الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • بأسوار وجيش موحّد.. أوروبا تستعدّ لاحتلال القطب الثالث عالمياً

بأسوار وجيش موحّد.. أوروبا تستعدّ لاحتلال القطب الثالث عالمياً
الاتحاد الأوروبي - ليفانت نيوز

رغم أنّ العالم كان مقاداً من قبل ما يعرف بنظام القطب الواحد، في إشارة إلى الولايات المتحدة، التي تقود حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خاصة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991.. تبدو الأحداث الدائرة خلال العقد الأخير، بأنّها تتوجه إلى تشكيل نظام عالمي جديد، ثنائي الأقطاب (أمريكي – روسي)، وربما ثلاثي (أوروبي)، أو رباعي (صيني)، بمعنى أن العادل يدخل في صراعات جديدة، يختلف فيها حلفاء الأمس، ويبنون فيها تحالفات مع خصوم الماضي، أو ينقسمون على أنفسهم، كما هو الحال مع واشنطن والاتحاد الأوروبي، حيث تبرز الإشكاليات بشكل مضطرد بين الجانبين.


حلف الناتو (أرشيف)

النزعة الوطنية تتفوّق


ولعل ما شجّع ذلك التوجّه، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي رفع شعار "أمريكا أولاً"، بمعنى أنه أفصح عن استعداده للتخلّي عن حلفائه حول العالم، عندما تتعرّض مصالح واشنطن للخطر، وهو ما قد أسفر عن سلسلة من الانكفاءات الأمريكية الأخيرة، وأهمها الانسحاب من أفغانستان، الذي حصل نتيجة اتفاق أمريكي مع تنظيم طالبان، دون حتى مشاورة الحلفاء الذين قاتلوا مع واشنطن هناك، لقرابة العقدين من الزمان.


اقرأ أيضاً: من عــــفرين لـــرأس الـــعين.. منتجعات للقتلة المأجورين عقب تغيير ديموغرافيتها

هذا عدا الإهانات التي وجهها ترامب سابقاً، للزعماء الأوروبيين، فيما يخصّ ضرورة تسديد مستحقاتهم المالية المفروضة للناتو، في تصرّف أمكن وصفه حينها باستحصال الخوة لقاء الحماية، ولجم أي غزوات عسكرية قد يتعرّض لها الأوروبيون، سواء من روسيا أو غيرها.


الأوروبيون والجيش الموحد


جملة تلك العوامل وغيرها، دفعت الأوروبيين للتكفير بأن يكونوا قطباً ثالثاً في العالم، بعد القطبين الأمريكي والروسي، إذ يبدو بأنّ الأوروبيين باتوا متوجسين ومتشككين في تحالفهم المفترض مع واشنطن، التي تركت حلفاءها في مواقع عدة من العالم، فأشار اجتماع نظمه وزراء دفاع الدول الأعضاء في الاتحاد، في مدينة كراني في سلوفينيا، بتاريخ الثاني من سبتمبر الماضي، إلى أهمية "التقدّم على طريق إقامة دفاع أوروبي مشترك وتحقيق استقلاليته" وذلك بعد التطورات التي شهدتها أفغانستان.


اقرأ أيضاً: إيران وميلشياتها.. الإقرار بالتبعيّة يُعرّي الأدوات المُستترة والمُغفلة

فذكر وزير دفاع سلوفينيا، ماتي تونين، أنّ "أزمة أفغانستان أظهرت أنّ أوروبا لا تمتلك إمكانيات عسكرية كافية"، فيما قال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، إن "هناك حاجة ملحة لتشكيل قوة دفاعية أوروبية مشتركة"، مبيناً أن التكتل يفكر في "عدد صغير من قوات الاتحاد الأوروبي مدربة جيداً"، وذلك بغية "مواجهة التحديات الأمنية والدفاعية"، معتبراً أن الانسحاب من أفغانستان "فوضوي"، مرجّحاً أنّ ذلك سيكون كذلك "عاملاً محفزاً في محاولات الاتحاد الأوروبي لتطوير دفاعاته المشتركة".


بينما شدّد رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل، على "ضرورة العمل لإطلاق مرحلة جديدة من العمل الأوروبي في مجال الأمن والقدرات الدفاعية الجماعية، مع تطوير العلاقات مع الشركاء"، قائلاً: "الحلفاء الأقوياء يشكلون تحالفات قوية".


الناتو يعارض الفكرة الأوروبيّة


لكن واشنطن التي دفعت الأوروبيين نحو تلك الفكرة، تجدها غير مناسبة، إذ لا يبدو أنها سعيدة بنظام القطبين في العالم مع روسيا (أقلّه عسكرياً)، فما بالكم إن تحوّل الحديث إلى الأقطاب الثلاث أو الأربع، فردّت واشنطن على الفكرة، بشكل غير مباشر، من خلال الناتو، التي قال أمينها العام، ينس ستولتنبيرغ، في الخامس من سبتمبر، بأن "إنشاء قوات مسلحة مشتركة لدول الاتحاد الأوروبي، قد يقسم أوروبا ويضعف الناتو".


مضيفاً في حديث لصحيفة "ساندي تلغراف" البريطانية: "أرحب بالجهود الأوروبية في مجال ضمان الدفاع، لكن شيئاً مماثلاً لن يحلّ محل الناتو، وإضافة إلى ذلك من الضروري أن نضمن وقوف أوروبا وأمريكا الشمالية بجانب بعضهما، وستؤدّي أي محاولة لإضعاف صلة أمريكا الشمالية وأوروبا ليس إلى ضعف الناتو فحسب، بل وإلى تقسيم أوروبا، وذلك بسبب الأموال جزئياً، لأنّ 80% من تكاليفنا الدفاعية تأتي من حلفائنا من غير أعضاء الاتحاد الأوروبي"، في إشارة إلى بريطانيا وأيسلندا والنرويج، وكذلك الولايات المتحدة وكندا وتركيا.


اقرأ أيضاً: الحدود التركية.. بين الاحتضان المزعوم والتنكيل الفعلي بالسوريين

ليردّ مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، على ذلك الرفض، بتاريخ الرابع عشر من سبتمبر، بالإعراب عن اعتقاده بأنّ تدعيم الدفاع وتحقيق الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، أمران يصبّان في مصلحة حلف الناتو والولايات المتحدة، وذلك خلال لقاء مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، إذ اعتبر بوريل أنّ ما حدث في أفغانستان "صحوة قاسية" بالنسبة للأوروبيين، حيث "أثبتت الأحداث مرة أخرى هشاشتنا، ونحن بحاجة إلى تقييم لدور الاتحاد في أفغانستان لمعرفة الخلل الذي حصل خلال العشرين عاماً الماضية".


وبيّن بوريل حينها أنّ التطورات الأفغانية تجبر الأوروبيين على إجراء تفكير معمق يتجاوز مسألة تشكيل قوة عسكرية للتدخل السريع، مؤكداً أن المراجعة يجب أن تكون "سياسية، استراتيجية وربما ثقافية"، وتابع: "يجب على الأوروبيين أن يعوا في أي عالم يعيشون، لقد كنا نفضل عالماً هادئاً بفعل التجارة والاندماج الاقتصادي تحت مظلة الولايات المتحدة"، ويستطرد بالإشارة إلى عودة صعود قوى "قديمة" مثل "روسيا، الصين وتركيا" التي تتصرف على أسس وحقائق تاريخية، وربما "مختلقة".


أزمة الغواصات تعمق الشرخ


وبعد هذا الصدّ والرد، أتت أزمة الغواصات الفرنسية لتعمق الشرخ بين الحلفاء المفترضين، بعد إلغاء أستراليا صفقة شراء غواصات فرنسية واستبدالها بأخرى أميركية عاملة بالدفع النووي، ما دفع باريس إلى وصف الأمر بأنه "طعنة في الظهر" وقرار "على طريقة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب"، فيما أعلن بوريل، في السابع عشر من سبتمبر، أنّ التكتّل "يأسف" لعدم إبلاغه أو التشاور معه بشأن الاتفاقيّة الأمنيّة المبرمة بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.


اقرأ أيضاً: هل تغيرت؟ ممارسات طالبان تجيب عن السؤال الشاغل

وقال بوريل، إنّ "اتفاقاً من هذا النوع لم يجرِ إعداده أمس الأوّل، هذا يستغرق وقتاً، لكن لم يتمّ إبلاغنا، ولم تتمّ استشارتنا، نحن نشجب ذلك". وتابع بوريل: "هذا الاتّفاق يُجبرنا مرّة أخرى على التفكير في الحاجة إلى (...) تطوير الاستقلال الاستراتيجي للاتّحاد الأوروبي".


ألمانيا وإيطاليا تنضمّان إلى الأصوات الأوروبية


ويتوضح أنّ الخطوة (الأمريكية، البريطانية، الأسترالية)، شجعت أوروبيين آخرين للانضمام إلى فرنسا، إذ أعلنت وزيرة الدفاع الألمانية، أنيغريت كرامب كارينباور، في الثامن عشر من سبتمبر، أنّها تنوي اقتراح خطة لإنشاء القوات الأوروبية للرد السريع، مضيفةً في حديثها لصحيفة ألمانية: "لا يعني أنه يجب علينا الانفصال عن الأمريكيين، يمكن أن تظهر هناك حالات عندما ستكون لدينا مصالح أخرى، بما في ذلك داخل حلف الناتو، ويجب أن نعرف كيفية العمل بأنفسنا".


وهو ما ذهبت إليه إيطاليا، في السادس من أكتوبر، عندما طالب ماريو دراغي، رئيس الوزراء الإيطالي، بتكوين قوة عسكرية أوروبية خارج إطار حلف شمال الأطلسي "ناتو"، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده في سلوفينيا، عقب اختتام القمة الأوروبية، إذ قال إن "أي قوة أوروبية تتشكل خارج إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو)، تؤدي إلى تعزيز القوتين"، مردفاً: "لا أعتقد أن أي شيء يولد خارج الناتو يضعف الحلف، تماماً بالشكل ذاته الذي لا يضعف فيه الاتحاد الأوروبي".


اقرأ أيضاً: المنطقة الآمنة شمال سوريا.. الأحلام التركيّة تنتهي باقتتال عصاباتها

وأخيراً، طالبت اثنتا عشرة دولة أوروبية، في الثامن من أكتوبر، بأدوات جديدة لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في مواجهة تدفقات الهجرة، بما في ذلك التمويل الأوروبي لإقامة أسوار وجدران، وذلك في رسالة موجهة إلى المفوضية الأوروبية والرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي من جانب وزراء داخلية النمسا، وقبرص، والدنمارك، اليونان وليتوانيا وبولندا وبلغاريا وجمهورية التشيك وإستونيا والمجر ولاتفيا وجمهورية سلوفاكيا.


لتدفع كل تلك التصريحات، والدعوات إلى فتح باب السؤال مشرّعاً، حول ما ستؤول إليه الخطط الأوروبية، لإنشاء قوات عسكرية مشتركة، قد تكون نواةً مستقبلية لجيش أوروبي، يساهم في فصل الاستراتيجيات الأوروبية عن الأمريكية، ويخرج من تحت عباءتها، إلى نظام عالمي جديد، قد يوفر المزيد من العدالة لسكان الأرض.


ليفانت-خاص

إعداد وتحرير: أحمد قطمة

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!