-
هل يكون ماكرون رئيساً لكل الفرنسيين؟
لُقّب إيمانويل ماكرون في دورة الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017 بـ “جوبيتر"، نسبة إلى الآلهة الرومانية "جوبيتر"، لأنه اعتمد وقتذاك على مفهومه لسلطة جوبيتر، وهو ملك الآلهة الرومانية وإله السماء والبرق في الميثولوجيا الرومانيّة، كما أنّه راعٍ وعراب لروما، يقوم بسنّ القوانين ويضمن النظام الاجتماعي والعدالة للجميع.
يتسلّم "جوبيتر" مجدداً رئاسة فرنسا لخمس سنوات أخرى، بعد أن خرج من المنافسة مع شخصية مثيرة للجدل والانقسام في فرنسا وأوروبا، إلا أنّ ذلك الجزء الخاص بالمنافسة مع مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية يبدو أنه كان الأسهل، فهناك تحديات كبيرة وجديّة هذه المرة تنتظر ماكرون في الانتخابات البرلمانية وعلى مستوى تنفيذ وعوده الانتخابية.
تشير استطلاعات الرأي في فرنسا أنّ حزب ماكرون سيعمل على الاحتفاظ بسيطرته السابقة في الانتخابات البرلمانية، ما يعني وجود احتمال حقيقي للغاية لحكومة منقسمة مع رئيس دولة منفصل عن القدرة على متابعة أجندة محلية، لا يجادل فريق ماكرون الذي سارع إلى الخروج من الكتل في أعقاب انتخابات نهاية الأسبوع بأن يعد بتقديم كل ما في فرنسا ومحاولة إعادة تجميع الانقسامات التي ظهرت في استطلاعات الرأي.
نظرية "جوبيتر" لا تنفع في القول فقط، وإنما تحتاج بيئة عملياتية آمنة للقيام بذلك، أي أن القول إنك تريد توحيد الأمم هو بالطبع أسهل من القيام بذلك. ثمة تحديات كثيرة تواجه ماكرون وأوروبا، فالحرب في أوكرانيا وأزمة تكاليف المعيشة المتفاقمة المرتبطة بها جزئياً هي قضايا صعبة للغاية. ومن المثير للاهتمام أن الرئيس الروسي بوتين سارع إلى تهنئة ماكرون بفوزه، قائلاً: "أتمنى لكم بصدق النجاح في أنشطة الدولة، فضلاً عن الصحة الجيدة والرفاهية". حاول ماكرون أن يستثمر جهوده بكثافة لإيقاف الحرب بأوكرانيا في المقام الأول، لكن صور فشله في القيام بذلك أثناء جلوسه على طاولة طويلة جداً أمام بوتين أثبتت أنها عرقلت حملته الانتخابية.
سيسعى ماكرون خلال زيارته الأولى في ولايته الثانية إلى ألمانيا للتركيز على محور باريس - برلين مكوناً مركزياً لقدرة الاتحاد الأوروبي في تأكيد نفسه على المسرح العالمي، كما أشار ماكرون في الماضي، لتجنب الاعتماد على الطاقة في روسيا، وعسكرياً على الولايات المتحدة. يكافح الوافد الجديد نسبياً المستشار الألماني، أولاف شولتز، للسيطرة على استجابة بلاده للأزمة الأوكرانية، وسيكون العمل عن كثب مع ماكرون علاقة مهمة لبرلين لرسم الأجواء المضطربة الحالية.
تشير العديد من التوقعات والدراسات الفرنسية والأوروبية، أنه إذا فقد ماكرون السيطرة والنفوذ داخل البرلمان الفرنسي، فقد تتبلور أولوياته فجأة وبشكل دراماتيكي في فضاء السياسة الخارجية، وفجأة قد نرى رئيساً متجولاً في اجتماعات مستمرة مع زملائه من قادة العالم بعيداً عن السحب التي تحيط بالداخل الفرنسي. بمعنى ما، ستتفاقم نزعاته الشبيهة بـ"كوكب المشتري" بسبب الخسارة في الانتخابات التي ستُجرى في حزيران (يونيو) مع تركيز عقله على قضايا القيادة الكلية في الاتحاد الأوروبي وتلك المتعلقة بالحرب والسلام العالميين.
يعتبر العديد من المراقبين والمحللين أن إعادة انتخاب ماكرون كانت تاريخية، بمعنى أنه لم يفز أي رئيس فرنسي آخر بولاية ثانية بينما كان مسؤولاً عن حكومته. إنه يتحدّى الجاذبية السياسية التي تسمح بها الانقسامات الفعلية في فرنسا التي يأمل الآن في معالجتها. سمحت هيمنته البراغماتية على أرضية الوسط للأحزاب في الطرف الآخر من الطيف السياسي، من اليسار واليمين على حد سواء، بالازدهار، مما يعني أنه كبديل هو الخيار الوحيد لمن هم في الوسط.
في غضون ذلك، بالنظر إلى طبيعة التصويت في فرنسا، هناك انقسامات واضحة عبر العمر الجغرافي (الحضري/ الريفي) والثروة، تجعل من الصعب رؤية الإحساس الواضح بالمكان الذي يمكن للسياسة أن تعيد فيه الناس للتوحد معاً. على الرغم من الخسارة، مرة أخرى احتفل معسكر لوبان بالحصول على مثل هذه الحصة الكبيرة من الأصوات ورسالته هي أنّهم يركزون على استراتيجية طويلة المدى. هذا هو السرد للرواية الفرنسية المتداولة، الذي لا يختلف كثيراً عن السرد الذي أحاط بتصويت "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" في المملكة المتحدة، وهو خيار بين أنصار عولمة ماكرون وقوميي لوبان.
بسبب هذا التشتت السياسي الكبير في فرنسا، وتراجع اليسار عن القيام بدوره المنوط به، وتقدم اليمين المتطرّف في الأعوام الأخيرة بشكل مخيف (كما يقول الفرنسيون والمراقبون)، ربما على الساسة المعنيين التفكير بجدية لتغيير آلية الانتخابات الفرنسية والتفكير بخطوات مدروسة حول إعادة توحيد فرنسا سياسياً، وبالتالي التخلص من نظام الجولتين لاختيار الرئيس الذي يصعب أو يجبر الفرنسيين باختيار ربما من لم يكونوا يفكرون بانتخابه في الجولة الأولى، كما حصل مع مارين لوبان وماكرون.
في الأيام القادمة سيتم تحديد الكثير مما ستبدو عليه فترة ولاية ماكرون الثانية، وتحديداً في يونيو، وهنا يجب على ماكرون أن ينفّذ وعده بأن يكون رئيساً لكل الفرنسيين، كما شعار حملته الرئاسية، والسعي نحو تشكيل حكومة توافقية مع الأحزاب الأخرى، وسط الزحف المخيف لحزب لوبان، وخطرهم اليميني على الحكومة الفرنسية القادمة.
ليفانت - شيار خليل
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!