الوضع المظلم
الأحد ٢٩ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الأستانة وشرعنة القتل
خالد المطلق

قصتنا لم تشبه قصة كُتبت يوماً من صفوة الروائيين أو نسج خيوطها أعتى أجهزة المخابرات في العالم على الرغم أن هذه القصة وضع لها سيناريو واضح المعالم محدد الخطوات ومتقن المراحل، ينفذ تارة ضمن خطة تعتمد على الضجيج الإعلامي الذي يتخلله مؤتمرات واجتماعات وفشل هنا وفتات هناك، وتارة أخرى خطة تعتمد على ضجيج يعلوه هدير الطائرات والصواريخ وأصوات الانفجارات التي يتم استخدامها في قتل البشر والحجر وحتى الحيوانات التي لم تسلم من آلة القتل هذه، ولعل ما ميّز المرحلة الحالية استخدام الخطتين معاً، القصف والتدمير والمجازر، وبنفس التوقيت انعقاد اجتماعات ما سمي لجنة دستورية؟ وبين الضجيجين تاه أهلنا بين شهيد وجريح ونازح للمرة الثانية والثالثة وبين ثلة من الرجال الصادقين القابضين على الثورة كما نقبض على الجمر، مستعدين للموت في سبيل هدف سام خرجوا من أجل تحقيقه، وأقسموا بأن لا يعودوا إلا وقد تحقق وإن طال الزمن وكثر المرجفون وتسيّد الخونة تمثيل الثورة واحتكار قرارها لمصالحهم الشخصية أو الحزبية، تارة باسم الديموقراطية وتارة أخرى باسم الدين الذي ثبت أنهم من كبار تجاره وصغار منتمية.


القصة بدأت في الأستانة بعد فشل المعارضات على مختلف مشاربها في التوافق بالحد الأدنى مع جماعة الإخوان المسلمين في مؤسسات الثورة، نتيجة السيطرة الكاملة للجماعة على هذه المؤسسات ورفضهم إعطاء أي دور لأي تكتل أو فرد من المعارضة لا يخدم مصلحتهم المتمثلة في استلام السلطة في سوريا، طامحين في اقتباس دور حزب البعث الأسدي بوجه متأسلم والذي يطلق الشعارات الدينية كما كان يطلق البعثيون الشعارات القومية والوطنية، ويمكن أن نقول بأن هذا هو السبب الحقيقي الذي أوصل الثورة السورية إلى هذه المرحلة من الضعف والهوان فلا هم استطاعوا الانتصار على الأسد وحققوا حلمهم الأبدي واستلموا الحكم ولا بقية المعارضات استطاعت إقناع الشعب الثائر وجمع الحاضنة الشعبية حولها، فهرول كل منهم إلى أجهزة المخابرات العربية والإقليمية والدولية وكُل وضع نفسه خادماً مطيعاً لتحقيق مصالح هذه الدول في سوريا، فمنهم من ذهب إلى أصحاب القرار في العالم ومنهم من هرول إلى حضن قتلة الشعب السوري من الروس والإيرانيين.


ولأن هؤلاء ممسكين بمؤسسات الثورة أعطوا مشروعية قانونية لخيارهم وهنا بدأت القصة تأخذ سيناريو البيع والتنازل عن أقدس حقوق الشعب السوري مقابل وعود بمنصب هنا ودور هناك، فبدأت مؤتمرات الاستانة ولحقها سوتشي تعمل على إنجاز اتفاق من خلاله يتم تفكيك الفصائل الثورية الخارجة عن عباءة الإخوان والرافضة لهذه المؤتمرات، وكما هو معروف تم تقسيم المناطق المحررة إلى أربع مناطق سميت خفض تصعيد والتي ارتكبت تحت مظلتها الكثير من الجرائم والمجازر واستخدم خلالها كل أنواع الأسلحة حتى المحرّمة دولياً ضد الشعب الأعزل وتم تسليم المنطقة تلوا الأخرى ولم يتبقى إلا المنطقة الرابعة والتي جُمع فيها كل من رفض المصالحة مع عصابات الأسد وبدأت عملية القضم البطيء لهذه المنطقة بسيناريو مشابه لسيناريوهات تسليم المناطق المحررة الأخرى باختلاف بسيط وهو وجود المقاومة الشرسة من قبل الفصائل التي هُجّرت من مدنها في مناطق خفض التصعيد الثلاث، وبعض الشباب الثائر من أبناء تلك المناطق والذي انبرى للدفاع عن بيته وأرضه وعرضه وبقيت أغلب الفصائل الكبرى التابعة للإخوان المسلمين متفرجة تصدر البيانات الرنانة محاولة تبرير خيانتها وتقاعسها على شماعة هيئة تحرير الشام والتي أصبح الجميع يعرف أن هذه الفصائل داعمها والمتحكم بقرارها واحد.


تُرك هؤلاء الشباب يواجهون أعتى الأسلحة المتطورة والجيوش الجرارة بسلاحهم المتوسط والخفيف، بعد أن تم سحب السلاح الثقيل من تلك الفصائل بحجة المناطق المنزوعة السلاح التي اتُفق عليها في الأستانة وسوتشي وتم تطبيق بنودها المتعلقة بذلك من قبل فصائل الثورة وضمن مناطق هذه الفصائل فقط بينما لم يطبق جيش الأسد وداعميه أياً من هذه الاتفاقات، وبعد كل هذا الوضوح في المشهد الميداني والمشهد السياسي من حقنا أن نتساءل إلى أين سيأخذنا هؤلاء؟ وهل ما يسعى له هؤلاء يحقق حتى ولو جزئاً من طموحات الشعب السوري الثائر وتطلعاته نحو الحرية والكرامة؟.


أسئلة اعتقد أن الجواب عليها واضح لكل ذو بصر وبصيرة وللأسف سلبي للغاية فالمقدمات تؤدي إلى النتائج وما قدم هؤلاء للثورة السورية سوى الغدر والبيع والسمسرة لتحقيق مصالحهم الضيقة متناسين جراح الشعب السوري ومعاناته ودمائه وأنين مغتصباته ومعتقليه فمن ينتظر من هؤلاء شيء يمكن أن يحققوه من خلال مؤتمراتهم واجتماعاتهم كالمنتظر لتعبئة قربة ماء مثقوبة ولهذا يجب علينا جميعاً أن نلملم جراحنا ونعقد العزم على إيقاف هؤلاء المرتزقة عند حدهم وتحريض الحاضنة الشعبية للثورة على إسقاطهم بالشارع ورفع الغطاء عنهم وإيجاد طرق قانونية لمحاسبتهم، واستعادة زمام الأمور في مؤسسات الثورة على مختلف مفاصلها، واعتقد أن هذا الطريق الصحيح الذي يمكن من خلاله إعادة الأمل لنا ولشعبنا بأننا على الطريق القويم وسيعيش أبنائنا وأحفادنا في أمن وأمان بعيداً عن وجهي العملة الواحدة حكم العسكر وأصحاب الذقون المزيفة تجار الدين والأشد سوءاً وتخلفاً في مجتمعنا.


كاتب سوري

العلامات

كاريكاتير

لن أترشح إلا إذا السوريين...

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!