الوضع المظلم
الأحد ٢٢ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
المشروع الإيراني أم مشروع ولاية الفقيه؟!
غسان المفلح

مع تحفظي الكامل على هذه التسمية "المشروع الايراني" التي تعطي انطباعاً بأننا أمام حالة إيجابية. هذا ما يحيلنا لقراءة سريعة للتسمية ذاتها. التسمية هذه في أسها السياسي هي تسمية "ايديولوجية" انطلقت مع انطلاق ولاية الفقيه في إيران بعد إسقاط نظام الشاه 1979، على يد الشعب الإيراني. بعدها استولى الفقيه على السلطة في إيران، بعد إعدامات ومجازر بحق أهل الثورة ذاتها من مختلف الاتجاهات السياسة. يمكن للقارئ الكريم العودة لتلك الفترة، ومعرفة تفاصيل كم قتل الخميني من الإيرانيين حتى صار سيداً مطلقاً على السلطة في إيران، بوصفه "الولي الفقيه المرشد". كل هذا تم بتغطية من فاعلي الغرب آنذاك. فرنسا ومعها أوروبا الغربية هذا من جهة، ومن جهة اخرى نال المشروع دعم السوفييت! رغم إعدام الخميني لأعداد كبيرة من ـعضاء حزب "تودة" الحزب الشيوعي الإيراني. وتصفية منظمة فدائيي خلق، ومنظمة مجاهدي خلق أيضاً. إضافة إلى فعاليات ليبرالية ورجال دين. كل هؤلاء تم تصفيتهم لتأمين سلطة مطلقة في حكم إيران للولي الفقيه. ومن المعروف أن سقوط الشاه كان ضربة قوية للنفوذ الأمريكي. إن لم يكن كله على الأقل لقسم من هذا النفوذ.




هذا الفقيه كان يحمل بجعبته مشروعه "مشروع ولاية الفقيه" هنا يكمن الجذر الايديولوجي والسياسي لهذه التسمية. بعد أن يستتب الأمر للفقيه إيرانياً، تأتي الخطوة التالية ليصير ولي الشيعة في العالم. ثم في خطوة لاحقة ولي المسلمين جميعاً. هذا يستوجب تصدير النموذج الثوري هذا !!. كما يستوجب أيضاً أولاً: الدخول" تلغيماً" بالمجتمعات التي فيها أقليات شيعية. باكستان أفغانستان البحرين لبنان العراق سورية وغيرها من البلدان. ثم يتوسع الأمر نحو دعم بعض التنظيمات المحسوبة على الإسلام السنّي. حيث استطاع المشروع لاحقاً أن يقيم علاقات وازنة مع المرشد العام للاخوان في مصر. وحركة حماس وتنظيم القاعدة. الإخوان المسلمين السوريين، كان موقفهم محرجاً. رفضوا هذه العلاقة لأن سلطة الملالي تدعم نظام الأسد. لايزال الوضع منذ أكثر من ثلاثة عقود على ما هو عليه. طبعاً دون أن ننسى إدخال القضية الفلسطينية في الحزمة الدعوية للولي الفقيه وخلفه. ليس تشكيل فيلق القدس، سوى جزء من هذه الدعوية الدعية. فيلق القدس الذي قتل قائده سليماني هذا الشهر، على يد القوات الأمريكية.




أيضاً الصراخ المستمر بشعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل. الشق الغربي المساند لهذا المشروع هو من يحتفي بهذه اللغونة. لأنها ببساطة لزوم تدفق المال الإيراني على أرباب الثروة في أوروبا. أمريكا وإسرائيل ليس لديهما مانع من ذلك! فقد جربتا هذه الشعارات مع حافظ الأسد! واثبتت مفعولها في تهديم دول رافعي هذه الشعارات من سلطاتها. هذا التدمير الممنهج لا يمنع الثروة من التدفق.




السؤال كي نعرف ما الذي يعنيه هذا المشروع: ماذا صدّرت إيران لشعوب المنطقة منذ تولي الولي الفقيه حكم إيران؟ المشروع الغربي على الأقل صدر معرفة وتكنولوجيا وقيم الحرية. بمعزل عن كل ما يقال عن حقارة هذا المشروع الاستغلالية وبكلبية باتت الآن أكثر توحشاً. لأنه لم يعد لديه منافساً كل حكام العالم باتوا جزء من هذه الكلبية المتوحشة. وبمعزل أيضاً عن التنافسات الشرسة بين هذه التوحشات. التي تدفع شعوبنا ثمنها موتاً وقهراً وفقراً. أما "المشروع الإيراني" صدّر الطائفية والسلاح الطائفي والإرهابي. الطائفي عبر التنظيمات الشيعية بمواجهة مجتمعاتها، أحزاب الله وفصائل بأسماء الرموز الشيعية. وعبر الإرهاب السنّي بدعم تنظيميات جهادية كالقاعدة وحماس وغير جهادية بعض فروع الإخوان المسلمين. أي لغمت المجتمعات هذه بتنظيمات إرهابية هي مشاريع حروب أهلية لا غير. ماهي القيم الإنسانية أو العلمية التي صدرها هذا المشروع؟ ما كان له أن يصدّر ما صدّره دون غطاء ايديولوجي أيضاً، فكانت فلسطين التعبوية. وحاجتها ل"مقاومة" تعبوية بالمقابل! لكن إيرانياً وملالياً وطائفياً وارهابياً ضد المجتمعات الأخرى وضد مجتمعها أولاً. حزب الله نموذجاً وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية نموذجاً مقابلاً على الصعيد السنّي. حيث دخلت حماس كمنافس لحركة الجهاد واستولت على واجهة الدعم هذه. ألم يقتل حزب الله اللبناني وفصائل الحشد الشعبي شعبنا في سورية تحت شعار "زينب لن تسبى مرتين"! رغم أن السنّة في سورية يحتفون قداسة بزينب وكل آل البيت.




السؤال الأخير في هذه العجالة ماذا فعل هذا المشروع للشعب الإيراني؟ ازداد فقره والقمع بات أسوأ بكثير من أيام الشاه. الشعب الإيراني شعب كبقية شعوب الأرض. يحتاج للتنمية والخروج من دائرة الفقر رغم غنى دولتهم. يحتاج لدولة قانون وحريات. هذا إذا أضفنا أن دستور الولي الفقيه هو دستور عنصري وطائفي بالآن معاً. يستبعد مواطني إيران السنّة والمسحيين وغيرهم من تولي منصب "الولي الفقيه".




كل هذا الذي ذكرناه تم برعاية الغرب القوي. وتواطؤ أمريكي إسرائيلي. سبق وكتبت عنه مراراً. لنلاحظ رغم هذا الاحتدام الإعلامي الآن بعد مقتل سليماني ورد الملالي المثير للسخرية على قاعدة عين الأسد الأمريكية، تصدر وزارة الخارجية الأمريكية تعميماً يمنع فيه دبلوماسيي أمريكا من التعامل مع المعارضة الإيرانية بأغلب تشكيلاتها القوية!! حتى لو عدنا قليلاً إلى هذه المسيرة الرعاية لأكبر نظام إرهابي في المنطقة، نجد أن الغرب أبعد قضية القوميات الأخرى المضطهدة في إيران من كرد وعرب وآذاريين وغيرهم. حتى إننا لا نجد إلا اهتماماً ضئيلاً فقط فيما لو تم اعتقال امرأة إيرانية تحمل جنسية غربية!! وما تبقى من قتل واعتقال وقمع الانتفاضات المتتالية، الغرب لا تعنيه.




هذا المشروع "الولي الفقيه" استقى تنظيمياً هيكلة الكنيسة البابوية الكاثوليكية. مما أعطاه بالمقابل مرونة داخلية في قمع الشعب الإيراني وتصدير شعبويته الطائفية القاتلة.

أما من زاوية التنمية الاقتصادية، كل المؤشرات تشير إلى تراجع مستويات النمو على كافة الصعد في إيران والدليل الانتفاضات الإيرانية المتلاحقة للشعب الإيراني التي تقمع بدموية، وبغطاء غربي مباشر.

الصح أن يطلق على هذا المشروع تسمية "مشروع الولي الفقيه" فقط. من يستطيع احتواء هذا المشروع من القوى الكبرى هذه، يستطيع احتواء نفوذه في كل البلدان. هنا مربض الفرس في التنافس بين هذه القوى الكبرى.


غسان المفلح - كاتب سوري

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!