-
أردوغان يعوّل على ترامب في تمدّد تركيا.. وبايدن قد يقلب الطاولة
كثيراً ما يجري الحديث عن مهام الرئيس الأمريكي، ومدى تأثيره في السياسات المرسومة، داخلياً وخارجياً، خاصة على صعيد الدور الأمريكي في العالم، حيث يشير بعض المراقبين إلى أنّ منصب الرئيس في الولايات المتحدة لا يتعدّى كونه منفذاً للإستراتيجيات المرسومة مسبقاً من قبل الدولة الأمريكية، ككل، والتي ربما تحضر لسنوات طويلة قادمة، لكن آخرين يشيرون إلى كونه منصباً سيادياً وقادراً على تغيير سياسات الدولة الأمريكية في العالم، وهو رأي ربما أثبت ترامب نجاعته إلى حدّ بعيد.
فالمسنّ الأمريكي الأشقر، كسر الأهداف الأمريكية في العالم، عبر التصادم مع حلفائه في الناتو، منذ بداية تقلده لمنصبه العام 2016، بذريعة عدم وفائهم بالتزاماتهم المالية تجاه الحلف، كما حاول أن يكسر التصورات حول شخصه من خلال لقائه مع الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون.
وعلى صعيد الشرق الأوسط، خرق الرجل المساعي الأمريكية وخلط الأوراق حولها، فخالفت التصريحات الأفعال، وتم الانسحاب من مناطق شمال سوريا، ما أدّى إلى استقالة وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتيس، في العشرين من ديسمبر 2018، ثم خرج ترامب ليبرر فعلته بالقول إنّه ليس شرطي العالم، رغم أنّ ذلك الدور ربما كان يمثّل أحد ركائز السياسة الخارجية الأمريكية، عبر نشر قواعد وقوات عسكرية في مختلف أجزاء المعمورة، الأمر الذي يكفل لواشنطن بشكل تلقائي دوراً في رسم سياسات هذه المنطقة أو تلك.
وجود ترامب والفائدة التركية
ولدى مجيئه، لم يتمكن ترامب من إيقاف توريد الأسلحة لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، التي كانت في حالة حرب مع تنظيم داعش، رغم الدعوات المتكررة من الجانب التركي، لكن وعقب إنهاء الوجود العسكري لداعش في الباغوز بريف دير الزور، في الثالث والعشرين من آذار العام 2019، بدأ الرئيس الأمريكي بخلط الأوراق الأمريكية، من خلال الانسحاب من القطاع الممتد بين مدينتي رأس العين وتل أبيض، في شمال سوريا، والذي منح الجانب التركي الضوء الأخضر لمهاجمة المنطقتين، والاستيلاء عليهما في أكتوبر العام 2019.
وإلى جانب سوريا، كفل وجود الرئيس ترامب في سدّة حكم البيت الأبيض، عدم فرض عقوبات على تركيا، عقب شرائها منظومة الصواريخ الروسية المسماة “أس 400″، رغم بدء توريدها في يوليو العام 2019، متجاهلاً كل الدعوات الأمريكية التي كانت تشير إلى استحالة مرور الفعلة التركية دون عقاب، ليقتصر الأمر على حرمان أنقرة من طائرات أف 35، دون عقوبات اقتصادية أو سياسية حاسمة.
أما على الصعيد الأوروبي، فلطالما ابتزّت أنقرة الجانب الغربي في قضية اللاجئين، في الوقت الذي التزمت فيها واشنطن الصمت، وهي ترى حليفاً لها يبتزّ حلفاء آخرين، الأمر الذي تواصل في قضية بحث أنقرة عن الغاز في شرق المتوسط، رغم الدعوات اليونانية والقبرصية للتدخل ومنع أنقرة من جرّ المنطقة إلى الدائرة التي قد لا يكون هناك عودة عنها، لو تطور الصراع إلى نزاع مسلح.
لكن إدارة ترامب التزمت الصمت كالعادة، وهو ما دفع مؤخراً سياسيين وقادة أمريكيين سابقين، كالرئيس بارك أوباما، للتصريح والقول بأنّ “ترامب غير مؤهل لقيادة أقوى دولة في العالم”، في حين قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، جون كيري، إنّ “سياسة ترامب جعلت الولايات المتحدة تخسر مكانتها كدولة ريادية في العالم الحر”.
بايدن قد يقلب الطاولة
وفي ظلّ هيمنة ما قال عنها جون بولتون في كتابه عن ترامب، من هيمنة مصالحه الشخصية على مصالح الولايات المتحدة، من الواضح أنّ النموذج الذي يقدمه ترامب لتركيا هو الأمثل لأردوغان، فمع ترامب يمكن بكل تأكيد بيع وشراء الكثير.. وفي ميزان القوة الاقتصادية، سيخسر غالباً خصوم تركيا ضمن معادلة الربح والخسارة مع ترامب، كونهم لن يقدموا للمسن الأشقر ما قد تقدمه أنقرة من استثمارات ومشاريع، تتجاوز فترة وجود ترامب في سدة الحكم.
خاصة أنّ تصريحات سابقة أدلى بها المرشح الديمقراطي للرئاسة، جو بايدن، في ديسمبر الماضي، لا تبدو مشجعة أبداً للجانب التركي، حيث توعّد بايدن في حال فوزه بالرئاسة، بإسقاط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووصفه بالمستبد، متعهداً بدعم معارضته، دون أن ينسى اتهام نظام أردوغان بتأسيس تنظيم داعش، ومعرباً عن قلقه من وجود 50 رأساً نووية أميركية في تركيا.
بجانب تعهد بايدن بالعمل مع حلفاء أمريكا في المنطقة لعزل أردوغان وأفعاله في البحر الأبيض المتوسط، وقوله كذلك إنّه “قلق للغاية” من نهج أردوغان تجاه الأكراد في تركيا، وتعاونه العسكري مع روسيا والوصول إلى القواعد الجوية الأمريكية في تركيا”.
تحسّس تركي من بايدن
تلك التصريحات دفعت أنقرة، منتصف أغسطس، إلى شجبها، حيث صرّح فخر الدين ألتون، رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية، أنّ تصريحات بايدن “تعكس الألاعيب والنهج التدخلي تجاه تركيا” ولا تتفق مع العلاقات الدبلوماسية الحالية، وغرد ألتون عبر “تويتر”، فقال: “إنّه لا يمكن لأحد أن يهاجم إرادة أمتنا ونظامها الديمقراطي أو أن يشكّك في شرعية رئيسنا الذي جرى انتخابه بالاقتراع الشعبي”، على حدّ وصفه.
فيما زعم المتحدّث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، مغرداً عبر حسابه في “تويتر”، على أنّ التحليل الذي جاء في كلام بايدن وتداولته وسائل الإعلام مؤخراً “ينمّ عن الجهل المطلق والغطرسة والنفاق”، وخاطب قالن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، بالقول: “أيام إعطاء التعليمات لتركيا ولّت، ولكن ما تزالون تعتقدون أنّه يمكنكم المحاولة، إذن تفضلوا ولكنكم ستدفعون الثمن”.
كما أدلى وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بدلوه هو الآخر، وقال إنّ تركيا “ترفض بشدة” تصريحات بايدن حول دعم معارضي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات التركية عام 2023، مضيفاً أنّ تغيير الرئيس طيب رجب أردوغان والحكومة التركية بيد الأمة التركية، واصفاً تصريحات بايدن بأنّها “جاهلة”، مدعياً أنّ “الشعب التركي هو الوحيد صاحب القرار في تغيير قيادة البلاد، وليس الولايات المتحدة”.
أما حليف أردوغان، زعيم الحركة القومية التركية، دولت بهتشلي، فوصف دعوة بايدن لإسقاط أردوغان ودعم المعارضة، بأنّها “مخطط دنيء”، وقال في بيان إنّ “الحركة القومية التركية تدين بشدة تصريحات بايدن، وإنّ الحزب الديمقراطي الأمريكي، له موقف مشابه من موقف مرشحه للانتخابات”، وتابع: “بات معروفاً من يقفون وراء الانقلابات والتدخلات الخارجية في الدول، والأزمات، والأعمال الإرهابية والمساعي المناهضة للديمقراطية حتى اليوم”.
ومنه، يبدو أنّ الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستعقد في الثالث من نوفمبر القادم، لن تكون امتحاناً لترامب على الصعيد الداخلي فحسب، وإنما على الصعيد الخارجي أيضاً، وهو ما قد لا يدركه الأمريكيون لدى تصويتهم، بأنّ قرارهم ذلك قد يغير كثيراً من صورة حوض المتوسط لعشرات السنوات القادمة، فدخول تركيا إلى شمال سوريا وليبيا والتمدد في المتوسط وغيرها من الملفات، تنتظر غالباً إعادة انتخاب ترامب لترسيخها، أو انتخاب بايدن لقلب الطاولة عليها، لو التزم فعلاً بتصريحاته السابقة.
ليفانت-خاص
إعداد وتحرير: أحمد قطمة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!