلى تركيا عبر الحدود"، مضيفاً: "سرقوا القمح المخزّن والشعير، وآليات كانت موجودة في المصرف الزراعي، منها أسمدة وبذور وقاموا بنقلها أيضاً إلى تركيا".
مستطرداً: "إجمالي القمح المنهوب يعادل 53 ألف طن قمح و32 ألف طن شعير إضافة إلى سماد في حدود 22 ألف طن، صارت بأيادي المرتزقة ونقلت إلى تركيا، حتى بات المواطنون السوريون لا يجدون رغيف الخبز"، وعن الخلاف بين المليشيات، قال العبد: "قاموا بالاستيلاء على المنازل التابعة للنازحين، نقلت إلى سجلات الميليشات الموالية لأردوغان عن طريق أن كل ميليشيا تقوم بتسجيل لافتة على المبنى أو المنزل مكتوب عليها (هذا المنزل لصالح الكتيبة الفلانية)".
اقرأ أيضاً: هل أبقى أردوغان رصيداً احتياطيّاً في خزانةِ تركيّا لمواجهةِ كورونا؟
وعليه، أفقدت مليشيات "الجيش الوطني السوري" السوريين أو غالبية من كان يدعو يوماً للانتفاض على النظام الحاكم في دمشق، الأمل بأي خلاص قد كان يمكن للسوريين أن يحققوه، فيما لو استطاعت المعارضة التخلص من الخضوع لأجندات أنقرة، لا سيما أن ذلك كان سيسمح لها بالالقتاء مع مشروع "قوات سوريا الديمقراطية" الداعي إلى بناء سوريا جديدة لا مركزية، وهي دعوة لم تقبل المعارضة السورية حتى بنقاشها تلبيةً لدعوة أخرى قادمة من أنقرة، قائمة على عدم إشراك مكونات شمال سوريا، وخاصة الكُرد منهم بأي مشروع حلّ سوري، يضمن إيقاف حمام الدم، وتسوية سياسية تمنح مختلف السوريين حقوقهم.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!