الوضع المظلم
السبت ٠٩ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • هل قررت إيران أن سليماني لا يستحق حرباً.. أم قررت أمريكا الإنسحاب؟!

هل قررت إيران أن سليماني لا يستحق حرباً.. أم قررت أمريكا الإنسحاب؟!
هل قررت إيران أن "سليماني" لا يستحق حرباً.. أم قررت أمريكا الإنسحاب؟

عقب أيام من التهديدات الإيرانية المتواصلة بحق الولايات المتحدة الأمريكية، التي نفذت فجر الثالث من يناير، عملية اغتيال طالت قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، صرّح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، اليوم الأربعاء، على "تويتر" أن إيران لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب، وذلك بعد أن أطلقت طهران صواريخ على أهداف أميركية في العراق، وأردف أن إيران ستدافع عن نفسها في وجه أي عدوان، مشيراً إلى أن بلاده (انتهت من الرد)، في إشارة إلى أن الرد الإيراني على مقتل سليماني.


فيما قال علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، إن بلاده لا تسعى للحرب، لكنها سترد رداً ساحقاً على أي عدوان، وأضاف على "تويتر": "نشكر الحرس الثوري على العملية الناجحة.. لم نرغب قط في الحرب لكن أي عدوان سيُواجه برد ساحق".


رد ساحق ولكن..


ولعل ما يثير الدهشة هو الرد الساحق الذي تحدث عنه ربيعي، إذ زعمت وسائل إعلام إيرانية أن أكثر من 80 جندياً أمريكياً قد قتلوا، وهي مزاعم لم تؤكدها أي جهة، بل حتى أن الرئيس الأمريكي ترامب قد غرّد قائلاً أن كل شيئاً على ما يرام، وهو ما يفنّد الرواية الإيرانية حول مقتل الجنود الأمريكيين حتى الساعة على الأقل، ما دام الجانب الأمريكي منكراً لها، وما دامت الصور والدلائل التي تثبت الرواية الإيرانية غائبة، ليكون الرد الساحق الإيراني غير ملطخاً بقطر دمٍ أمريكية واحدة، أقله حتى الساعة. 


وجاء ذلك فيما قال مستشار للرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء، إن أي رد أميركي على هجمات إيران الصاروخية على أهداف أميركية في العراق قد يؤدي إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط، وأضاف حسام الدين آشنا، في بيان على "تويتر": "أي عمل عسكري مضاد من جانب الولايات المتحدة سيُواجه بحرب شاملة في جميع أنحاء المنطقة".


دون أن ينسى الإيرانيون إطلاق تصريح آخر معه، يبدو أنه من قبيل الاستهلاك الإعلامي،  حيث قال الجيش الإيراني، إن طهران عينها على 100 هدف آخر "في حال اتخذت أميركا أي إجراءات للرد"، كما عاد الحرس الثوري الإيراني بالتهديد باستهداف القواعد الأميركية إذا ردت واشنطن، ناصحاً الأخيرة بسحب قواتها من المنطقة "لتفادي سقوط مزيد من القتلى".


تخبط أمريكي..


وبكل الاحوال، يبدو أن الأمريكيين أنفسهم قد عانوا من تخبط في الرؤية الاستراتيجية لوجودهم في العراق، حيث أعلن مسؤولون أمريكيون في الثالث من يناير، أن وزارة الدفاع وافقت على إرسال نحو 3000 جندي إضافي إلى الشرق الأوسط، في إجراء احترازي، وأضاف المسؤولون الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أن القوات المشار إليها ستنضم إلى زهاء 750 جندياً أرسلوا إلى الكويت.


فيما قالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بومبيو بحث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف القرار الأخير للرئيس الأمريكي (دونالد) ترامب باتخاذ إجراءات دفاعية حاسمة لحماية الأمريكيين في الخارج، أسفرت عن مقتل قاسم سليماني، رداً على تهديد محدق بحياة الأمريكيين، وأضافت الخارجية الأمريكية: "وزير الخارجية الأمريكي أوضح (للجانب الروسي) أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بوقف التصعيد".


نبرة عالية..


وعقب تنفيذ عملية اغتيال سليماني، اتسمت النبرة الإيرانية بالعلو، وهو ربما ما رفع من تصورات كثيرين بتطور الأمور إلى حرب مفتوحة بين إيران وأمريكا، فقد هدد إسماعيل قاآني القائد الجديد لـ"فيلق القدس" الإيراني، في الثالث من يناير، الولايات المتحدة، متوعداً بأن يرى الجميع "جثث الأمريكان في كل الشرق الأوسط" انتقاماً لقاسم سليماني، وأشار في أول تصريح له بعد تعيينه: "اصبروا قليلاً وسترون بأم أعينكم بقايا جثث الشيطان الأكبر في الشرق الأوسط".


توقعات بحرب..


تلك النبرة الإيرانية العالية دفعت صحيفة "التيلغراف" البريطانية، إلى تقييم اغتيال قاسم سليماني بضربة جوية أمريكية، كواحدة من أكبر التطورات منذ عقود في الشرق الأوسط الذي يشبه برميل بارود، وأشارت إن هذا الاغتيال يتجاوز في خطره وأثره تصفية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وخليفة داعش أبو بكر البغدادي من حيث أهميته الإستراتيجية وتداعياته.


واستكملت أن اغتيال سليماني يمثل خسارة خطيرة للأجندة الإقليمية لإيران، إلا أنه قد يشعل رداً يكون أكثر خطورة من مقتله بحد ذاته، ففكرة أن اغتيال سليماني كانت بتوجيه من الرئيس الأمريكي هو الأمر الأكثر إثارة للدهشة نظراً لادعاء الأخير الواضح بضرورة تجنب تورط أمريكا في حروب مكلفة، وقالت إنه مع مقتل سليماني، أصبحت الحرب قادمة، وهذا أمر شبه مؤكد والسؤال هو أين ومتى وبأي شكل.  


ترامب يُبرر..


وقد برر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي وجيز في الثالث من يناير، قتل سليماني، بتوجيهات منه، وصرّح بأن سليماني كان يخطط لهجمات وشيكة على دبلوماسيين وجنود أمريكيين، مشيراً إلى أن الهجمات الأخيرة على أهداف أمريكية في العراق والهجوم على السفارة في بغداد، كانت بتوجيهات من سليماني شخصياً، وأضاف أن واشنطن تحركت لوقف الحرب ولم تتحرك لبدئها، مشدداً على أن واجبه المقدس هو الدفاع عن البلاد، وقال الرئيس الأمريكي إن استخدام إيران مقاتلين بالوكالة لزعزعة استقرار دول الجوار يجب أن يتوقف الآن.


الولايات المتحدة تُحذّر..


فيما وجه مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين في الرابع من يناير، تحذيراً لـ إيران من الرد على اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، وقال إن أي رد إيراني على مقتل سليماني سيكون "قراراً سيئاً للغاية"، وأردف خلال إفادة للصحفيين عن العملية الأمريكية، أن سليماني استهدف خلال سفره في أنحاء الشرق الأوسط، وهو يخطط لهجمات ضد عسكريين ودبلوماسيين أمريكيين بالمنطقة.


فيما صرّحت السفيرة الأمريكية السابقة في مجلس الأمن نيكي هيلي إن قاسم سليماني كان إرهابياً ويديه ملطخة بالدماء الأمريكية، وطالبت هايلي في تغريدة لها على تويتر أن يصفق لمقتل سليماني كل من يسعون للسلام والعدالة، مضيفة أنها فخورة بأن الرئيس ترامب فعل الشيء القوي والصحيح.


الرد الإيراني: عسكري..


وفي سياق التهديدات الإيرانية، رأى سفير إيران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي في الرابع من يناير، أن قتل سليماني بضربة جوية أمريكية أشبه بشن حرب، مؤكداً أن "الرد على عمل عسكري يكون بعمل عسكري"، وصرّح في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، إن الولايات المتحدة دخلت باغتيال سليماني مرحلة جديدة بعدما بدأت "حرباً اقتصادية" بفرض عقوبات مشددة على إيران عام 2018، وأبلغ السفير الإيراني، مجلس الأمن الدولي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأن بلاده تحتفظ بحقها في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي، مؤكداً أن قتل سليماني "مثال واضح لإرهاب الدولة وعمل إرهابي يمثل انتهاكاً صارخاً للمبادئ الأساسية للقانون الدولي".


35 هدف أمريكي..


بينما قالت وكالة "تسنيم" الإيرانية للأنباء عن قيادي كبير بالحرس الثوري الإيراني قوله، إن إيران ستعاقب الأمريكيين أينما كانوا في مرماها، رداً على مقتل سليماني، وصرّح القيادي غلام علي أبو حمزة، إن 35 هدفاً أمريكياً حيوياً في المنطقة بالإضافة إلى تل أبيب، "في مرمى القوات الإيرانية، داعياً "الولايات المتحدة وإسرائيل أن تكونا في حالة ذعر دائمة بعد اغتيال الشهيد قاسم سليماني"، وأردف: "يعد مضيق هرمز طريقاً حيوياً للغرب، حيث يعبر عدد كبير من المدمرات والسفن الحربية الأمريكية هرمز وبحر عُمان والخليج الفارسي".


سليماني مقابل طرد أمريكا..


لكن وعقب التصريحات النارية للمسؤولين الإيرانيين، صرّح مساعد شؤون العمليات في الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفروشان، إنه يتوقع مُغادرة الجيش الأمريكي الشرق الأوسط بعد تلقيه الرد على مقتل اللواء قاسم سليماني، وشدد نيلفروشان أن "انتقام المقاومة الجغرافي على اغتيال قاسم سليماني سيكون مؤلماً جداً وخارج السيطرة ونتوقع أن يضطر الأمريكيون لمغادرة المنطقة بعد الرد"، وهو ما يبدو أنه الثمن الذي يعتبر الايرانيون أنه قد يكون مناسباً مقابل قتل سليماني، خاصة أن جزءاً من البرلمان العراقي قد طالب بخروج القوات الأجنبية وهو ما استجابت له ألمانيا وكندا بسحب جزء من قواتها، والذي جاء عقب تسريب مسودة قرار من التحالف الدولي بالانسحاب من العراق، اعتبرها وزير الدفاع الامريكية بلا قيمة.


52 هدف إيراني..


لكن الخروج الأمريكي الذي بات هدفاً إيرانياً، لم يبدي الأمريكيون قبولاً به، إذ هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران في الخامس من يناير، وقال إن واشنطن حددت 52 هدفاً إيرانياً سيتم قصفها إذا استهدفت طهران أي أمريكي أو من أصول أمريكية انتقاماً لمقتل قاسم سليماني، ودون ترامب على "تويتر": "إن إيران تتحدث بجرأة شديدة عن استهداف أصول أمريكية محددة كانتقام لتخليصنا العالم من زعيمهم الإرهابي الذي قتل للتو أمريكياً، وأصاب آخرين بجروح بالغة، ناهيك عن كل الأشخاص الذين قتلهم طوال حياته، بما في ذلك مؤخراً مئات المحتجين الإيرانيين، لقد كان بالفعل يهاجم سفارتنا، ويستعد لضربات إضافية في مواقع أخرى".


وأفصح في تغريدة أخرى أن بعض الأهداف المحددة "على درجة عالية للغاية من الأهمية لإيران وللثقافة الإيرانية، وإن تلك الأهداف وإيران ذاتها ستضرب بسرعة كبيرة وبقوة كبيرة"، محذراً عبر "تويتر" طهران من مواصلة تهديد بلاده، وأردف: "الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أي تهديدات أخرى!"، وكتب ترامب: "هاجمونا، ورددنا. وإذا هاجمونا مرة أخرى، وهو ما أنصحهم بشدة بعدم القيام به، فسنضربهم بقوة أكبر مما تعرضوا له من قبل!".


لا عزاء بوجود أمريكا..


وغداة خروج الإيرانيين إلى شوارع طهران، للمشاركة في مراسم تشييع سليماني في السادس من يناير، قال بديل سليماني وهو قاآني "نتعهد بمواصلة مسيرة الشهيد سليماني بالقوة نفسها.. والعزاء الوحيد لنا سيكون طرد أمريكا من المنطقة"، فيما دعا مجلس خبراء القيادة في إيران، جميع المقاتلين إلى الاستعداد لطرد القوات الأمريكية من العراق.


وحذّر ما يسمى "مجلس خبراء القيادة في إيران"، في بيان له، من أن القوات الأمريكية في المنطقة ستواجه قريباً مستنقعاً قاسياً عنوانه الانتقام، مشيراً إلى أن أقل ثمن “لدماء سليماني والمهندس” طرد القوات الأمريكية من البلدان الإسلامية وخصوصاً العراق، وأضاف المجلس، أن “على القوى الثورية في العالم الإسلامي الاستعداد لإخراج القوات الأمريكية من المنطقة”، زاعماً أن “إيران لن تبقى صامتة في وجه العدوان وستضرب بقوة”.


إيران تدفن سليماني..


واليوم الأربعاء، قالت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية الرسمية، أنه جرى دفن "قاسم سليماني"، في أعقاب الهجمات الإيرانية التي استهدفت قوات أميركية في العراق، وأشارت الوكالة أنه و"بعد لحظات من الهجوم الصاروخي على قاعدة عين الأسد في العراق، تم دفن جثة سليماني في كرمان" وسط إيران، مسقط رأس قائد فيلق القدس.


ورغم أن كرمان كانت قد رفعت الراية الحمراء بعد مقتل سليماني، والتي تعني أنه "لا دفن ولا عزاء قبل الانتقام"، فإن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة عقب إعلان ظريف أن الرد الإيراني على مقتل سليماني كان في الضربات الموجهة لـ "عين الأسد"، وهو (هل تراجعت إيران عن تهديداتها وإرتئت أن سليماني لا يستحق حرباً قد تدمر كل ما بناه نظام الملالي؟)، أم أنها (حصلت على ضمانات بالإنسحاب الأمريكي؟)، وهما الخياران اللذان وضعتهما طهران أمام واشنطن.. أسئلة قد تجيب عنها الأيام القادمة، ربما بإعلان واشنطن الانسحاب من العراق، حفظاً لدماء جنودها، أو ربما عبر إرسال المزيد من الجنود تحضيراً لحربٍ قد تكون قادمة.


ليفانت-خاص


متابعة وإعداد: أحمد قطمة

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!