-
الشابة السورية "ليلى مصطفى" تفوز بجائزة عمدة العالم الدولية
يشار إلى أنّ الجائزة تقدّم إلى الأشخاص التي قدموا خدمات لمواطنيهم بنزاهة وعدالة ومساواة في وقت يواجه فيه العالم أخطر مشكلتين، وهما تغير المناخ وتفشي فيروس كورونا، إضافة إلى الحرب الأهلية التي دمرت "أغلب مدينة" الشابة السورية.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قد أعلن مدينة "الرقة" عاصمة الخلافة المزعومة له، في منتصف "2014"، حيث كان جلّ ضحاياها من النساء، لما تعرّضن له من سبي، وفرض النقاب، وحصر عملهن في المهام المنزلية، ورعاية الزوج والأطفال.
ومنذ أن تحررت الرقة من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في عام 2017، على يد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، أصبحت "ليلى مصطفى" الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني.
وفي الوقت الحالي، يعمل تحت قيادة المهندسة المدنية "ليلى مصطفى" -وهي شابة كردية من مواليد مدينة الرقة، تبلغ من العمر 34 عاماً- آلاف الرجال والنساء، جنباً إلى جنب، لإعادة بناء ما دمرته الحرب. ويعتبر المجلس واحداً من هيئات إقليمية عديدة أسستها قوات سوريا الديمقراطية.
وقدّمت مؤسسة "سيتي مايرز" الجائزة للشابة السورية، لجهودها الحثيثة في إعادة إعمار مدينة الرقة، تقديراً لتفانيها وإخلاصها وإصرارها على إعادة إعمار المدينة، التي زرع فيها مسلحو التنظيم ألغاماً في كل زاوية وشارع وحي.
ويتناول مشروع "عمدة العالم"، الذي بدأ منذ عام 2004، موضوعات مختلفة كل عامين. ففي عام 2016، ركز على أزمة اللاجئين، تلاه في عام 2018، نقص تمثيل المرأة في المناصب الإدارية المحلية، وفي هذا العام، تناول وضع المدن أثناء جائحة كورونا.
ومُنحت الجائزة هذا العام لتسعة رؤساء بلديات من دول مختلفة حول العالم، وكانت ليلى مصطفى، المرأة الوحيدة من بينهم وصاحبة المهمة الأصعب، التي أخذت على عاتقها مهمة إعادة إعمار مدينة لم يبقَ منها سوى الحطام.
وأجرت وكالة "بي بي سي" حواراً خاصاً مع الشابة السورية، لتسلّط الضوء على تجربتها في مواجهة التحديات والصعوبات، في مدينة يغلب عليها الطابع العشائري والمجتمع المحافظ، الذي لم يعتد على إدارة المدينة من قبل امرأة من جهة، ووجود الكثير من الألغام المزروعة والخلايا النائمة لتنظيم داعش في المدينة من جهة أخرى.
هزيمة "داعش"
بعد إعلان تنظيم الدولة "داعش"، في منتصف 2014، الخلافة المزعومة، فرّ مئات الآلاف من أبناء الرقة من المدينة.
وبحسب الإحصائيات، فقد تراجع عدد السكان في المدينة، إلى أقل من 200 ألف نسمة، في ظل نظام اتبع ممارسات وأساليب وحشية بحق أبناء المدينة المخالفين لنظامه، مثل عقوبات قطع الأيدي والأعناق والرجم حتى الموت، وغيرها من أساليب القتل والتعذيب، وحوصر الباقون في الداخل ليواجهوا مصيرهم.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تم تحرير مدينة الرقة من فلول "داعش" الإرهابي، وتولت ليلى مصطفى، منصب الرئاسة المشتركة لمجلس الرقة المدني -وهو مجلس تم تأسيسه من قبل قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي- بهدف عودة الحياة إليها مجدداً وإعادة إعمار المدينة.
وتقول الشابة السورية، إن مجلس الرقة المدني هو جزء من مشروع الإدارة الذاتية (أطلق الأكراد هذا المشروع في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال شرقي سوريا). وأضافت: "تم اختياري كرئيسة مشتركة لمجلس الرقة المدني في الاجتماع التأسيسي الذي انعقد في عام 2017، وبموافقة الحاضرين الذين زاد عددهم عن 120 عضواً من مختلف مكونات وشرائح وشيوخ ووجهاء الرقة، وتمّت إعادة الهيكلة بعدها مرتين".
وشارك ما يزيد عن ثلاثة رجال من أبناء مدينة الرقة، إلى جانب ليلى في الرئاسة المشتركة للمجلس، ولكنها بقيت هي العضو الثابت فيه منذ تأسيسه.
وسعت مصطفى إلى إنشاء فسيفساء من العلاقات التي تجمع وتربط المجتمعات المتنوعة في المدينة، للعمل يداً بيد على إعادة الحياة للمدينة التي معظم سكانها من العرب ونسبة أقل من الأكراد والمسيحيين والسريان.
الرقة ملاذ آمن بعد أن كانت سجناً
بعد سيطرة "داعش" على المدينة، لم يبقَ من البنية التحتية للمدينة أي شيء، لا كهرباء ولا مياه جارية ولا أي خدمات عامة أخرى، مع وجود عدد قليل من الخدمات الصحية. وبحلول عام 2020، كان متحف الرقة، الذي يعتبر رمزاً للتراث الثقافي والديني والتاريخي المتنوع للمدينة، قد أعيد ترميمه كرمز لإعادة انبعاثها من جديد.
وأوضحت "مصطفى" أنه "على الرغم من الإمكانات المحدودة وضعف الموارد المتاحة، حققنا العديد من الإنجازات بفضل تكاتف أبناء المنطقة ككل، وقمنا بوضع الخطط والبرامج بما يتناسب مع كل مرحلة".
وتابعت: "إذا أردنا المقارنة مع حجم الدمار الذي تعرضت له الرقة، والذي وصلت نسبته إلى 95 في المئة، ومع شكل المدينة اليوم، سنلاحظ أننا حققنا الكثير من الأعمال والإنجازات في زمن قياسي، حيث تعتبر الرقة اليوم، مركزاً وملاذاً لكل السوريين من مختلف المحافظات والمدن السورية، بعد أن حولها تنظيم الدولة إلى سجن قاتم لسكانها".
تم تنفيذ المشاريع من إمدادات الكهرباء والمياه وغيرها من البنى التحتية، مثل بناء المستشفيات والمدارس والمراكز الصحية، بشكل تدريجي. وما زال العمل في ترميم المنازل والشوارع والخدمات الأخرى قيد التنفيذ.
وتشير الإحصائيات، وفقاً للسلطات المحلية، إلى ارتفاع عدد السكان مجدداً ليصل إلى حوالي المليون نسمة، من ضمنهم النازحين الجدد إليها.
وحازت مصطفى على ثقة واحترام سكان المدينة بسبب عملها المتواصل من أجل تمكين الأشخاص من كافة الخلفيات الاجتماعية والثقافية، لإعادة الحياة إلى المدينة من جديد.
مشروع الإدارة الذاتيّة والمرأة
تأمل ليلى مصطفى أن تصبح الرقة نموذجاً يحتذى به في جميع أنحاء البلاد، وخاصة فيما يتعلّق بالمساواة بين الجنسين في جميع قطاعات ومجالات الحياة.
ولم تكن المهمة التي أخذتها الشابة على عاتقها مهمة سهلة، إذ كانت وما تزال البيئة التي تعمل فيها، تفضل القيم والعادات القبلية التي تولي أهمية كبيرة إلى وجهاء العشائر.
وكشابة كردية تدير مجلس هذه المدينة، ألهمت ليلى العديد من نساء المنطقة باختلاف خلفياتهن للعب دورهن في بناء المجتمع والمدينة، فإخلاصها لعملها وقدرتها على التواصل مع سكانها باستمرار، جعل منها قائدة بارزة تحظى بالاحترام بالفعل.
ونوّهت الشابة، ابنة مدينة الرقة، أن نسبة النساء اللواتي يشغلن مناصب مهمة ووظائف إدارية في المجلس، بلغت 40 في المئة، وهي نسبة عالية جداً، لا تُطبق سوى في مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي البلاد.
وبلغ عدد العاملين في مجلس الرقة المدني حالياً ما يقرب 10500 موظف، من بينهم 4080 امرأة، يعملن في مختلف مؤسسات وقطاعات المدينة، أما عن عددهن في مناطق الإدارة المدنية الديمقراطية في الرقة ككل، فيتجاوز 7000 امرأة في جميع المؤسسات، وهذا دليل على العدالة والمساواة التي نسعى إليها دائماً، وفقاً لـ ليلى مصطفى.
اقرأ المزيد: ألمانيا تعلن إجلاء 8 نساء داعشيّات و23 طفلاً من سوريا
وبالحديث عن الدعم والمساعدات المالية التي تلقوها، تقول مصطفى، إنه "بالرغم من كل الإنجازات التي حققوها، ما تزال هناك الكثير من المشاريع الحيوية والبنى التحتية التي ينتظرها سكان المدينة، لكن الدعم الدولي المقدّم لنا خجول ويكاد يكون معدوماً مقارنة مع حجم الأعمال المطلوب إنجازها، لذا نتمنى أن يفي المجتمع الدولي بواجباته تجاه الرقة".
وأكدت "ما زلنا بحاجة إلى تطوير الخبرات والكفاءات ودعم من المنظمات والدول من أجل إنجاح هذه التجربة، وتحقيق العدالة والمساواة من خلال تفعيل دور المرأة، وتمكينها في كافة مجالات الحياة".
وتريد مصطفى أن تقول للنساء في جميع البلدان التي ما تزال فيها حقوق المرأة محدودة "إن المرأة قادرة على إثبات دورها في كافة المجالات إذا ما امتلكت العزيمة والإصرار والإيمان بالذات، وهي موجودة لدى كل امرأة إذا فتشت عنها".
اقرأ المزيد: روبرت فورد: الدعم الأمريكي يعيق التوصّل لاتفاق بين الأكراد ونظام الأسد
وتعدّ اليوم رئاسة "ليلى مصطفى" للمجلس المدني، حالة استثنائية ومميزة في تاريخ مدينة "الرقة"، التي لم يحكمها على مر الزمن سوى الرجال، سواء كان في ظل الحكومة السورية قبل الحرب، أو من قبل المعارضة السورية الموالية لتركيا، أو تنظيم داعش.
ليفانت - بي بي سي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!