الوضع المظلم
الأحد ٢٨ / أبريل / ٢٠٢٤
Logo
وأد الثورة السورية
عمار جلو
مرّ قرابة العقد على جلوس الشيخ أحمد معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على المقعد المخصص للحكومة السورية في اجتماع الجامعة العربية، المنعقد في آذار/ مارس 2013، فيما تتزايد اليوم الأحاديث عن عودة سوريا إلى صفوف الجامعة بعد عقد من القطيعة، كأحد ثمار مشروع إمداد لبنان بالطاقة عبر الأراضي السورية وما أتبعه من زيارات متبادلة بين الجانبين السوري والأردني، بالإضافة للزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق مؤخراً، وهو ما يسلّط الضوء على مسيرة الفشل التي سارت بها المعارضة السورية وما زالت مع إنكارها لهذا الفشل.

لا يمكن الحديث عن انتصار النظام في الحرب المفتوحة على شعبه المطالب بالحرية والتغيير الديمقراطي، والتي وضعت الأسد بين خيارين، التنحي أو الحرب الدموية، التي آثرها سفاح دمشق ودعّمها بالإطار الطائفي، مما أدّى لتمزيق المجتمع مع فشل الدولة وانهيارها غير المعلن.

كذلك لا يمكن الحديث عن فشل الثورة في إحداث التغيير الديمقراطي دون الحديث عن فشل المعارضة في قيادة هذه الثورة والعبور بها لأهدافها المرجوة، فقد عجزت المعارضة عن تقديم خطاب واعٍ ومطمئن للشعب السوري على اختلاف مشاربه كمحصلة لانقسامها، الفكري والسياسي، الداخلي والخارجي، السياسي والعسكري، وقد ذهبت الجهود والضغوط الدولية الرامية إلى توحيد المعارضة أدراج الرياح، فقد تم ركل الاتفاق (الميثاق الوطني لسوريا الجديدة) الذي توصّل له طرفا المعارضة، المجلس الوطني وهيئة التنسيق، عام 2012 في اليوم الثاني لتوقيعه، كذلك فشلت المعارضة في تسويق نفسها كطرف ينبذ الاستبداد ويسعى للديمقراطية ودولة المؤسسات، إذ مارست الاستبداد والتفرّد بالرأي ضمن صفوفها، وهو ما ولّد انشقاقات زادت من شرذمتها وخروجها عن الخط الوطني، حيث تم الاستقواء بالدول نتيجة رفض المعارضة لتيارات خارجة عن رؤيتها.

لم تدرك المعارضة السورية طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقها ولا طبيعة العلاقات الدولية للنظام العالمي، إذ فضلت السير خلف الشارع الثائر بدلاً عن قيادته، فالبطولة والشجاعة التي تحلّى بها العمل الثوري باب من أبواب الوصول لأهداف الثورة، التي تتطلب إدراك المطبات والألاعيب السياسية ومجابهتها أو بالعمل السياسي وفنونه، وهو عنصر غائب عن الشارع الثوري نتيجة انعدام التجارب لدى الأغلبية.

أما ما يتعلّق بالعلاقات الدولية، فقد أحجمت المعارضة عن قبول الحلول السياسية، والتي دخلتها مرغمة بدايةً، ثم نادت بها لاحقاً بعد تدرّج الموقف الدولي نزولاً عنها، كبيان جنيف، الذي نصّ على ”هيئة حكم مؤقتة بصلاحيات تنفيذية كاملة وبموافقة الطرفين”، حيث عزّز النص المذكور من تصلّب موقف المعارضة تحت تأثير الفيتو الممنوح لها بموجب نص البيان، وأدى لرفع سقف مطالبها إلى التغيير الشامل للنظام، فقضت بهذا الطلب على محاولات الانشقاق المؤثرة في البنية الصلبة للنظام، أو ما يُعرف في العلوم السياسية بخلق القوة الثالثة، ثم عادت للمطالبة ببيان جنيف بعد تراجع الموقف الدولي عن صيغة جنيف بموجب القرار 2254 لعام 2015، كذلك ركنت المعارضة للوعود اللفظية دون تقليبها وتمحيص جديتها في ضوء الأحداث وقراءتها.

لم تقدّم المعارضة مشروعاً حقيقياً لسوريا ما بعد الأسد، وهو ما لا تقبله السياسة الدولية التي تُبنى المواقف فيها بالاستناد إلى مواقف والتزامات واضحة، مقنعة وموضوعية، ولعل ما ناله الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة من اعتراف الكثير من الدول به كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري، مثّل بالون اختبار لهذه المعارضة، لدراسة سلوكياتها على ضوئه قبل تنفيذها لمترتباته القانونية من طرد البعثات الدبلوماسية للأسد وتسليم مقارّها للمعارضة، فالدول تبني مواقفها بالتدرّج التصاعدي غالباً، إلا أنّ فشل المعارضة بالاختبار أبقى الاعتراف المذكور معلّقاً في الهواء.

أن تكون على حق شيء، وأن تصل لهذا الحق شيء آخر، فقد استندت المعارضة على المظلومية وممارسة اللطم السياسية بدل تقديم خطاب مطمئن للدول الفاعلة يكون رافعة لحسم موقفها تجاه طرفي المعادلة السورية، فحتى روسيا وإيران، كانت مطابخهما السياسية تتداول آراء ومقترحات لسوريا بدون الأسد، غير أنّ المعارضة قد مارست العكس، من تأييدها للتنظيمات الإرهابية على لسان رئيس ومسؤولي الائتلاف والمعارضة إلى العمل وفق أجندة أيدولوجية ومشاريع إقليمية.

خفف الانقسام بين جناحي الثورة، السياسي والعسكري، من وزن المعارضة المدنية والسياسية، فمع تعنّت الجيش الحر والفصائل المحسوبة عليه عن الانضواء تحت القرار السياسي، لم يبقَ للمعارضة من هامش للعمل السياسي أو لمأسسة العسكرة التي اختارت البقاء منفلتة في قرارها باحثة عن السلطة في مناطق سيطرتها، وفي سبيل ذلك عملت على الوصول إلى منابع تمويل مستقلة لتكريس استقلاليتها، مما أورث الجغرافيا السورية كانتونات متفرقة تبني سياستها وفق متطلبات البقاء في السلطة على الجغرافيا الخاصة بها وزيادتها بمعزل عن الهم الثوري العام، مارست تلك الفصائل لاحقاً علميات بيع شركائها الثوريين في البازار الجهادي المتمدد.

لم يكن التسلّح خياراً للثورة، بحسب البعض، ويخالفهم البعض الآخر، إلا أن الانحراف الذي انزلقت له الفصائل بمواجهة الدولة بدل مواجهة لسلطة رفع أكلاف الثورة ومدّ أمدها، ضاعفت الفصائل هذه الأكلاف بسعيها لتثوير المدن عن طريق الدخول المسلح إليها، مما أدخل الثورة والمعارضة في دوامة تتجاوز إمكانياتها المادية والتقنية، ومع بروز داعش ونشأة التحالف الدولي لمحاربتها، تم دفن آخر آمال الثورة، بعد إحجام الفصائل الثورية عن محاربة داعش والانضواء تحت مظلة التحالف كقوات رديفة على الأرض، وهو موقف تشاركت فيه الغالبية العسكرية والسياسية، التي لم يبخل أعتى علمانييها بكيل المديح لتنظيمات الجهاد الأسود على الأرض السورية، تلك التنظيمات التي فرّغت الثورة السورية من قيمها، وهو ما ننكره حتى الآن.

بالغ الثوار المسلحون بالشتائم والتطاول على المعارضة السياسية بحجة عم تعليتها لقيم الثورة وتضحياتها، مقسمين الثوار إلى ثوار الداخل وثوار الخارج وثوار الخنادق وثوار الفنادق، وما إن فتحت أستانا أبوابها حتى تدافعوا إليها، متسابقين فيما بينهم على الارتزاق والتنازل المجاني عن الثورة والوطن.

عمار جلو
ليفانت - عمار جلو

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!