الوضع المظلم
الأربعاء ٠٨ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • هل ينجح اللاجئون السوريون في هزيمة اليمين والكورونا؟

هل ينجح اللاجئون السوريون في هزيمة اليمين والكورونا؟
هل ينجح اللاجئون السوريون في هزيمة اليمين والكورونا؟

نور مارتيني


سجّلت الدّول الأوروبية تصاعداً في شعبية اليمين المتطرّف، خلال الأعوام الأخيرة، الأمر الذي تبدّى في الهجوم العنيف على اللاجئين، الذين ينتمون إلى بيئة ثقافية ودينية مختلفة عن تلك التي يمتلكها الأوربيون والغربيون بشكل عام.



تجلّى هذا الهجوم من خلال تركيز وسائل الإعلام على نقاطٍ، هي في الأغلب، من ترويج مؤيّدي النظام الذين سارعوا إلى حجز مقاعدهم في صفوف اللاجئين، ثمّ راحوا ينضمّون إلى الأحزاب اليمينية، ليروّجوا دعاية النظام، والدول الداعمة له حول "الدواعش"، و"الإرهابيين" الذين تمّ تصديرهم إلى أوروبا، مع وصفهم بالهمجية والتركيز على عدم قابلية هؤلاء اللاجئين على الاندماج في المجتمعات الجديدة.

تزامنت هذه التصريحات مع أعمال عنف تجاه اللاجئين، ففي ألمانيا تمّت مهاجمة "مقاهي الشيشة" العائدة لمواطنين أتراك، عدا عن حوادث القتل المريبة، والغموض الذي يكتنف التحقيقات المتعلّقة بها.

أما في السويد، فقد صرّحت الحكومة السويدية مراراً بأنّ اليمين المتطرّف لا يقلّ خطورة على المجتمع السويدي من تنظيم داعش، حتى أنّ خبراء علم الجريمة، اتّهموا اليمين المتطرّف بتنفيذ التفجيرات التي استهدفت المدن السويدية، مؤخّراً، مستندين إلى معطياتٍ توصّلوا إليها من خلال المقارنة بين نهج الجهتين.


مع تصاعد أزمة الكورونا، بدأت الفوارق الطبقية والمجتمعية تتلاشى، فالفيروس لا يميّز بين لاجئ ومواطن، ولا يكترث للوضع الاقتصادي، لذا بدأ هذا النوع من الخطاب ينحسر شيئاً فشيئاً.


الأمر لا يخلو من بعض التصريحات غير المسؤولة من قبل بعض الساسة، ولكن يبدو أن المجتمعات اكتسبت مناعة ضدّ البروباغاندا اليمينية، تماماً مثل مناعة "القطيع"، التي اتبعتها السويد على سبيل المثال، في مواجهة الكورونا.


اقرأ المزيد: المبادرات المجتمعية في زمن الكورونا..عمر الجرف نموذجاً


اليمين الأوروبي واختبار الكورونا


حاولت بعض الأحزاب اليمينية استغلال أزمة الكورونا، للتحريض ضدّ اللاجئين، وطالت التهديدات المستشارة الألمانية "أنغيلا ميركل" شخصياً،


حيث قاد اليمين المتطرف حملات على منصات التواصل الاجتماعي وصلت حد المطالبة بقتل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، لأنها كانت السبب في فتح أبواب ألمانيا أمام اللاجئين. الأمر الذي دفع "توماس هالدنفيج" رئيس مكتب حماية الدستور الألماني لإطلاق تحذيرات شديدة اللهجة في حوار لصحيفة "دي تسايت" الألمانية، مؤكداً أن الحركات المتطرفة تستغل الأزمة لتحقيق مصالحها الخاصة بنشر نظريات المؤامرة والكراهية عبر أكاذيب لإشعال الرأي العام وكسب أرضيات جديدة، مؤكّداً أن الهيئة تراقب الأمر عن كثب لخطورته المتزايدة على المجتمع في هذه الظروف.


فيما ذهبت رئيسة "الحزب المسيحي الديمقراطي" إيبا بوش ثور في مقال نشرته على الصحف السويدية، إلى أنّ اللاجئين بسبب عاداتهم وتقاليدهم كانوا الضحية الأكبر للفيروس، حيث أنهم لم يتخلّوا عن هذه العادات، وسمّت الجاليتين السريانية والصومالية، ما استدعى الرّد عليها من قبل رئيس الجمعية الصومالية، بالقول بأنّ اللاجئين هم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، بسبب طبيعة الأعمال التي يمارسونها، كالرعاية الاجتماعية والرعاية الطبية، مذكّراً أن الإصابات بينهم في استوكهولم لم تتجاوز الـ 15%، وتساءل عن عدم إشارتها للسويديين الذين ذهبوا للسياحة والتزلج في شمال إيطاليا وعادوا محمّلين بالفيروس!

فيما وجّهت أحزاب يسارية أصابع الاتهام للميزانية اليمينية التي اعتمدتها الحكومة، والتي كان لها الدور في "إفقار الفقراء وإثراء الأغنياء"، بحسب رؤية حزب اليسار السويدي، والتي جعلت الإصابات أكبر في صفوف اللاجئين والمهاجرين، بسبب تردّي أوضاعهم الصحية والنفسية، نتيجة محاباة حكومة ستيفان لوفين لليمين، وتبنّي ميزانيتهم.


اقرأ المزيد: روسيا اليوم: ترميم مسجد في ريف السويداء على نفقة مفتي النظام


مبادرات أهلية في الدول الأوروبية


انخرط السوريون في مبادرات أهلية، لتساعد البلدان التي لجؤوا إليها، على تجاوز محنة الكورونا، وكان لهذه المبادرات صدىً متميزاً من قبل أبناء هذه البلدان، سيما وأنّ اليمين المتطرّف كان يحرص دائماً على استغلال نقطة حصول اللاجئين على مساعداتٍ مالية، مصدرها أموال دافعي الضرائب.


من بين المنخرطين في هذه المبادرات، المتطوع رامي طرابلسي، وهو ناشط سوري، عمل في مجال الدعم النفسي سابقاً، قبل انتقاله إلى السويد.


رامي الذي تطوّع منذ وصوله في الصليب الأحمر السويدي، أعلن على صفحته على فيسبوك، أنّه عاد للعمل في صفوف الصليب الأحمر كمتطوع، يقول لليفانت": "أعتقد أن القادمين الجدد واللاجئين مرّوا بتجارب كارثية، قبل وصولهم لبلدان اللجوء؛ هذه التجارب تجعلهم أقدر على مواجهة هذه الكوارث، سواء عملياً أو نفسياً، وهو ما ينعكس على أدائهم على أرض الواقع، على عكس المواطنين السويديين، الذين لم يخوضوا تجارب كهذه، وهو ما يدركه السويديون تماماً".

ويتابع طرابلسي: "من خلال مشاهداتي فإنّ الغالبية من المتطوّعين هم ممن ينتمون إلى اللاجئين، وشخصياً، يشكّل هذا الموضوع عامل فخرٍ بالنسبة لي حين أرى ردود أفعال السويديين الممتنة، فهم يشاهدون بأمّ أعينهم ما يدحض نظريات اليمين المتطرّف".


فيما يقول الصحفي صخر إدريس، في تصريح خاص لليفانت أنّ "العمل التطوّعي هو منهج وأسلوب حياة لمن يؤمن به، وأنّه يأخذ الإنسان إلى مستوىً عالٍ من الراحة والطمأنينة والأمان، من خلال مشاركة المسؤولية الاجتماعية مع الآخرين، ويسهم في نبذ جميع النزعات العنصرية".


ويرى إدريس أن "العمل التطوعي يلغي فكرة التفوق، ويعزّز المساواة بين البشر، أثناء الأزمات والكوارث، وهو ما نلحظه حالياً" ويوضح صخر إدريس أنّه بصدد التطوع في ورشة لتصنيع الكمّامات، وأنّه سينضمّ في الأسبوع القادم لمنظمة تعنى بتوزيع الطعام لكبار السن والمشرّدين، وهو ما يجعله عرضة للإصابة بالفيروس بشكل مباشر، وأوضح إدريس أن المنظمة أوضحت له مكامن الخطورة في هذا النوع من الأنشطة التطوعية، ولكنّه تقبّلها بصدرٍ رحب.


هل يتمكّن السوريون من هزيمة اليمين المتطرّف الأوروبي؟

منذ وصول موجة اللاجئين الكبرى إلى أوروبا، بين عامي 2015 و2016، والتي كانت الحصّة الأكبر فيها من نصيب السوريين، لم تتوقّف أصوات اليمين المتطرّف عن التنادي لمواجهة خطر اللاجئين، وهو ما زاد من شعبية اليمين المتطرّف، وحصوله على نسبٍ غير مسبوقة، ساعده في ذلك نشاط ملحوظ لخلايا داعش، والتي اتضّح في كثير من الأحيان أنها مرتبطة بأذرع روسية، أو إيرانية، فضلاً عن تصريحات المسؤولين في النظام السوري والدول التي تسانده، كنهديدات مفتي النظام السوري: "أحمد حسون" على سبيل المثال.


فيما إذا كان هذا النوع من النشاط يسهم في هزيمة اليمين المتطرّف، يقول رامي طرابلسي: "أعتقد أن هذه المبادرات تعزز شعور المواطنة لدى اللاجئين، ما يخلق ردود أفعال إيجابية لدى المواطن الأصلي واللاجئ على حد سواء، وهو ما يساهم في خفض شعبية اليمين المتطرّف الذي يلعب على هذا الوتر" موضحاً أنّ هذا النوع من المبادرات تسحب البساط من تحت "اليمين الشعبوي"، حيث أنّهم لن يكون لديهم حجة في انتماء اللاجئين لمجتمعاتهم، ومشاركتهم في أزماتهم، ما يجعل اليمين يخسر معركته القادمة.

فيما يرى الصحفي السوري صخر إدريس، أنّه "لوحظ في أوروبا أنّ غالبية المتطوعين هم من اللاجئين والوافدين، وهو ما يكوّن عاملاً مهماً في لجم أصوات اليمين المتطرّف، وهو ما نلمسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بدأ الأوروبيون يهاجمون البروباغاندا اليمينية استناداً إلى مشاركة اللاجئين الفاعلة في مواجهة الأزمة" ويلفت إدريس النظر إلى أنّ المبادرات التطوعية تلغي فكرة التفوق، التي هي الركيزة الأساسية التي يعتمدها اليمين في سياساته.  


لربّما كانت أزمة الكورونا طوق نجاةٍ للسوريين في الداخل وفي بلدان اللجوء، ففي مناطق الشمال السوري أوقفت العمليات العسكرية، ولوحظ انخفاض كبير في أعداد القتلى خلال الشهر الماضي، والذي جعل من مواجهة الجائحة استحقاقاً لدى القوى العسكرية المتواجدة في المنطقة، على حساب التقدّم الميداني. من جهة أخرى، أسهمت في تقليص نفوذ اليمين المتطرّف، فها هو "جيمي أوكيسون" زعيم الحزب السويدي الذي يقع في أقصى اليمين "السويدي الديمقراطي" يخرج ليعلن للسويديين أنّ البلاد تحتاج كلّ سكانها، وأن الوقت غير مناسبٍ للبحث في المعارك السياسية، بعد أن كان قبل مدّة وجيزة، على الحدود التركية يوزّع أوراقاً للاجئين، تحبرهم بأنّ "لا مكان لك في السويد"!


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!