الوضع المظلم
الجمعة ١٧ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • هل يستطيع خلوصي أكار إنقاذ تركيا والشرق الأوسط من حماقة أردوغان؟

هل يستطيع خلوصي أكار إنقاذ تركيا والشرق الأوسط من حماقة أردوغان؟
داليا زيادة

وقعت مصر واليونان، في السادس من أغسطس، اتفاقية تحدد منطقة في شرق البحر المتوسط كمنطقة اقتصادية خالصة بين البلدين، وفي المؤتمر الصحفي الذي أعقب التوقيع على الاتفاقية، قال وزير الخارجية اليوناني، "نيكولاوس دندياس"، إن الاتفاقية مصممة بما يتوافق مع القانون الدولي، ثم أضاف: "والآن، فقد أصبح المكان الطبيعي للاتفاق الغير قانوني بين تركيا وليبيا هو سلة المهملات!"


قبل ذلك بخمسة أيام، في الأول من أغسطس، أعلنت فرنسا وقبرص أن "اتفاقية التعاون الدفاعي" الموقعة في أبريل ٢٠١٧، قد دخلت حيز التنفيذ، وتضمن الاتفاقية التعاون في "موارد الطاقة، وإدارة الأزمات، ومكافحة الإرهاب، والأمن البحري"، وقد جاء تفعيل الاتفاقية كرد غير مباشر على مساعي تركيا التوسعية في البحر المتوسط، والتي بدأت بمضايقة اليونان وتهديد أمنها الحدودي، قبل أن توجه تركيا قواتها نحو قبرص.


وبينما لاقى إعلان الاتفاقيتين بين مصر واليونان، وبين فرنسا وقبرص، استحسانًا دوليًا، كان الرئيس التركي أردوغان، على ما يبدو، منهمكاً في تكسير بعض الأواني الزجاجية في منزله لتفريغ ما بداخله من غضب، إذ تدحض هاتان الاتفاقيتان محاولات تركيا الغير مشروعة لتحقيق حلم "الوطن الأزرق" في البحر المتوسط، وتقوضان تحركات أردوغان غير الشرعية في البحر المتوسط بقوة القانون الدولي. فقد حوّل أردوغان شرق المتوسط، مؤخراً، من بحر هادئ إلى منطقة حرب، عبر إرسال قواته البحرية للتنقيب عن الغاز في خارج حدود المياه الاقليمية لتركيا، بما شكل تعدي وتهديد للدول المجاورة في أوروبا، ناهيك طبعاً عن مساعيه في تحويل شمال أفريقيا إلى بؤرة جديدة لإنتاج الإرهاب وتصديره، من خلال نقل المرتزقة والميليشيات الإرهابية التابعة له من سوريا إلى ليبيا.


في غضون ذلك، أخذ الاقتصاد التركي في الانهيار وزادت معاناة الشعب التركي لآفاق غير مسبوقة، وفي السابع من أغسطس، انخفضت الليرة التركية إلى أدنى سعر لها على الإطلاق مقارنة بالدولار الأمريكي، وقد ألقي الرأي العام الغاضب داخل تركيا اللوم على سياسات أردوغان المعيبة، في الداخل والخارج، وكذلك السياسات النقدية الفاشلة التي يقررها زوج أبنة أردوغان، بيرات البيرق، الذي يتولى منصب وزير الخزانة والمالية في تركيا.


بل والأسوأ من ذلك، هو أن منهج أردوغان في عسكرة السياسة الخارجية لتركيا في الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط قد وضعت الجيش التركي تحت ضغط هائل وأضرت بسمعته الدولية أشد ضرر. يكفي أن تركيا معرضة الآن لخطر فرض عقوبات عليها من قبل الكونجرس الأمريكي على خلفية شراء الجيش التركي نظام الدفاع الجوي S-400 من روسيا، أثناء تعاونه مع الولايات المتحدة في برنامج تصنيع الطائرات المقاتلة F-35. وهذه العقوبات، إذا تم تطبيقها، فإن ذلك سوف يزيد من سوء سمعة الجيش التركي وعلاقاته الخارجية بما فيها علاقته بحلف الناتو، وحتماً سوف يعجل بالانهيار الاقتصادي في البلاد.


لهذا ناشد وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار"، في ٢٧ يوليو، الكونجرس الأمريكي لإعادة النظر في قراره بشأن فرض عقوبات على تركيا، وعرض على الإدارة الأمريكية "معالجة أي مخاوف أمريكية بشأن مسألة التوافق بين الصواريخ الروسية والطائرات الأمريكية، على أساس تقني". والجدير بالذكر هنا، أن الوزير خلوصي أكار كان قد عوقب سابقًا، بحكم منصبه، من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، في أكتوبر ٢٠١٩، على خلفية تورط الجيش التركي في "العنف المتصاعد في سوريا، وتعريض المدنيين الأبرياء للخطر، وزعزعة استقرار المنطقة".


بصراحة، هو أمر محزن إلى أقصى حد، أن نرى الجيش التركي الجبار، وقائده المتميز خلوصي أكار، قد تحول إلى لعبة في يد رئيس إسلامي مثل أردوغان. يجب على الجيش التركي الامتناع عن تنفيذ طموحات أردوغان غير المنطقية وغير الشرعية في الخارج، لأنها تضر تركيا والشعب التركي أكثر من أي طرف آخر. لقد حولت سياسات أردوغان تركيا بالفعل إلى دولة "معادية" لمعظم أصدقائها السابقين في أوروبا والولايات المتحدة، وأيضاً جيرانها الأقربين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.


هناك مسؤولية تقع على عاتق الجيش التركي في هذا الشأن، فالجيش هو المؤسسة الوحيدة القادرة على إنقاذ تركيا من المنعطف الخطر الذي يقود أردوغان البلاد إليه بمنتهى الحماقة وبأقصى سرعة، وهذا الكلام لا يعني بالضرورة الإطاحة بنظام أردوغان الإسلامي من السلطة عبر تنفيذ انقلاب عسكري، فمثل هذا الإجراء سوف يؤدي إلى عواقب وخيمة لا يمكن لتركيا أن تنجو منها، نظراً للأزمة الاقتصادية التي تمر بها حالياً. ولكن، على الأقل، في الوقت الحالي، يجب على القيادة العسكرية التركية، وبالتحديد الوزير خلوصي أكار، ذو الشعبية الواسعة، أن يلعب دور صوت العقل داخل النظام التركي، وأن يحاول كبح جماح أردوغان وتحركاته العمياء، في الشرق الأوسط وفي البحر المتوسط. هذه هي مسؤوليته كقائد، والتي سيحاسبه عليها التاريخ، تجاه الشعب التركي وشعوب الشرق الأوسط التي تعاني بسبب حماقة أردوغان.


داليا زيادة

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!