-
اشنقوا آخر مستبد بأمعاء آخر شبيح
من أهم الشعارات التي انتشرت أثناء الثورة الفرنسية 1789 شعار (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس) خرج هذا الشعار الذي تبناه أشهر خطباء الثورة الفرنسية "ميرابو" ومن الذين تبنوه أيضاً فيلسوف عصر التنوير وأحد منظري الثورة الكبار "فولتير" بعد إصرار الثوار التخلص من رجال الكنيسة و"فلول" الملك ليصبح هذا الشعار أيقونة للثورة الفرنسية، لأنهم أدركوا أن أصل الداء وأس البلاء يتمثل في هذين النموذجين المتآزرين على قهر الإنسان وإذلاله واستعباده.
هذا ما أكد عليه فقيه الحرية وشهيدها المفكر عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الفذ (طبائع الاستبداد) حيث يقول :
"تضافرت آراء أكثر العلماء الناظرين في التاريخ الطبيعي للأديان على أن الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، والبعض يقول إن لم يكن هناك توليد فهما أخوان أبوهما التغلب وأمهما الرياسة، أو هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة، على التعاون لتذليل الإنسان، والمشاكلة بينهما. إنهما حاكمان احدهما في مملكة الأجسام والآخر في عالم القلوب" وهذا التحالف الشيطاني بين المستبد ورجال الدين من الفقهاء والوعاظ والقراء هو الذي يجري الآن في بلدان الربيع العربي، وسوريا على وجه التحديد فمنذ انطلاقة الثورة عام 2011 وخلال الأشهر الأربعة الأولى من الثورة السورية وتصاعد الحراك السلمي بدأت المؤسسة الدينية وكهنة معبد الاستبداد بالتحريض على قمع المظاهرات والوقوف في وجه من يريدون الفتنة وتخريب البلد من خلال مؤامرة كبرى تقودها قوى إقليمية وغربية، وكان على رأس هذه الجوقة من علماء السلطة، الشيخ البوطي، الذي كان يرى أن الثورة السورية كما سائر الثورات الأخرى تدخل في مفهوم الفتنة الذي ينبثق عن مفهوم آخر هو الخروج على الحاكم. إذ كان يفتي دائما بأن الخروج على الحاكم المسلم غير جائز ما لم يظهر منه كفر بواح.
وتعليقاً على مفهوم الكفر البواح سأله أحد متابعي موقع "نسيم الشام" عن مفهوم " الكفر البواح"هل يوجد كفر بواح أكثر من قتل المسلمين؟ وبالتالي متى سنقول كلمة الحق عند ذلك السلطان الجائر بل القاتل؟ فرد البوطي قائلاً: "مناط الكفر الاعتقاد أو ما يدل على الاعتقاد كالسجود لصنم، أما قتل النفس بدون حق فمعصية كبيرة من المعاصي، إن كان القاتل مستحلاً لذلك الكفر، وإن لم يكن مستحلاً كان مرتكباً كبيرة . واذا لم نعلم عقيدة القاتل أهو مستبيح أم لا، لم يجز تكفيره بالإجماع" هذه العقلية الفقهية المنحطة والبعيدة عن كل منطق إنساني وقيمي هي التي أسست للإجرام واستباحة الدماء وقتل الابرياء، وشرعنة للنظام المافيوي الدموي في سورية كل انتهاكاته بحق شعب أعزل خرج يطالب بحريته وحقوقه واستعادة كرامته. وبعد كل ماجرى ويجري في سورية من مذبحة ومقتلة مهولة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً، من خلال قتل مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري وتشريد ملايين منهم، ودك المدن وتدميرها على رؤوس ساكينها.
في ظل هذا المشهد المأساوي المستمر منذ أكثر من ثمان سنوات لازال يخرج علينا رجال دين من كهنة معبد الاستبداد، في أقبح صور الوثنيات السياسية، ففي الأيام القليلة الماضية تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورة للشيخ أيمن سويد أحد أشهر قراء القرآن، وهو إلى جانب وزير أوقاف النظام عبد الستار السيد بالإضافة لمشايخ مؤيدين للنظام السوري، في تدشين أحد المساجد في أوكرانيا، وهو موقف جديد لأيمن سويد يضاف إلى موقفه الذي يستذكره الناشطون في مسابقة للقرآن الكريم جرت في جامع الفاتح في اسطنبول بتاريخ 20 آيار 2017 شارك فيها ممثلاً عن سوريا، حيث قبل السويد بوضع علم النظام أمامه، قائلاً: "هذا هو علم الدولة"، هذا الموقف العلني والصريح للمقرئ سويد مع شبيحة النظام المستبد المتمثل بهذه الحفنة من رجال الدين وأزلام السلطة، ليؤكد على الولاء المطلق والحنين لحضن الظالمين، وليس لحضن الوطن.
وأما في الجهة الدينية المقابلة تماماً لسدنة وكهنة المسلمين، يقف رجال الدين المسيحي من المطارنة والبطاركة في معرة صيدنايا، المدنية القريبة من سجن صيدنايا وهو أحد "المسالخ البشرية" الأفظع للنظام السوري، حيث يوجد على مقربة من ذلك دير إفرام السرياني والذي اجتمع فيه القساوسة ورؤساء الكنائس الحاضرين من دمشق، "عبر الآباء المجتمعون عن اعتزازهم بانتصار سوريا قيادة وجيشاً وشعباً على جميع أشكال الإرهاب الذي يهدف إلى إضعافها وتجزئتها، مؤكدين على تكاتف الشعب المخلص والتفافه حول دولته ومؤسساتها الشرعية" عن أي انتصار يتحدث هؤلاء القساوسة شبيحة معبد الاستبداد، فاقدي الضمير والأخلاق، الذين ألبسوا على الناس الحق بالباطل، ووقفوا يحتفلون ويرقصون على جثث الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ الذين مزقت اشلائهم طائرات سيدهم وجيشه "الباسل" الذي قتل مليون إنسان وشرّد نصف الشعب السوري خارج أرضه، ودمّر مدنه وبلداته وقراه، واعتقل الآلاف من أبناء الشعب السوري الذين لايزالون يعانون في سجونه مرارة التعذيب والتجويع والقهر والحرمان والاغتصاب وإلى كل الانتهاكات التي لا تخطر على بال بشر.
ثم الذي يثير الاشمئزاز أيضا حديثهم عن شرعية النظام الذي جاء بانقلاب عسكري ثم بتزوير فاضح للوريث القاصر الذي ليس له أدنى شرعية سياسية، وهل يبقى هناك أي حديث عن شرعية بعد أن دمّر وطنه وشرّد شعبه وقتل خيرة أبنائه، واستعان عليه بكل شذاذ الآفاق وشرار الأرض لتركيعه.
وأخيراً لن ينسى الشعب السوري المكلوم كل من ساند هذا النظام المجرم وآزره ولو بكلمة، ولن ينسى أيضاً كل من أساء لثورته ووطنه ودماء شهدائه، وسيبقى يردد شعار ( اشنقوا آخر مستبد بأمعاء آخر شبيح)
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!