الوضع المظلم
الجمعة ٠٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
في يومها العالمي
اليوم-العالمي-لحقوق-الانسان

دعت الأمم المتحدة اليوم عبر موقعها الالكتروني العالم إلى "الوقوف من أجل حقوق الإنسان" بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وتركز حملتها لهذا العام على موضوع "الشباب يدافعون عن حقوق الإنسان"


الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول 1948 نتيجة لما خبره العالم في الحرب العالمية الثانية، وللمفارقة تشير التقارير إلى أن العالم يشهد اليوم أعلى نسبة لجوء وهجرة منذ تلك الحرب، الأمر الذي دفع بالآلاف لمغادرة مواطنهم الأصلية، "على أيدي متاجرين ومهربي مهاجرين يمارسون حرفة بشعة لا رحمة فيها" كما قال الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" منذ أشهر، واعتبرت الأمم المتحدة "الإتجار بالبشر" ثالث أكثر الأنشطة ربحية في العالم بعد البيع غير المشروع للأسلحة والمخدرات"، كما نشر موقع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان(OHCHR) عام 2018.


"الإتجار بالأشخاص":

وضع بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية عام 2000 أول تعريف عالمي للإتجار بالأشخاص على أنه: "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحدّ ادنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء.


شمال إفريقيا والشرق الأوسط مصدراً للإتجار عبر الحدود:

رغم وجود إطار قانوني شامل ودولي، ورغم صعوبة الوصول لبيانات حول الإتجار بالبشر نظراً لطبيعته السرية، إلا أن التقارير تؤكد أن الملايين من الأطفال والنساء والرجال يتم الإتجار بهم سنويًا في معظم بلدان العالم، ففي عام 2017 قدَّرت منظمة العمل الدولية خضوع حوالي 40.3 مليون شخص في أنحاء العالم للعمل القسري وأشكال الرق المعاصر، ووفقا للتقرير العالمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عام 2016 أن حوالي 30 دولة كشفت عن تدفق ضحايا من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وتشكل أوروبا الغربية والجنوبية وجهة لحوالي 2% منهم ويضيف التقرير أن دول الأمريكيتين وآسيا شهدت بشكل متقطع ضحايا من شمال إفريقيا والشرق الأوسط خاصة من بلدان المغرب العربي والعراق وسوريا، وفي أمريكا أشارت وزارة الأمن الداخلي أن فرع الهجرة والجمارك التابع لها أنقذ أو تعرف على 518 ضحية خلال عام 2017.


الإتجار بالنساء والأطفال:

ذكرت الأمم المتحدة أن 72% من ضحايا الإتجار بالبشر حول العالم هم من النساء والأطفال، وكشف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. (UNODC) في التقرير العالمي لعام 2016 أن 51% ضحايا الإتجار هم من النساء، حيث يتعرضن بشكل خاص للعنف الجنسي والجنساني بما في ذلك الإتجار بغرض الاستغلال الجنسي والخطف والإجبار على الزواج أو العمل "كـ "عبدات جنسيات"، خاصة في البلدان المتأثرة بالنزاعات المسلحة.

ومع ارتفاع معدلات الإتجار بالأطفال، أصبحت أوروبا، بوصفها وجهة رئيسية، مركزاً لبيع واستغلال الأطفال والإتجار بهم؛ حيث جرى توثيق معدلات مرتفعة للإتجار بالأطفال على طريق البحر المتوسط من شمال افريقيا إلى إيطاليا، وتعرض الأطفال الصوماليون، أثناء عبورهم من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى أوروبا، لأعمال عنف متكرر على أيدي المتجرين بالبشر، والعصابات الإجرامية، وجماعات ليبية، إضافة للاحتجاز في سجون ليبيا إلى أن يتم دفع فدية بقيمة 2000 دولار تقريباً، وفي سوريا، أسفر النزاع الذي أوجد 2.4 مليون طفل لاجئ عام 2015، وأكثر من مليوني طفل مشردين داخلياً عام 2016، عن حالات تعرض مفرط لأشكال الإتجار، حيث كشفت تقييمات الأمم المتحدة عن تجنيد الأطفال في 90% من المواقع التي شملها المسح وعن حالات زواج طفلة في 85% من هذه المناطق، كما أشارت العديد من تقارير الأمم المتحدة إلى الأقليات بوصفهم الأكثر عرضة للإتجار، حيث أفادت بعثة الأمم المتحدة في العراق (UNAMI) ومكتب الأمم المتحدة للمفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) في تشرين الأول عام 2015، عن احتجاز تنظيم "داعش" لحوالي 3500 أغلبهم نساء وأطفال من الطائفة الأيزيدية.


الفقر والتمييز والطقس أيضا!

الفقر والتمييز في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من أهم العوامل التي تؤدي إلى خيارات حياتية أقلّ وأسوأ، وتدفع بالأشخاص لتعريض أنفسهم لخطر الإتجار في سياق تلبية الحاجات الأساسية، حيث أورد تقرير مكتب الأمم المتحدة عام 2016 أن الأقليّات، والمهاجرين، والنساء، والفتيات هم من الفئات الأكثر عرضة لخطر الإتجار بسبب عدم المساواة والحرمان الاقتصادي، كما كشف التقرير عن مستوى قياسي في عدد المشردين الجدد على نطاق العالم الذين (24.2 مليون شخص عام 2016)، معظمهم شرد بسبب كوارث مرتبطة بالطقس، علاوة على ذلك تؤجج الأزمات حالات "الإفلات من العقاب وانهيار القانون والنظام، وتدمير المجتمعات المحلية".


الحرب والنزاعات المسلحة:

زادت الحرب من حركة الإتجار بالبشر خلال السنوات الماضية، ووفقاً لما نشره موقع المفوض السامي لحقوق الإنسان مؤخراً، أنه في مواجهة "القنوات غير الكافية" للهجرة النظامية ولم شمل الأسرة، تنعدم البدائل أمام طالبي اللجوء والنازحين داخلياً الفارين بحثاً عن الأمان والحماية، ما يضطرهم للجوء إلى خدمات الجهات الفاعلة غير القانونية، واتخاذ "قرارات الهجرة الخطرة"، وفي مسح أجرته المنظمة الدولية للهجرة (IOM) بين كانون الأول 2015 وآذار 2016 حول تدفقات الهجرة المختلطة الأخيرة على طول طريق غرب البلقان من تركيا واليونان إلى أوروبا الغربية تبين أن 7% من المهجرين الذي شملهم الاستطلاع أبلغوا عن حالة تهريب أو استغلال لمرة واحدة على الأقل خلال الرحلة، وأن المعدل بين المهاجرين السوريين بلغ حوالي 9%.

الأطفال أكثر تأثراً من غيرهم بالنزاعات والأزمات الإنسانية، فوفقاً للأمين العام للأمم المتحدة عانى الأطفال من انتهاكات لحقوق الإنسان في حالات النزاع في 14 بلداً في عام 2015 هي أفغانستان، وجمهورية أفريقية الوسطى، وسورية، والكونغو، وجنوب السودان والسودان، والصومال والعراق، والفلبين وكولومبيا، ومالي وميانمار ونيجيريا واليمن، وبنهاية عام 2015 شُرد 28 مليون طفلاً قسراً بسبب العنف والنزاع، منهم 17 مليوناً مشردين داخلياً، ومليون طالبي لجوء، و10 ملايين لاجئين، حيث شكل الأطفال 51% من عدد اللاجئين عام 2016 الذين بلغ عددهم 22.5 مليون لاجئ علماً أن الأطفال لا يمثلون سوى "ثلث سكان العالم".


السوريون: "من تحت الدلف لتحت المزراب":

عرضت الحرب السوريين للنزوح مراراً وتكرارا في الداخل، أو عبر الحدود، وكلما طال أمدها استنزفت مدخرات السوريين، وأصبحوا أكثر عرضة "للتهريب" وأقل قدرة على تأمين المعيشة، وبحلول عام 2018أصبح 6.7 مليون سوري في دول اللجوء، منهم حوالي 3.6 مليون في تركيا، و944 ألف في لبنان، و676 ألف في الأردن، و253 ألف في العراق، وبسبب القيود القانونية التي لا تسمح للسوريين بالعمل، كان على السوريين الباحثين عن فرص العيش في أوروبا دفع مبالغ طائلة "للمهربين" أو حتى الاستدانة منهم، وتنطوي الخطورة هنا على "أن حالة التهريب" تطورت أحياناً لأحد أشكال الإتجار بالبشر، ووفقاً لدراسات أجراها المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة ((ICMPD، تعرض السوريون للإتجار بهم في دول الجوار التي شملتها الدراسة، ففي تركيا استمرت حالات الإتجار التي حددتها السلطات عام 2014 على أنها "عابرة للحدود" لأغراض الاستغلال الجنسي، وفي لبنان شكل السوريون النسبة الأكبر (40%) من ضحايا الإتجار بالبشر بين عامي 2012 و2013، حيث تذكر الدراسة أن السلطات اللبنانية تنبهت لحالات عدة لفتيات السوريات تم الإتجار بهن من سوريا إلى لبنان لأغراض الاستغلال الجنسي وخاصة من حلب، كما شهدت الأردن ازدياد ملموس في ضحايا الإتجار من السوريين الذين تم تحديدهم من قبل السلطات خلال عامي 2013 و2014، ولفتت الدراسة إلى أن الأرقام الرسمية تبدو بسيطة جداً بالمقارنة مع الواقع الميداني، وذلك لصعوبة الحصول على بيانات دقيقة حول هذه التجاوزات، لأسباب منها الخوف من الترحيل أو الاعتقال أو السجن، وتشويه السمعة، أو عدم وجود فرص بديلة، خاصة في العراق، أما في الداخل السوري، فقد غابت البيانات الرسمية من الحكومة السورية، باستثناء تصريح وزير الداخلية حسان معروف في مؤتمر صحفي خلال ورشة عمل حول الإتجار بالبشر، ذكر معروف خلالها أن الإتجار بالبشر قد ازداد منذ بداية الصراع، مسلطاً الضوء على سوريا كبلد منشأ للأشخاص المتّجر بهم، وعرض حوالي 1000 حالة تم تحديدها في عام 2014، تم استغلالهم من قبل ما اسماه معروف "بالشبكات الإجرامية" التي تعمل بالاشتراك مع سوريين يشتغلون داخل سوريا دون التطرق لأية أطراف فاعلة أخرى.

وبالمثل، فقد زادت الحرب في سوريا من تعرض اللاجئين والمهاجرين المقيمين فيها بمن الفلسطينيون والعراقيون ، والعاملات المنزليات من جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا، لأشكال الإتجار.


"الوقوف من أجل حقوق الإنسان"... ممكن؟

جاء في وثيقة مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان حول حقوق الإنسان والإتجار بالبشر عام 2014، أنه رغم العلاقة بين حقوق الإنسان والإتجار بالبشر، إلا أن ذلك "لا يعني بالضرورة أن حقوق الإنسان ستكون في قلب الاستجابات لحالات الإتجار"، حيث أن "النهج القائم على حقوق الإنسان يضع الضحية في قلب أيّ عمل فعّال وموثوق"، ما يعني إفلات مرتكبي جرائم الإتجار من العقاب، وحرمان الضحايا من العدالة، والأكثر من ذلك، القاء "اللوم القانوني" على الضحايا الذين غالباً ما يتعرضوا للمساءلة، أو السجن، أو الترحيل، أو "إطلاق النار" في أكثر الحالات انتهاكاً لحقوق الإنسان من قبل الدول التي عوضاً عن حمايتها لهذه الحقوق.

وغالباً، عند التطرق لجرائم الإتجار بالبشر، يتم إغفال أن الفاعلين الرئيسيين "تجار البشر" عصابات كانوا أم أفراداً، لن يتيسر لهم انتهاك "حرمة الإنسان" حيث الأمان الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، والقوانين الصارمة، والوعي اللازم، وتوفير البيانات...، إلا أن غياب هذه المقومات، يجب أن يسلط الضوء على مسؤولية الحكومات، التي ومنظمات المجتمع المدني، التي يفترض أن تدعم وتحمي"الضحايا المحتملين"، بدلاً من ممارسات تضييق الخناق وسد الأفق التي تلقي بهم في جحيم "تجار البشر" هرباً من أوطان لا يتجاوز فيها حق الإنسان "رصاصة".


صحفية سورية

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!